وقع في يدي الأسبوع الماضي عملة ورقية من فئة الجنيه المصري، كتب أحدهم عليها بقلم أزرق عريض (اطمن أنت مش لوحدك) ٠
كان واقع تلك العبارة على قلبي كالسحر، توقفت للحظات في صمت أتعجب من رحمة الحبيب.
فهل الجملة جديدة؟ هل لأول مرة أسمعها؟ ولماذا حركَتني؟
التوقيت في حد ذاته كان رسالة أصابت قلبي بالبِشر في أشد أوقات احتياجي للسند٠
اعتدت أن أبحث عن رسائل الله فلا التقطها مصادفة. هذه المرة أحسست بيده سبحانه وتعالى تُرَبِت على ظهري وكأنه يطمئنني بأنه عضدي، يراني ويشعر بقلبي٠
"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، آية بها كثير من الرأفة بقلوب البشر.
فكرة أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فكرة مريحة لأبعد الحدود؛ تنجيك من الانهيار.
معرفتك أن ما يأتيك من ابتلاء يقاس بسعة روحك، فلا هو فضفاض تصول وتجول بداخله بلا مخرج، ولا هو ابتلاء عميق يغرقك فيأتي عليك.
الفخ الوحيد إنك لن تعرف ذلك وتتيقن منه إلا بعد أن تنجو. هنالك فقط تدرك الصبر الجميل.
ولكن!!
هل الصبر جميل فعلا؟
لا يا صديقي إنه مرهق بشدة، وسر هذا الإرهاق إنه يتوجب عليك أن تفعل ما تفعله وأنت غير قانت، غير ناقم، متقبل لأقدارك ومتحمل آلامها وقسوتها.
الصبر وحش ضاري يحتاج دوام الترويض.
أنا طبيب نفسي، ولن أبلغ الشفاء حتى أتخذ قرار العافية.
من المفارقات المذهلة أن كل ما زهدت فيه دائما يأتيني مهرولا وأن كل ما سعيت لاجتذابه قد لا أحصل عليه.
إنه يا عزيزي تدبير الله، وهو التوقيت المناسب الذي يراه سبحانه من أجل ألا تفسد قلوبنا.
أشياء قليلة في دنيانا ليس لها بدل فاقد.
رغم ذلك، ثق بأنك ستُرمم وتُسر وتنبهر. تتفاوت الأقدَام في الإقدام، وبرغم قسوة الضجيج بداخلك يظل رِضاك مُستسلِما لأقدارك هو أول مطل الانفراج.
كل الأمنيات الطيبة مشروعة، كل ما تصبو إليه من أحلام لأحبابك حق وعدل. رغم ذلك فإن انتظار تحقيق الأماني مَقيت تشيخ معه روحك المتلعثمة.
يبقى في يدك أن تستجلب لنفسك الأقدار السعيدة بأن تصحو وتنام آملا في وصولها. حرر عقلك من الإبر الصبارية التي تنخره، فالأرواح المرهقة لا تتنفس الحياة.
فإذا هبت عليك ريح البلاء كن على يقين بقرب وصول الفرج.
كلنا نقف في طابور الانتظار، ولن يجمع أشلاء أرواحنا سوى أنفسنا. عندما تتجاوز محطات العمر وتقف على أعتاب كل ما جار على روحك لن تجد سوى الصبر الجميل معينًا لك.
تتفتت أرواحنا بقدوم اليأس عليها، أما الأمل في الفرج والعوض هو ما يرمم عثرات قلوبنا النازفة. الصبر والأمل أشرعة واقية من لهيب الأقدار؛ تَفَرّد بكونك تقف على باب الرجاء.
لا تطل البقاء في الحَزَن؛ نوافذ الرغبة في السعادة يلومها غبار يأسنا.
من فهمنا القاصر في الدنيا أن تأخير مطلبنا ينتقص سعادتنا.
أُحب أن اعتنق فكرة أن خيري يكمن في ترتيب الله وأن ما رممته الأيام بداخل قلبي هو ما أقام ساعدي في الدنيا، وأن من لطف الله على قلبي أن يعطيني بدعائي فرجًا متسعًا، وأن مَن كَشَف كربتي سابقًا قادر اليوم على دفع الضُر. سأرفع شكواي إلى الله متيقنة أن من حماني بالأمس قادر اليوم على إقامتي.
إن الخوف من الفقد أسوأ من الفقد نفسه، ولعلنا نكره البلايا بشدة لأننا نخاف وقوعها طوال الوقت. بطريقة أو أخرى نحن نعظم الخوف من الغد بداخلنا، متناسين أن البلاء لا يأتي إلا بصحبة التيسير واللين في العُسر.
يحول الله بين المرء وقلبه فلتكن دعوتنا أن يجعل هذا الحول عن بلايانا فتنتقل.
كل يوم تطلع علينا الشمس لابد لنا أن تكتنف قلوبنا الحياة. أثق أن أمنياتي بين يدي الله قادمة وأن الانتظار وإن طال، فالماء المتجمد على مصفاة القلوب سيقطُر بطلوع الشمس فرجًا بإذن الله.
التعليقات