فى كل خطوة تشعر أنك كائن يحتمل أن يصبح مصدر خطر، لنفسه وللآخرين، وهكذا تشعر بأهمية ورقة التطعيم الكامل المعتمدة رسميا، حيث صار العالم يطبق قواعد صارمة فى كل البلاد، والأمل أن تصدق التوقعات ويصبح الخوف الذى ينشب مخالبه، فى كل لحظة، مجرد كابوس، حتى الآن وصلت العديد من دول العالم وبينها مصر للجرعة الثالثة المعززة، بعض الدول تعاملت مع الرابعة.
وفى كل الأحوال الوضع المصرى بالقياس للعديد من الدول العربية والإفريقية يعتبر جيدًا نسبيًّا، وعلينا أن نصطحب جواز السفر فى كل خطوة، ليس فقط فى ساحة المهرجان ودور العرض، ولكن فى المحال والمقاهى تكشف عن جواز السفر، لم أتعود أن أحتفظ بالجواز فى جيبى إلا فقط وأنا فى طريقى للمطار، الآن هو أهم سلاح تدافع به عن وجودك.
أغلب الأصدقاء المصريين والعرب والأجانب الذين اعتبرتهم فى السنوات العشر الأخيرة من ملامح المهرجان لم أعثر عليهم، بسبب كثرة التعقيدات، واحتمالات الإصابة، آثروا السلامة، المهرجان شبه منزوع النبض الجماهيرى، الناس هم روح مهرجان، وعندما يتضاءل عدد النقاد والصحفيين والإعلاميين إلى أكثر من النصف، ويختصر المهرجان من أيامه ثلاثة- أى حوالى 30 فى المائة من زمنه- نشعر مؤكدًا بالتراجع، تقلصت كثيرا قوة الكارنيه بسبب الجائحة، ولم تعد هناك تذاكر فى اليد ولكن مجرد حجز على أثير (النت)، المهرجان ألغى الحضور (بكارنيه) الصحافة والذى كان يكفى فى نصف عدد الأفلام على الأقل.
الآن بات عليك الحجز مسبقا، وعلى الصحفى أو الناقد أن يراجع نفسه عدة مرات، لأن عدم الالتزام إذا تكرر سيضع الصحفى فى حرج، أقول قولى هذا مع سعادتى قطعا بإقامة مهرجان واقعى رغم الصعوبات، الكل كان يراهن طوال شهر يناير على أن القرار الذى يتم تدارسه سرا هو الإلغاء بدلا من الاقتراب من هذا اللغم القادر على الانفجار فى أى لحظة، وانتصر الرأى الذى أعلن انحيازه للعرض الواقعى مهما كان ثمن التحدى.
على مدى يقترب من عشر سنوات كنا نلتقى العديد من الصحفيين فى الطابق الأول بفندق (جراند حياة)، حيث المركز الصحفى، وتبدو فرصة للنقاش واختيار الفيلم الجدير بالمشاهدة، والبعض أيضا من الممكن أن يخطط لفيلم يشارك فى مهرجان بلده، حيث تعوّد مديرو المهرجانات وفريق العمل، على التواجد فى الكواليس مما يمنح المهرجان زخما أكبر، هذه المرة لا حس ولا خبر ولا يحزنون، ربما هناك يحزنون.
المهرجان ليس أفلاما جيدة ولكن طقس، غاب الطقس فى العديد من تفاصيله الرائعة، على الجانب الآخر هناك إرادة لكى يظل المهرجان يتنفس، خاصة أن المهرجانين المنافسين (كان) و(فينسيا) أقيما واقعيا فى العام الماضى.
ويبقى الحديث عن فيلم افتتاح المهرجان (بيتر فون كانت)، الفيلم الفرنسى للمخرج فرانسوا أوزون، وبطولة دينيس مينوشيه وإيزابيل أدجانى، الفيلم قراءة أخرى مغايرة، أو هو بمثابة الوجه الآخر لفيلم المخرج الألمانى الكبير الراحل إحدى أهم أيقونات السينما الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، راينر فاسبندر، قدمه قبل نحو 50 عاما عن امرأة سحاقية، ولكن فى المعالجة الجديدة صار رجلا، الفيلم تغلفه أجواء مسرحية حيث المكان الواحد الذى تدور فيه الأحداث، وفى يوم عيد ميلاد البطل المثلى جنسيا نرى الأجيال الثلاثة فى علاقتها به الابنة والأم.
الفيلم عن علاقة مثلية جمعت بين المخرج الشهير ووجه جديد يتناول الحب والمنفعة والاستحواذ والاستغلال، الأحداث تجرى فى مرحلة الستينيات، وهناك مساحة من التقبل فى المجتمع الأوروبى للعلاقة المثلية، تختلف درجتها، كما أن هناك أيضا مساحة من الرفض، تختلف شدتها، الشريط السينمائى فى المفهوم الأوروبى يتجاوز كل هذه الاعتبارات التى يعتبرونها خارج النص.
مثل هذه الأفلام لا تعرض فى أغلب المهرجانات العربية وبينها قطعا مصر، وأى محاولة للحديث عن الفن تقابل قطعا برفض وجدانى عنيف، فلا مجال للحديث عن أى تفاصيل أخرى لأنها مستهجنة مسبقا.
فى العالم تحكمهم معايير أخرى، حتى فى التقييم الفنى للفيلم لن يتوقف أحد أمام المثلية، ولكن سيتناولون تقنيات الفيلم، وتلك قضية شائكة جدا فى القراءة العربية بوجه عام، الفيلم يتنافس داخل المسابقة الرسمية مع 17 فيلمًا آخر، أداء بطل الفيلم، دينيس مونوشيه يرشحه لجائزة أفضل ممثل!!.
التعليقات