كثيرًا ما نكرر نفس الاتهام أو نعيد صياغته، حتى يصبح سؤالا يبدو لنا محوريًا وفخمًا، ضخم الجثة، عريض المنكبين، عن الرسالة التى يحملها العمل الفنى.. ولو جاءت إجابة المخرج (على بلاطة) ودون أى مواربة: «ليس لدى رسالة».. فى تلك اللحظة، من الممكن أن تنشط غُدة (سمعة مصر) التى نراها هذه الأيام متضخمة عند البعض، ويوجهون له تلك الضربة المباغتة: أين هوية مصر الثقافية يا عديم النخوة الوطنية؟!.
كثيرا ما شاهدت هؤلاء (الحناجرة)، وهم عادة مجموعة من الفاشلين فى الإبداع، يعتقدون أن إبداعهم الذى تجاوزه الزمن هو فقط الفن وإلا فلا، ولا يدركون أن فى العالم كله من الممكن أن تقدَّم أعمال لمجرد الترفيه، وهى بالمناسبة تشغل المساحة الأكبر من الصورة الفنية، وهى أيضا درجات ومستويات، ويجب أن تُقدم بجدية حتى تحقق الهدف، بينما (عواجيز الفرح) لا يتوقفون عن التنظير الممل، وهم يلاحظون خفوت حضورهم بعد أن باتت بضاعتهم راكدة.
كان من المهم أن يُقدم المخرج بيتر ميمى هذه الاستراحة بعد أن شاهدنا له آخر عامين فى رمضان مسلسل (الاختيار) بجزءيه الأول والثانى وبجماهيرية واضحة، وهو يحمل أعظم رسالة للتضحية فى سبيل الوطن.. من حق الفنان بين الحين والآخر أيضا أن يداعب جمهوره، وهو بالضبط ما فعله بيتر فى (من أجل زيكو) الذى كان يكفيه اختصار العنوان إلى (زيكو) لأن هذا ما سوف يتبقى فى ذاكرة الناس.
الخماسية الدرامية: زوجة مطحونة تعمل فى إعداد الطعام للبيوت لتكسب رزقها (منة شلبي)، وسائق عربة نقل الموتى تكريم الإنسان (كريم محمود عبدالعزيز)، ووالده (محمد محمود) يعانى من (ألزهايمر)، وشقيقه مدمن حبوب الهلوثة (محمود حافظ).. ومع كل هؤلاء الطفل يوسف صلاح.
الكاتب مصطفى حمدى يقدم السيناريو بلا خيال درامى خاص، فهو لا يبتعد عن الصندوق المتعارف عليه، إلا أنه يمتلك خفة ظل فى إضافة لمحة جديدة، فهو يكرر المقرر أكثر من مرة، وكأنه يعيد تسخينه.. نجح المخرج بيتر ميمى فى تسكين ممثليه فى أدوار يبدعون فيها، كما أنه لم يقيد موهبته فى إطار واحد، فقد تنوعت أعماله السينمائية والتليفزيونية ما بين الأكشن والخيال العلمى، وأيضا الكوميديا من أجل الكوميديا، مثل هذا الفيلم.
الدراما الكوميدية قائمة هذه المرة على الخطأ، بسبب تشابه الأسماء يعتقدون أن الطفل (زيكو) واحدا من ثلاثة أصبحوا مرشحين لنيل جائزة الطفل العبقرى على مستوى الجمهورية، وهو تعليم حكومى وبلا أى رعاية خاصة، أبوه فقط يفك الخط بالعافية، بينما أمه لا تعرف من جدول الضرب سوى أن 3 فى 3 تساوى تسعة، وتعتقد أن هذا هو سقف الرياضة، وابنها بما أنه يعرف الإجابة الصحيحة فلقد وصل للسقف. فى قالب سينما الطريق، تبدأ رحلة هذا الخماسى من حى (الدويقة) إلى واحة (سيوة) حيث نعقد المسابقة، ويلتقون نوعيات من المجتمع الذى نصفه بـ«المخملى».. تأتى العقدة عندما نكتشف تشابه الأسماء، وأن المقصود طفل آخر.
المصادفة الثانية عندما يتعذر ذهاب الاسم الآخر وتوافق مقدمة الحفل التى أدت دورها إسعاد يونس على أن يشارك فى التسابق، وهو قطعا غير مؤهل، ثم اللحظة الأخيرة عندنا يخفق فى العمليات الحسابية، بينما منافسوه يتفوقون فى كل العمليات المعقدة، إلا أنه نجح فى غناء (الغزالة رايقة) بصوت لطفل آخر محمد أسامة، ويشاركه الجميع فى النجاح.
واقعيًا.. خارج نطاق الشاشة، نجحت أغنية المهرجانات (الغزالة) فى تحقيق أعلى كثافة للمشاهدة، وكأنهم فى السينما يخرجون لسانهم لأمير الغناء العربى بتلك الأرقام المليونية.. هانى يصادر هذا النوع من الغناء.. قطعا الأغنية لا تحمل رسالة ولا تصدر شيئا إيجابيا، ولكن فقط (تفرفش)الجمهور. السينما فى جزء منها تلعب هذا الدور، والمخرج من حقه أن يقدم بين الحين والآخر هذا النوع التجارى من الأفلام، طالما ليس هناك تدنٍ أو استرخاص فى موقف أو جملة حوار، وهذا هو بالضبط ما حققه الفيلم، فهو لا يكذب ولا يتجمل ولا يدَّعى أكثر من أنه فقط يُسلى الناس.
من الممكن كحل درامى مثلا أن يقدم لنا الطفل خارق الذكاء، وكم شاهدنا من أطفال وبلا خبرة مسبقة لديهم تلك المَلَكات الخاصة فى حل أعتى المعادلات التجارية، ولكن الكاتب والمخرج قررا أن يلعبا بورقة أكثر شعبية تتوافق أيضا مع ثقافة الطفل وموجته وتردد أغنية (الغزالة رايقة). الفيلم ينحاز لأبناء البلد حتى فى تجاوزهم القانون، يتعاطف مع الضعفاء الذين يشكلون الأغلبية، والناس تغفر لهم أخطاءهم الصغيرة. الفيلم يحتل بميزانية إنتاج متواضعة المركز الثانى فى الإيرادات، والفارق طفيف مع فيلم (الجريمة) الضخم إنتاجيًا الذى يحتل المركز الأول، كما أن (زيكو) يتفوق عن الأفلام التالية له فى شباك التذاكر.
لمن هذا الرقم؟ ستجد منة شلبى تتصدر (التترات)، وهى من المرات القليلة فى السينما التى يسبق فيها اسم النجمة كل النجوم.. «منة» أيضا تصدّر اسمها فيلم (نوارة) قبل خمس سنوات، كما أن صورتها (ع الأفيش) تقع فى البؤرة، يشاركها قطعًا كريم محمود عبدالعزيز البطولة. هذه المرة، كريم فى أحسن حالاته كممثل، من الواضح أنه أصبح رهان بيتر ميمى الدائم، منحه قبل عام بطولة فيلمه (موسى).
كريم أيضا يكتفى بأجر أقل لإغراء شركات الإنتاج بترشيحه، فهو لم يتحقق بعد كنجم شباك، تجاربه نحو خمس سنوات لم تحقق له تلك القفزة الجماهيرية، إلا أنها أبقت عليه كورقة شباك محتملة، الإيراد يُحسب فى القسط الأكبر لقدرة المخرج بيتر ميمى على تقديم شاشة جذابة، كما أنه أجاد توظيف الطفل يوسف صلاح، ومنح محمد محمود دور بطولة يستحقه عن جدارة بعد القفزة التليفزيونية العام الماضى (نجيب زاهى زركش).. منة شلبى أداء صادق وتلقائى، وفى لحظات التراجيديا والشجن النبيل وصلت للذروة. (زيكو) فيلم بسيط لا يدعى أى شىء آخر غير (الفرفشة)، مرددًا مع ليلى مراد: (اضحك كركر.. اوعى تفكر) !!.
التعليقات