أول غضروف جالي وأنا صُغيرة، كان عندي ٢١ سنة بعد ما خلفت ابني بشهور، وكان ده بداية تعَّرُفي على الألم إلى اليوم، الناس اللي جالها غضاريف في الفقرات القطنية فاهمة عنف هذا النوع من الألم، كان طبعًا لازم أعمل رنين والأجهزة زمان كانت من أيام الإنسان الأول.. كانت مغلقة.
أول مرة كانت تجربة قاسية؛ أنا عندي فوبيا من الأماكن المغلقة ودخلت تابوت حرفيًّا.. خرجت من الجهاز مهزومة لدرجه إني عيطت في الشارع بصوت عالي لغاية ما روحت البيت.
توالت بعد ذلك الغضاريف وتوالت بالتبعية الحاجة للرنين، ساعتها قلت لنفسي أنتِ كمان لازم تغيري اتجاهك الذهني، متعودتش أسيب حاجة تهزمني ولا سمحت في يوم لحد يكسرني.
بدأت مرحلة التدريب بإني أعد بالعربي وبالفرنساوي لأنها لغة دراستي، فكانت النتيجة غير مُرضيّة، مش حاسمة.
المرات اللي بعد كده بدأت أعد وأسمَع قرآن ليطمئن قلبي، أخدت سنين على بال لما قدرت أتغلب على قفلة الجهاز.
بعد عدة سنوات من الصبر والمحاولة، نجحت وباقتدار لدرجة من غير ما تضحكوا عليا أنا حرفيًّا بنام دلوقت في الرنين، لا الصوت العالي بيزعجني ولا الضمة بتقبضني وتحوّل لمكان بأستمد منه قوتي.
ليه بأستمد منه قوتي لأني بنام عليه بألم مبرح وبأخرج من عليه بألم أقسى، ولكني علِمتُه إنه مش أقوى مني.
كثير من الأوجاع والآلام بتقعد تصارع فيها نفسك والشاطر فينا اللي يخرج من ألمه أقوى نسخة من نفسه.
يمكن محدش يعرف ولا يعيش الصراع المضني ده معاك والأفضل من تجربتي تعيشه لوحدك لأن ضغط الحاجة لزوال الخوف والألم هي السبب الأوحد لتمام وسرعة نجاحك وتغلبك عليه.
طب إسألني اليوم عن معاناة عمرها ٢٨ سنة، أقولك أحسن حاجة حصلت لي في حياتي، أنا بتكلم بجد.
أنت أقوى بعدد الهزائم اللي انتصرت فيها، إحنا صحيح بنتعلم من المكسب، بس الخسارة هي أكبر درس بتقدر بتبني بعده نفسك بطريقة سليمة.
افتكر كام مرة جبت درجات نهائية وعدد النجاحات اللي في حياتك، هتلاقي إن سر قوتك كان بيظهر بعد الإخفاقات اللي عديت بيها، بتخرج متعكز على قوتك الداخلية اللي بتدفعك تكمل نجاحك وتجعله مستمر.
بإيدك تخلي ظروفك تتحكم فيك وبإيدك أنت تتحكم في مصيرك، ربنا خلق لنا أهم حاجتين يخرجوك من الدنيا بخير، الإرادة والبصيرة، الإرادة نبتة غضة بتنميها أنت في نفسك وتغذيها بصبرك وتسندها بحسن استعانك بالله، أما البصيرة فبتكتسبها في مشوارك طول ما أنت معافر وواثق إن ربنا في ظهرك وانه مش بيسيبك ولا يمكن يضيعك.
بتبتدي تشوف ما وراء الوشوش وتسمع من الكلام ما لا ينطق في الحوار وتحس بقلبك الانفراج أو الانقباض لأي حدث يمر بحياتك. ده مش تنجيم؛ دي حقيقة بيعيشها ناس كتير آمنوا بنفسهم وبقدراتهم اللي ربنا خلقها فيهم وبإرادتهم التي لم تهزمها شرور الأيام.
وراء كل ابتلاء بنمر بيه حكمة وعِظة وأجر، القوي اللي فينا ما فيش حاجة تهزمه؛ مش كِبر ولكن حسن استعانة بالله وإيمان بنفسه باللي وَصَل له.
أنت خُلقت لتسعد وتحيا، تتعلم وتفهم، تُبتلى وتَصبر ثم تؤجر فتدخل الجنة برحمة الله. أي حاجة تخليك تحيد عن هدفك ده متعملهاش.
لو سيبت نفسك على راحتها مش حتنجز كتير في حياتك.. اتعلم القيادة برخصة ناجح وخارج من الابتلاء بامتياز.
ربنا عاوزك تعيش قوي؛ الضعفاء لا يتركوا بصمة في الحياة، نجاحك بيسيب علامة في اللي جنبك، بتعْدِيه. خليك مصدر العدوى الإيجابية في حياة غيرك، خليك فرفوش بقلبك مهما كنت تعبان.. متبقاش عبء على غيرك، كمان كآبتك حتخليك أكبر عبء على نفسك.
اسعد بابتلائك كما تسعد بنجاحك؛ فكلاهما يصنع منك إنسان أفضل. اعمل دومًا ليس لتنجح، ولكن احرص على أن تكون أفضل نسخة من نفسك.
التعليقات