سلطت الإعلامية السورية، أمل ملحم، الضوء على 14 إعلامي وإعلامية من مختلف مجالات الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، في كتابها "أعلام من الإعلام.. محطات ورؤى" بالاشتراك مع الإعلامية ميساء نعامة.
يستعرض الكتاب ويوثق آراء مجموعة من الإعلاميين بالشرق الأوسط، نتيجة فكرة ولدت جراء نقاشات متابدلة بين الإعلاميتين حول دور إعلاميين كبار في مسار الإعلام العربي من بينهم: جورج قرداحي، ومحمد منير، ومحمد الحمادي، وانتباهاً إلى الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام باعتباره سلاح يتسلل إلى أدق تفاصيل حياتنا على حد تعبير الكاتبتين في مقدمتهما للكتاب.
الجدير بالذكر أن الكتاب قامت بالتقديم له الأديبة السورية ناديا خوست التي جعلت مقدمتها على شكل رسالة ممهورة إلى الإعلاميتين صاحبتا فكرة الكتاب، تناقش خلالها مجموعة من النقاط التي رأت الأديبة ناديا خوست ضرورة تناولها أثناء الحديث، عن قضايا الإعلام في المنطقة، حيث لخصت توصياتها ورؤاها حول الإعلام في إحدى عشرة نقطة تناولت قضايا الإعلام في جوانب عديدة.
أمل ملحم
وبحسب ترتيب الحروف الأبجدية، جاء ترتيب المشاركين في الكتاب، فكانت أول إفادة من نصيب صاحبة فكرة الكتاب الإعلامية السورية الكندية أمل ملحم، حيث عنونت إفادتها بعنوان ”نافذة على العالم“ قامت خلالها بالحديث عن تجربتها الإعلامية الغنية التي امتزجت ما بين العمل الإعلامي والتدريس الأكاديمي، والتي امتدت لأكثر من عشرين عاماً، تنقلت فيها ملحم ما بين العمل الإذاعي والتلفزيوني والتدريس الأكاديمي والمشاركة في مؤتمرات وقمم معنية بالإعلام.
بدأت ملحم مسيرتها الإعلامية في العام ١٩٩٦ ببدايتها العمل في تلفزيون أبوظبي وبقائها فيه لمدة عشرة أعوام، وتقول ملحم أن النقلة الكبيرة والنوعية في مسيرتها الإعلامية تمثلت في شغلها إدارة مكتب التلفزيون العربي السوري في دولة الإمارات، حيث قامت خلال تلك الفترة بإعداد أكثر ١٠٠ رسالة مصورة للتلفزيون العربي السوري، وكانت عبارة عن تغطيات ومتابعات لأحداث ومؤتمرات كبيرة عقدت بدولة الإمارات باعتبارها مركزاً لاستقطاب الأحداث المميزة في المنطقة على حد تعبيرها.
انتقلت ملحم إلى مرحلة أخرى من مسيرتها الإعلامية بشغلها كرسي التدريس بجامعة أبوظبي ثم كلية الإمارات للإعلام حيث تركز عملها في مجال التدريب الإعلامي، وأيضاً عملت ملحم خلال مسيرتها الأكاديمية بقسم الإعلام بجامعة دمشق.
اتسمت تجربة أمل ملحم بالتنوع والتعدد والتجوال، حيث بصفتها تتنقل باستمرار بين ثلاث دول ”سورية- الإمارات- كندا“ اكتسبت ملحم كثيراً من الخبرات والمعارف المختلفة جرّاء احتكاكاها بشعوب وثقافات مختلفة. كما نشطت أيضاً ملحم في مجال البحوث الأكاديمية، حيثُ رفدت المكتبة البحثية ببحثين أكاديميين، جاء الأول عن أهمية الإذاعة في العالم بالمقارنة بالتفلزيون، وهو بحث مشترك مع الدكتور محمد عايش رئيس قسم الإعلام بجامعة الشارقة. أما البحث الثاني فقد أعدته الإعلامية أمل ملحم في العام ٢٠٠٦ وهو بحث حاول عن دور المرأة الإمارتية في الثورة الإعلامية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
تناولت أمل ملحم خلال إفادتها في الكتاب موضوعات عديدة، تنوعت ما بين استعراض تجربتها وبعض التوصيات التي تركتها للعاملين في مجال الإعلام من أجل النهضة بالإعلام في العالم العربي، حيث ختمت مساهمتها بالدعوة لميثاق إعلامي عربي كبير يكون مرجعاً تعود إليه جميع المؤسسات الإعلامية والعاملين في مجال الإعلام.
جورج قرداحي.. قصة نجومية ..وقصة حياة:
أحد أبرز المشاركين في الكتاب التوثيقي كان هو الإعلامي اللبناني ذائع الصيت جورج قرداحي. قرداحي الذي إشتهر في العالم العربي وهو يجلس في كرسيه الشهير في برنامج من سيربح المليون ”نسخة الشرق الأوسط“، يحكي من خلال إفادته في هذا الكتاب قصة تدرجه في العمل الإعلامي الذي بدأ في العام ١٩٧٠ كمصحح للغة وللطباعة بجريدة (لسان الحال) اللبنانية، التي يقول أنها ”الجريدة“ كان لها فضل كبير عليه وعلى تكوينه المهني، حيث بعد أشهر من عمله كمصحح لغوي، بدأ الأستاذ الراحل كيوان نصار بتكليفه بعمل تغطيات صحفية.
ويقول قرداحي عن هذا الأمر أنه أكسبه ثقة بالنفس، ومنحه فرصة التعرف على من رجال الإقتصاد والسياسة في لبنان.
بعد أربعة أعوام من عمله في جريدة لسان الحال، خطا قرداحي خطوته الثانية في مسيرته الباهرة، حيث كان إنتقاله للعمل في تلفزيون لبنان خطوة جديدة يخطوها في مجال الإعلام المرئي والمسموع بعد أن صقل تجربته في مجال الإعلام المقروء، فعمل في تلفزيون حتى العام ١٩٧٨ ليتنتقل بعدها مباشرة للعمل في الإذاعة الدولية المشهورة ”مونتي كارلو“ الذي استمر اثني عشر عاماً.
أما قصة البرنامج الأشهر في مسيرة قرداحي“من سيربح المليون“ فقد حوت الإفادة التي تقدم بها في هذا الكتاب تفاصيل وخبايا اختياره لتقديم البرنامج في نسخته العربية التي أنطلقت في عام ١٩٩٩ على شاشة mbc، حيث استمر بالعمل في مجموعة mbc حتى العام ٢٠١٠حيث تم“الطلاق“ بينه وبين محطته ”الحبيبة“ كما يدعوها.
يتناول قرداحي في هذه الإفادة كثير من الأسرار والخبايا التي اكتنفت مسيرته الإعلامية، ويضع بين يدينا رؤية عما سمي ”الربيع العربي“ وهو الأمر الذي جلب له كثير من الخلافات في ذلك الوقت، بالرغم من أن البعض عاد وكتب إليه معتذراً وموافقاً على ما كان قرداحي يدعو إليه.
محمد منير… بيوغرافيا ربع قرن من العمل الصحفي والإعلامي:
إنها رحلة إبتدأت من الشغف، الشغف الطفولي الذي اختلط برائحة الورق والمجلات القديمة، حيث يؤرخ الكاتب الصحفي والإعلامي "محمد منير" لبداية هذا الشغف بحادثة وقوع مجموعة من المجلات بيد الصبي صاحب الإثني عشر عاماً حينها ليبدأ بعدها رحلة جعلت من علاقته مع الكلمة والورق علاقة تمتد لأن يمتهن الصبي بعد أعوام قليلة مهنة الصحافة.
وقبل ذلك بدأ منير ممارسة العمل الإعلامي والكتابي عبر مراسلته بعض الصحف والمجلات، لكن إلى ذلك الحين لم يتخيل محمد منير أن هذا الشغف الطفولي سيتحول إلى حياة كاملة، حياة مكللة بالعمل الصحفي في العديد من المجلات والصحف، بل بأحد أعرق المؤسسات الإعلامية بجمهورية مصر، وهي مؤسسة الأهرام التي لاحت له فيها فرصة للتدريب في بداية تسيعنات القرن المنصرم، لتنتهي بالعمل رسمياً في مؤسسة الأهرام من خلال إصدارتها صحيفة الأهرام، حيث رفد الصحيفة بالعديد من التحقيقات والمقابلات والمواد الصحفية المميزة.
منير الذي تخرج من كلية الأداب - قسم الإعلام جامعة الزقازيق، يعد أحد أنشط العاملين في مجال الإعلام في المنطقة، واتسمت مساهماته بالتنوع والإبتكار، حيث لم يقصر إسهاماته في المجال الصحفي فقط، حيث قدم العديد من المبادرات والمشاريع المميزة، كما قام بتأليف كتابين، أحدهما كان مجموعة عن حوارات قام بها لصالح صحيفة الأهرام، لتصدر لاحقاً في كتاب عن دار أطلس للنشر، وأيضاً فاز عن ذات الحوارات بجائزة الصحافة العربية.
أما الكتاب الآخر فهو كتاب ”فنان الشعب“ الذي يتناول حياة الفنان يوسف وهبي في العديد من جوانبها، وهو أيضاً كان عبارة عن مواد صحفية نشرت تباعاً على صفحات الصحف. الجدير بالذكر أن هذا العمل أيضاً كان قد فاز بجائزة التفوق الصحفي الأولى.
يستعرض منير في إفادته في كتاب ”أعلام من الإعلام“ العديد من المحطات المهمة خلال مشواره الإعلامي، بداية بسر هذا الشغف، مروراً بسنوات الدراسة وبدايات التدريب، ثم امتهان الصحافة بشكل رسمي، والتنقل في العمل ما بين العمل الصحفي والعمل التلفزيوني والإذاعي، ومسؤليات العمل كرئيس تحرير وكمؤسس ورئيس تنفيذي للعديد من المشاريع المهمة، كما استعرض أيضاً تجربته بصفته الرئيس التنفيذي لشركة ميديا نيتشر للإستشارات الإعلامية وبوصفه مستشاراً في العديد من المشاريع الإعلامية والثقافية، وكل ذلك بلغة سلسة وسرد جزل يأخذ القارئ إلى أعماق التجربة ويربطه بأدق تفاصيلها ولحظاتها.
محمد الحمادي.. الكتابة مشروع حياة
”الكتابة بالنسبة لي ليست بالأمر السهل، بل هي عملية مخاض صعبة، تكمن صعوبتها في إدراكي لحقيقة أن الكتابة رسالة، وإيماني بأن القلم الذي أحركه يميناً ويساراً، سيف عليّ أن أتحكم فيه بعناية… أكتب لأعبّر بقلمي ومدادي عن بني وطني..“ تلك كانت بعض الكلمات التي عرّف بها رئيس تحرير صحيفة الإتحاد الإمارتية السابق، محمد الحمادي، مشروع الكتابة بالنسبة له.
الحمادي المولود في العام ١٩٧١ بدولة الإمارات العربية المتحدة تخرج في جامعة الإمارات العربية المتحدة في العام ١٩٩٤ في تخصص الإعلام والإتصال الجماهيري، يقول عن تجربته في مجال الإعلام، إنه وبالرغم من نشاطاته الإعلامية المبكرة إلا أنه لم يكن يفكر في أن يحترف العمل الإعلامي، فالحمادي كان قد قضى عاماً دراسياً كاملاً في كلية العلوم بجامعة الإمارات قسم ”علوم الحياة“، ويقول إنه في يوم من الأيام جلس متخيلاً مستقبله، فلم يرق له العمل كمدرساً في مدرسة ثانوية، ولا حتى العمل في وحدة بحثية أو معمل تحاليل، ورغم إحترامه لتلك المهن كما يقول، إلا أنه لم تكن ترضي شغفه.
يقول الحمادي في إفادته في كتاب ”أعلام من الإعلام“ أن أحد أصدقاءه الذي يكبره بأعوام، باغته بسؤال غير مسار حياته كلياً، فبحكم تلك العلاقة ما بين الحمادي وصديقه هذا، ومعرفته بما قدمه الحمادي في السنين الأولى من الدراسة الجامعية، بالمشاركة في الأنشطة التوثيقية والإعلامية، وغيرها من المشاركات ذات العلاقة بالكتابة والإعلام، باغته بسؤال ”لماذا لا تدرس الإعلام يامحمد“ وكان ذلك السؤال الذي على إثره قام الحمادي بسحب أوارقه من كلية العلوم، وانتقل إلى كلية الإعلام، التي يقول عنها: "إنه بالتواجد في قاعات كلية الإعلام أحس بأنه وجد نفسه أخيراً".
وككثير من الأعلام التي شاركت في هذا الكتاب، نجد أن جميعهم ابتدت رحلتهم المهنية منذ عامهم الدراسي الأول، كذلك كان الحمادي، حيث بدأ التدريب منذ عامه الدراسي الأول ضمن واحدة من أعرق الصحف الإمارتية، صحيفة الاتحاد، التي سيصير رئيس تحريرها لاحقاً.
يحكي الحمادي عن أجواء التدريب داخل الصحيفة المميزة، وتجربة تحمله كتابة عمود افتتاحية باب ”راي الناس“ حيث كان ذلك التكليف ونجاحه فيه إحدى المحطات التي ساهمت في صقل تجربته الصحفية والمهنية.
كتاب أعلام من الإعلام يعد رحلة شيقة، مليئة بالتفاصيل واللحظات المميزة التي عايشها هؤلاء الأعلام أثناء ما كانوا يشقون دروبهم على طريق التميز والنجاح، ويعد الكتاب أيضاً، إشارات وملاحظات مهمة هي خلاصة عقول صقلتها التجربة، مهمومةً بمآل الإعلام في العالم العربي، ومستشعرةً قدر المسؤولية.
التعليقات