تساءل الكثيرون عن حقيقة إمكانية نقل عدوى فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، من جثث المتوفين إلى الأشخاص الأصحاء، خصوصا بعد ما شهدت مصر واقعة مؤسفة صباح اليوم السبت، بتجمهر عدد من أهالي إحدى القرى بمحافظ الدقهلية شمال القاهرة، أمام سيارة إسعاف تنقل جثة طبيبة متوفية بفيروس كورونا رافضين دفنها بأرض القرية خوفا من نقل العدوى.
ونرصد لكم في السطور التالية آراء بعض المتخصصين في هذا الشأن، وهل فعلا يمكن أن تكون جثة المتوفي بكورونا ناقلة للمرض.
يقول الدكتور المصري أحمد شاهين، أستاذ علم الفيروسات، إن العدوى في فيروس كورونا تحدث بالمخالطة والمصافحة والمتوفي لن ينقل العدوى لأي فرد صحيح.
وأوضح أن هناك إجراءات احترازية وصحية مشددة للتعامل مع الحالات المتوفية بفيروس كورونا وذلك خوفا على الآخرين من انتقال العدوى، بأنه يتم ارتداء غطاء الرأس والوجه والجوانتي والكمامات والدرع الواقي عند تغسيل ودفن الحالة المتوفاة بفيروس كورونا.
وأضاف: "يتم نقل المتوفين بفيروس كورونا إلى المشرحة في مكان معقم ومطهر ويتم غسل المتوفى بالماء والصابون 3 مرات ومرة أخرى بالفورملين 5% كي يكون جسد المتوفى معقم بشكل كامل".
وأكمل: "يتم لف المتوفى بالكفن المخصص له ثم يوضع في كيس متين ومغلق ثم في كيس آخر ولا يمكن انتقال عدوى من المتوفين بفيروس كورونا لأي فرد على الإطلاق".
وأجابت منظمة الصحة العالمية على تساؤول هل هناك إجراءات خاصة للتصرف في جثث الأشخاص المتوفين نتيجة فيروس كورونا المستجد؟، قائلة: لا توجد هناك أي إجراءات خاصة للتصرف في جثث الأشخاص المتوفين نتيجة فيروس كورونا المستجد، وينبغي للسلطات والمرافق الطبية أن تطبق سياساتها ونظمها القائمة التي تنظّم التصرف في جثث الأشخاص المتوفين نتيجة أمراض معدية".
أما البروفيسور رشيد بلحاج رئيس مصلحة الطب الشرعي بمستشفى مصطفى باشا الجامعي ورئيس الأكاديمية الجزائرية لتطوير علوم الطب الشرعي، فيقول: "صحيح أنّ الجثة لا تتنفس، لكن الفيروس الذي أصابها لا يزال فيها، خاصة أثناء الغسل حيث يمكن أن يخرج منها سوائل من الأنف أو الأذنين أو فتحة الشرج ويزداد الخطر إذا كان المعني قبل وفاته يعاني من إسها، كل هذه السوائل يمكن أن تحمل معها ملايير الفيروسات تكون 100 مرّة أكثر خطورة من السعال، كما أنها تعرّض حياة من يقوم بهذه العملية للخطر وعادة يكون هؤلاء من المسنين والشباب".
وأضاف: "أعطينا في الأكاديمية توصيات وتعليمات معمول بها في عديد الدول التي مسها وباء كورونا ومنها أن الجثة لا يجب أن تغسّل إذا توفي الشخص في المستشفى والحمد لله الفتوى التي أصدرتها لجنة الافتاء على مستوى وزارة الشؤون الدينية جاءت مطابقة لذلك فالجثة فعلا بإمكانها أن تكون مصدر عدوى حقيقية".
وأكمل: "تحفظ الجثة في ثلاجات في درجة برودة تعادل 4 درجات مئوية تجنبا لأي تعفن سريع قد ينجر عن الالتهاب الحاد الذي أصيبت به ومن المستحسن يقول المختص أن تدفن في نفس اليوم، وأن توجه مباشرة نحو المقبرة من دون مرورها بالبيت، حيث تتم عملية الدفن للمقبرة باحترام مبادئ الشريعة الإسلامية، داعيا إلى عدم حضور عدد كبير للمقبرة مع احترام مسافة 1.5 متر بين الفرد والآخر وذلك كون بعض أقارب الميت قد يكونون حاملين إيجابيين للفيروس".
وأشار الدكتور عماد بوظو الباحث في أمراض الرئة بالولايات المتحدة، إلى حقيقة علمية مهمة وهي أن الفيروس يعتمد على الخلايا الحية لكي يعيش.
وأضاف: "بعد موت الإنسان بكورونا، يستمر الفيروس بالحياة لفترة قد تمتد لساعات ولكن هذا الفيروس لا يملك طريقة للخروج من الجسد الميت لأنه عند الكائن الحي يخرج بالسعال وينتشر ويعدي بينما لا يستطيع الخروج من رئة المتوفى".
وأوضح أن الفيروسات كائنات شبه غير حية ولا مجال لها للتكاثر دون استعارة مكونات الخلية الحية من إنزيمات وغيرها، وفيروس كورونا الحالي فيروس جديد، لكن لا أعتقد أن الجثث المصابة به تشكل مصدر خطر إضافي، استنادا لهذه الحقيقة العلمية".
وأيدت منظمة الصحة العالمية هذ القول خلافا للاعتقاد الشائع، بأنه لا يوجد دليل على أن الجثث تشكل خطرا بعد الإصابة بأمراض وبائية بعد كارثة طبيعية، وذلك لأن، معظم الجراثيم المسببة للأمراض لا تبقى على قيد الحياة لفترة طويلة في جسم الإنسان، بعد الموت.
وحسب المبادئ التوجيهية للمنظمة الدولية، فإن الرفات البشرية لا تشكل خطر كبيرا على الصحة، إلا في حالات خاصة قليلة، مثل الوفيات الناجمة عن الكوليرا أو الجمرة الخبيثة (الأنثراكس) أو الحمى النزفية.
ومع ذلك، تقول منظمة الصحة العالمية، إن أولئك الذين يتعاملون بشكل دائم مع الجثامين، قد يتعرضون لخطر الإصابة بعدوى السل والفيروسات المنقولة بالدم "مثل التهاب الكبد B و C و HIV" والالتهابات المعدية المعوية.
وتأتي هذه التوجيهات في الوقت الذي تسود فيه مخاوف بمجتمعات عدة، من التعامل مع جثث المتوفين بفيروس كورونا.
ودعت منظمة الصحة العالمية إلى مشاركة مبادئها مع كل العاملين في مجال الصحة والطوارئ وعامة الناس، لتهدئة المخاوف وتجنب سوء الفهم، وضمان اتخاذ الاحتياطات المناسبة عند التعامل مع جثث الأشخاص الذين توفوا جراء فيروس كورونا، استنادا لمبادئها التوجيهية.
وتقول دراسات حديثة إن فيروس كورنا المستجد یسطيع العیش على الأسطح البلاستيكية والحديدية بين 24-72 ساعة.
ومع ذلك نصحت منظمة الصحة العالمية خصوصا أولئك الذين يتعاملون بشكل روتيني مع الجثث، بممارسة الاحتياطات العالمية المتخذة عند التعامل مع الدم وسوائل الجسم، واستخدام القفازات مرة واحدة فقط والتخلص منها بشكل صحيح. إضافة إلى استخدام حقائب الجسم (الكفن)، وغسل اليدين بالصابون بعد تداول الجثث مع تطهير المركبات والمعدات المستخدمة خلال عملية التكفين.
ووجهت منظمة الصحة العالمية الذين يتعاملون مع الجثث أيضا بالتطعيم ضد "التهاب الكبد الوبائي بي"، وأكدت أنه لا حاجة لتطهير الأجسام قبل دفنها، إلا في حالة الوفاة بمرض الكوليرا.
رأي الإفتاء في غسل المتوفي بكورونا
أجاب الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية:" الأصل أن المسلم إذا مات يٌغسل ويٌكفن ويٌصلى عليه، ولكن بفرض أن المسلم المتوفى كان مريض بمرض معدى والجهات المعنية قالت إن تغسيله يساعد في نشر الوباء أو المرض، وهذا حدث في منذ عدة سنوات حينما انتشر مرض الإيبولا قالت منظمة الصحة إن التغسيل يساعد في انتشار الوباء، هنا يكون الحل عدم تغسيله ويمكن تيميمه وإذا تيقنا أن تيميمه أيضًا ينقل العدوى فلا نيممه ونكفنه ونصلى عليه".
وتابع أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: "ولكن ليس مجرد أن يكون هناك مرض معدى فلا نغسله فهناك إجراءات وقرارات من الصحة ومرجعنا في ذلك الجهات الطبية الموثوق فيها، وحتى الآن لم تصل إلينا شيء ما يمنعنا من التغسيل".
وأصدر الدكتور شوقي علام، مفتي جمهورية مصر العربية، بيانا عاجلا، اليوم السبت، بشأن تعدد واقعة رفض بعض المواطنين دفن شهداء فيروس كورونا.
وجاء نص البيان كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه إلى بوم الدين وبعد،فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) وهذا التكريم الإلهي وهبه الله للإنسان حتى بعد موته وانتقاله إلى لقاء الله تعالى، لا فرق في ذلك بين مسلم أوغيره ولا بين غني أو فقير ولا بين صحيح أو مريض.
ومن أهم مظاهر تكريم الإنسان بعد خروج روحه التعجيلُ بتغسيله والصلاة عليه وتشييع جنازته ثم دفنه، وهذا ما أجمعت عليه أمة الإسلام منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، حتى شاع على ألسنتنا جميعا قول إمام السلف أيوب السختياني رضي الله عنه : (إكرام الميت دفنه) ويؤيده ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ).
وعلى ذلك فلا يجوز لأي إنسان أن يحرم أخاه الإنسان من هذا الحق الإلهي المتمثل في الدفن الذي قال الله فيه (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) ولا يجوز بحال من الأحوال ارتكاب الأفعال المُشينة من التنمر – الذي يعاني منه مرضى الكورونا شفاهم الله أو التجمهر الذي يعاني منه أهل الميت رحمه الله عند دفنه، ولا يجوز اتباع الأساليب الغوغائية من الاعتراض علي دفن شهداء فيروس كورنا التي لا تمت إلى ديننا ولا إلى قيمنا ولا إلى أخلاقنا بأدنى صلة، فإذا كان المتوفى قد لقي ربه متأثرا بفيروس الكورونا فهو في حكم الشهيد عند الله تعالى لما وجد من ألم وتعب ومعاناة حتى لقي الله تعالى صابرًا محتسبا.
فإذا كان المتوفى من الأطباء المرابطين الذي يواجهون الموت في كل لحظة ويضحون براحتهم بل بأرواحهم من أجل سلامة ونجاة غيرهم، فالامتنان والاحترام والتوقير في حقهم واجب والمسارعة بالتكريم لهم أوجب، فيجب على من حضر من المسلمين وجوبا كفائيا أن يسارعوا بدفنه بالطريقة الشرعية المعهودة مع اتباع كافة الإجراءات والمعايير الصحية التي وضعتها الجهات المختصة لضمان أمن وسلامة المشرفين والحاضرين، وبما يضمن عدم انتشار الفيروس إلى منطقة الدفن والمناطق المجاورة.
وفي الختام ندعو جميع المصريين، أن يعلموا جمبعا على سد أبواب الفتن بعدم الاستماع إلى الشائعات المغرضة، وألا يستمعوا إلا لكلام أهل العلم والاختصاص، وأن يتناصحوا وأن يتراحموا وأن يتعاونوا على البر والتقوى، ولنكن كما قال صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، فنسأل الله تعالى أن يوحد صفوفنا وأن يهدينا طريق الحق والصواب والرشاد، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التعليقات