عبد السلام النابلسي، الكونت دي نابلوز كما لقب، رغم أدواره الثانوية إلا أنه أحد أهم صناع الكوميديا في السينما المصرية، استطاع أن يكوّن لنفسه شخصية فنية مميزة، بداية من فيلمه "غادة الصحراء" عام 1929، حتى فيلمه الأخير "أهلًا بالحب" عام 1968.
وعلى الرغم من مرور عشرات السنوات على وفاته، إلا أن أدواره وجمله مازالت خالدة ومتداولة حتى يومنا هذا: "يا أيتها السماء صُبي غضبك على الأغبياء"، "ناس لها حظ وناس لها ترتر".
ولد عبدالسلام النابلسي، في مثل هذا اليوم عام 1899، لأسرة فلسطينية تعيش في لبنان، وبدأ حياته في مصر حين أرسله والده لتلقي العلم بالأزهر الشريف حين بلغ العشرين من عمره، من ثم خاض تجربته في العملية الأولي، من خلال عمله في الصحافة الفنية والأدبية من خلال بعض المجلات مثل "اللطائف المصور"، و"آخر ساعة"، و"الصباح"، وجريدة "الأهرام"، كما عمل ايضًا كمترجم بدار الهلال.
وكانت بدايته الفنية في السينما، حين أسند إليه دور صغير في فيلم "ليلى"، من خلال صديقه السيناريست أحمد جلال، لكن بدايته الحقيقة والتي فتحت له أبواب السينما، كانت في فيلم "وخز الضمير" عام 1931.
لم يكتف النابلسي بعمله كصحفي ومترجم وممثل، بل قرر خوض تجربة الإخراج، وعمل كمساعد مخرج وخاصة مع الفنان يوسف بك وهبي.
لكنه عاد للتركيز في عمله كممثل عام 1947، حيث قُدمت له الكثير من الأدوار التي تمثل ومضات في تاريخه الفني، ومنها القناع الأحمر، حب وجنون، حمامة السلام، عدل السماء، أرض السلام.
ولأنه كان صديقًا للفنان فريد الأطرش فقد أشركه معه في معظم أفلامه، مثل لن أنساك، وعهد الهوى، وعفريتة هانم وانت حبيبي، والحب الكبير، وغيرها الكثير من الأفلام. كما حدث الشيء نفسه، عندما لمع نجم عبد الحليم حافظ وحرص على إشراك النابلسي في أفلامه مثل ليالي الحب، وشارع الحب، ويوم من عمري، وحكاية حب، وفتى أحلامي.
كما قام بدور البطولة في فيلم "بنات بحري" عام 1960 للمخرج حسن الصيفي أما باكورة إنتاج السينمائي، فقد كان فيلم "حلاق السيدات" عام 1960، وقد قام ببطولته أيضًا أمام الممثلة كريمة وإسماعيل ياسين وزينات صدقي وهو من تأليفه وفيه تحوّل إسماعيل ياسين لممثل مساعد له، ثم "عاشور قلب الأسد" لحسين فوزي 1961، والذي أنتجه له الفنان رشدي أباظة، و"قاضي الغرام" لحسن الصيفي 1962 وكان آخر أفلامه في مصر، وفي العام نفسه شارك في بطولة فيلم "الفرسان الثلاثة" لفطين عبدالوهاب."
ومع نهاية العام 1962، كان من المفترض أن يشارك النابلسي عبدالحليم حافظ في فيلم "معبودة الجماهير" وهو الدور الذي قام به الفنان فؤاد المهندس.
ولكن مع تزايد الشهرة زادت ايضًا الضرائب، مما جعله يقرر الرحيل إلى لبنان، وأخذ يرسل لمصلحة الضرائب حوالة شهرية بمبلغ 20 جنيهًا، وهذا يعني أن تسديد المبلغ المستحق عليه سيستغرق 37 عامًا، وهو ما اعتبرته مصلحة الضرائب دليلًا على عدم جديته في السداد فقررت بعد ثلاث سنوات من رحيله أي في العام 1965 الحجر على أثاث شقته المستأجرة في الزمالك، والتي لم تكن بقيمة المبلغ المطلوب.
وفي بيروت عاش النابلسي ملكًا، وأصبح عام 1963 مديرًا للشركة المتحدة للأفلام، وساهم في زيادة عدد الأفلام المُنتجة كل عام في لبنان ومنها أفلام "فاتنة الجماهير"، و"باريس والحب"، و"أفراح الشباب"، و"بدوية في باريس"، و"أهلًا بالحب".
وفي عام 1959 قرر أشهر عازب في الوسط الفني إعلان زواجه من "جورجيت سبات"، وكان حينذاك قد بلغ الستين من عمره.
ولكن رغم أدواره الكوميدية السعيدة، إلا أنه لاقى نهاية محزنة حيث توالت الأحداث المأساوية عليه، فكان إعلان إفلاس بنك "انترا" ببيروت مما يعني إفلاس النابلسي كذلك، أعقبها زيادة شكواه من آلام المعدة، حتى قالت الفنانة صباح رفيقته لتونس في تصوير فيلم "رحلة السعادة" إنها كانت تسمع تأوهات عبدالسلام من الغرفة المجاورة، رغم حرصه على فتح صنابير المياه، حتى لا يسمع أحد صوت توجعه.
وبعد عودته إلى بيروت أخذت حالته تزداد سوءًا، إلى أن امتنع عن الطعام تمامًا قبل أيام من رحيله. حتى كانت ليلة 5 يوليو 1968، وقبل وصوله إلى المستشفى، لفظ عبدالسلام النابلسي أنفاسه الأخيرة، ولم تجد زوجته مصاريف الجنازة، فتولاه صديقه الفنان فريد الأطرش، الذي حاولوا جاهدين إخفاء الخبر عنه، لكنه علم من الصحف، وانهار مريضًا، حزنًا على رحيل صديق العمر.
وبعد وفاته أعلنت صديقته الفنانة زمردة، مرض عبدالسلام بالقلب منذ عشر سنوات، واخفاؤه ذلك حتى عن أقرب الناس إليه، حتى لا يبعده المخرجون والمنتجون عن أفلامهم.
وكانت قد عرفت ذلك بالصدفة، عندما أرسل معها بعض التقارير الطبية إلى الطبيب العالمي المشرف على علاج فريد الأطرش د.جيبسون، وهو الذي أخبرها بحقيقة مرضه، وعقب عودتها صارحته بما عرفت، فبكى أمامها، واستحلفها أن تحفظ هذا السر وهو ما فعلته حتى وفاته.
التعليقات