تحت عنوان "العوامل المؤثرة في تبني الخدمات الحكومية الرقمية" قدمت الباحثة راجيا عبد الوهاب دراسة علمية على شكل رسالة ماجستير ناقشتها في الجامعة البريطانية في دبي، وتعرّضت فيها إلى إشكالية تواجه الحكومات الإلكترونية والرقمية في المنطقة والعالم، وهي مشكلة الفجوة القائمة بين تطوّر الخدمات الحكومية الرقمية وبين تبني تلك الخدمات من قبل الجمهور المستهدف.
وتشير الدراسة إلى أهمية الاعتماد على البيانات في تحليل سلوك المتعاملين واستشراف تطلعاتهم نحو الحصول على خدمات سهلة وذكية توفر وقتهم وجهدهم وأموالهم. ويوفر موقع غوغل العالمي خدمة تحليل البيانات الخاصة بزوار المواقع ومتعاملي الخدمات بما يعطي القائمين على الحضور الإلكتروني صورة شاملة وواضحة حول سلوك المتعاملين ونقاط الجذب والعقبات التي تعيق حصولهم على الخدمات الإلكترونية.
وحول اختيارها التجربة الإماراتية كمرجعية للدراسة قالت الباحثة راجيا عبد الوهاب: "في السنوات الخمس الأخيرة حققت دولة الإمارات قفزات كبرى في التحول الرقمي، بدأت مع إعلان قيادة الدولة عن إطلاق الحكومة الذكية في مايو 2013، وما تلا ذلك من تطورات متسارعة أتاحت معظم الخدمات الحكومية لجمهور المتعاملين عبر قنوات رقمية وبوسائل ذكية تقوم على الاستباق والتفاعل والتطور المستمر مع الأخذ بمبدأ محورية المتعامل. ومن المعروف أن فترة العامين ما بعد إطلاق الحكومة الذكية شهدت إتمام عملية التحول الرقمي باستثمارات مالية كبيرة واعتماداً على كفاءات بشرية ذات خبرة طويلة، الأمر الذي حظي بتقدير القيادة الحكومية، وجعل دولة الإمارات مثالاً يحتذى في المنطقة والعالم. وبعد انتهاء العامين أطلقت القيادة أهدافاً جديدة تلزم الجهات الحكومية بالعمل على زيادة استخدام الخدمات من قبل الجمهور، ورفع مستوى رضا المتعاملين".
تقع الدراسة في ستة فصول، وتقوم على تحليل منهجي لمئات الدراسات والتجارب الموثقة في العديد من مناطق العالم، كما تستند إلى خبرة الباحثة راجيا عبد الوهاب في عملها الطويل كمحلل أعمال أول في حكومة الإمارات الرقمية، واطلاعها على التجارب العربية والعالمية في التحول الرقمي وتقديم الخدمات الحكومية عبر القنوات الإلكترونية المتطورة. حيث يتعرض الفصل الأول لتحديد المشكلة والأسئلة المتعلقة بها، والفصل الثاني يسلط الضوء على التحول الرقمي من خلال تجارب متعددة، ويعرض الفصل الثالث مراجعة منهجية للعديد من الأبحاث التي تطرقت لهذا الموضوع من قبل، أما الفصل الرابع فيتعمق في تحليل تجربة دولة الإمارات في تطوير البوابة الرسمية لحكومتها (government.ae)، ويقدم الفصل الخامس عرضاً مفصلاً لنتائج الدراسة، وصولاً إلى الفصل السادس الذي يستعرض الاستنتاجات والتوصيات والرؤية الاستشرافية لمستقبل الخدمات الحكومية الرقمية.
وأشاد البروفيسور عبد الله الشامسي نائب رئيس الجامعة البريطانية في دبي بالدراسة قائلاً: "نحن في الجامعة البريطانية في دبي ندعم كل جهد أكاديمي يسلط الضوء على مستقبل العمل الحكومي في ظل تسارع التطورات ودخول العالم عصر الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، وذلك انطلاقاً من إيماننا بأهمية الربط بين البحث العلمي والواقع ببعديه المحلي والعالمي. ويأتي هذا العمل البحثي منسجماً مع توجهات الجامعة وريادتها في اعتماد تخصصات المعلوماتية وعلوم البيانات. إن هذا العمل البحث الذي تمت مناقشته كرسالة ماجستير يصلح لأن يكون منطلقاً لتطوير الحضور الإلكتروني للحكومات استناداً إلى ما توفره بيانات الاستخدام من معلومات حول سلوك المستخدمين وتوقعاتهم، وما تستهدفه الحكومات من تحقيق السعادة لمتعامليها."
من جهته قال البروفيسور خالد شعلان رئيس برنامج الماجستير في المعلوماتية بالجامعة البريطانية في دبي: "لقد قامت المهندسة راجيا عبد الوهاب بعمل بحثي عميق ووثيق الصلة بالواقع، وقد استفادت من تجربتها الحية في العمل الحكومي بدولة الإمارات التي تعد نموذجاً متقدماً في التحول الرقمي، وهذا ما أعطى الدراسة ميزة إضافية. ولعل القيمة الإضافية لهذا النوع من الدراسات هو أنه يمزج بين الإطار النظري والتطبيق العملي، كما يمزج أيضاً بين التجربة المحلية والتجارب العالمية ليقدم بحثاً متكاملاً يستفيد منه الباحثون وصناع القرارات الحكومية."
ومن أهم العوامل التي تطرقت إليها الدراسة في تحديد مدى الإقبال على الخدمات الحكومية الرقمية هو عامل الثقة، الأمر الذي يتطلب من الحكومات تطوير خطط مدروسة لإدارة المخاطر ومعالجة المخاوف المشروعة لدى المستخدمين فيما يتعلق بخصوصية البيانات، وحماية أموالهم، وغير ذلك من المخاوف التي تبرز مع تطور الخدمات الرقمية.
وأشارت الدراسة في توصياتها إلى أهمية وجود استراتيجية رقمية واضحة ومفصلة لدى الحكومات، على أن تكون الاستراتيجية نابعة من المعطيات المحلية من دون أن تغفل التجارب العالمية. ويتعين تطوير الاستراتيجية انطلاقاً من تحليل معمّق للواقع والاحتياجات، مع ضرورة تضمينها أهدافاً واضحة، ومبادرات ملموسة ضمن محاور متعددة توصل إلى تحقيق رؤية وطنية منسجمة مع الواقع.
وفي سياق التوصيات أيضاً أشارت الدراسة إلى أهمية تحديد الخدمات الأكثر شيوعاً بالنسبة لشرائح المستخدمين، والتركيز عليها لتحقيق قفزة مستوى الاستخدام. وفي تحليلها لتجربة بوابة حكومة الإمارات أشارت الدراسة إلى أن البيانات تكشف إقبالاً عالياً على الخدمات المنضوية ضمن ثلاثة عناوين هي: زيارة دولة الإمارات، والضريبة، والبحث عن عمل. وبالتالي فإن توفير خدمات سهلة وذكية للمتعاملين إطار هذه العناوين يسهم في تحقيق نسبة عالية من الاستخدام، انسجاماً مع توجيهات القيادة.
وتوصي الدراسة كذلك بأهمية إيلاء البيانات الأهمية التي تستحق، حيث أننا نعيش في زمن تشكّل البيانات فيه العنصر الحاسم في فهم الأنماط واستشراف السلوكيات ومن ثم تطوير حلول مبنية على التعلم العميق والذكاء الاصطناعي. وفي هذا السياق أشارت راجيا عبد الوهاب إلى أهمية تطوير الكفاءات الوطنية في مجال علم البيانات.
ونوهت الباحثة عبد الوهاب إلى أنها تضع دراستها في خدمة الحكومات الرقمية العربية للاستفادة منها والبناء عليها، مشيرة إلى أن المستفيدين من الدراسة البحثية يتلخصون في ثلاث فئات هي: المسؤولون الحكوميون الذين يرغبون في معرفة العوامل التي تؤثر في مستوى تبني الخدمات الحكومية الرقمية، والعاملون الحكوميون في مجال التحول الرقمي الذين يهمهم معرفة التوجهات العالمية في هذا المجال، ومسؤولو القطاع الخاص الذين يهمهم معرفة الكيفية التي يفكر فيها المسؤولون الحكوميون عند تطويرهم للخدمات الرقمية.
التعليقات