تعتبر تقنيات "إنترنت الأشياء" أهم العوامل التي تدفع باتجاه مصانع المستقبل، حيث تربط هذه التقنيات الموارد البشرية والعمليات والبيانات من خلال أجهزة استشعار ومجسات ذكية، ويتم نقل البيانات عبر شبكة الإنترنت دون الحاجة إلى تفاعل بشري. وتشهد تطبيقات "إنترنت الأشياء" إنتشاراً في مجالات عدة. ففي قطاع صناعة الطيران، تقوم المجسات بجمع وتحليل البيانات الصناعية لكشف الخلل في عمليات الإنتاج بشكل فوري، مما يحسن جودة المنتجات النهائية ويقلل من التكاليف. وفي المدن، تقوم تقنيات "إنترنت الأشياء" بتقليص الازدحام من خلال إدارة أفضل للمرور. وفي المنازل، تقلص هذه التطبيقات الهدر في استهلاك الطاقة. وفي المزارع، تضمن "إنترنت الأشياء" إنتاج محاصيل أعلى جودة. أما في المستشفيات، فإنها تعمل على تمكين الأطباء من تتبع تحسن حالة مرضاهم من خلال البيانات الفورية التي توفرها لهم أجهزة المراقبة الطبية القابلة للارتداء، ما يبشر بعصر جديد من الرعاية الصحية الشخصية.
وأصبح من السهل على العمال التفاعل مع الآلات والتعاون معها للقيام في عمليات الإنتاج. حيث تقوم المعدات الروبوتية بتنفيذ مهام معقدة أو شاقة بالنيابة عن العمال. ويساهم ظهور الروبوتات التعاونية في إحداث تغييرات جذرية في عمليات التصنيع، حيث يحقق أكبر تناسق في العمليات بين الكوادر البشرية والروبوتات. وعلى أرض المصنع، تقوم الأذرع الروبوتية بمساعدة العمال على تلقيم آلات الإنتاج، فيما تقوم الشاحنات الروبوتية بإعادة تخزين المواد على الأرفف. مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية ويمكن الكوادر البشرية من استغلال طاقاتهم في مهام أخرى ذات قيمة مضافة أعلى.
ويساعد الواقع المعزز العمال على تلقي تعليمات الإنتاج عبر نظارات خاصة على شكل نصوص أو رسوم جرافيكس أو أصوات تمكنهم من أداء مهام معقدة بسهولة كبيرة. فعلى سبيل المثال، لم يعد الفنيون في شركة "لوكهيد مارتن" بحاجة إلى سنوات من التدريب قبل تجميع طائرة "إف-35". حيث يستطيع الفنيون ارتداء نظارات الواقع المعزز التي تستخدم كاميرات ومجسات ذكية لرؤية كافة التعليمات اللازمة لتجميع أجزاء الطائرة، من حيث أسماء الأجزاء، وأرقامها، والمعدات اللازمة لتجميعها وطرق التجميع. مما ساهم في انجاز مهمة تجميع هذه الطائرات بدقة وكفاءة لا تضاهى.
بدأت تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد أو التصنيع بالإضافة بالانتشار بسرعة كبيرة على المستوى العالمي كوسيلة معتمدة للصناعة، حيث يمكن من خلالها تصميم المنتجات، واختبارها، وبناء نماذج أولية لها، وتصنيعها بشكلها النهائي بسرعة ومرونة كبيرتين، مما يساهم في سرعة وصول المنتجات إلى الأسواق. ودخلت تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد إلى العديد من القطاعات حيث تستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد لطباعة أعضاء بديلة من خلايا المريض نفسه، ما يقلل الفترة الزمنية التي يتعين على المرضى قضاؤها في انتظار متبرعين بالأعضاء، ويقلل من آثار رفض الجسم للأعضاء البديلة. وفي قطاع صناعة السيارات، يستخدم المهندسون الطباعة ثلاثية الأبعاد لتوفير الوقت في تصميم النماذج الأولية لأجزاء السيارات. ويعد "مكتب المستقبل" في دبي أول مكتب في العالم مطبوع بالكامل بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. وفي أبوظبي، أبرمت شركتا "سيمنس" و"ستراتا للتصنيع" شراكة للتعاون من خلال أحد المشاريع التجريبية لتصنيع الأجزاء الداخلية لطائرات شركة "الاتحاد للطيران" باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد.
في الوقت الذي تشتد فيه القواعد التنظيمية الصناعية والحكومية وتتحسن التكنولوجيا، ترتفع معها التوقعات من أجل الحصول على منتجات عالية الجودة. فعلى سبيل المثال في مجال النقل ذاتي القيادة، تتطلب المسؤولية في حال وقوع حادث كان المتسبب فيه سيارة من دون سائق توضيحاً من الناحية القانونية. وفي خدمات البث، تقوم المنصات الرقمية بالتحايل والالتفاف على القانون في توصيل الكيبل والذي غالباً ما يحتاج إلى ترخيص بالمشاهدة أو اشتراك. وتقوم خدمات حجز سيارات الأجرة مثل "كريم" و"أوبر" عبر تطبيق على الهواتف الذكية بإحداث تغيير جذري في خدمات التاكسي التقليدية. وبالتالي فإنه من الأهمية بمكان ألا تكبت اللوائح والقوانين التنظيمية الحكومية الابتكار وتقضي عليه، بينما يتعين في الوقت ذاته تطبيق إطار العمل اللازم من الرقابة المتوازنة.
تسعى الكثير من المصانع للتحول إلى التصنيع الذكي عبر استخدام الأتمتة وتحليل البيانات الضخمة. ويبدو أن القدرة على المنافسة في القطاع الصناعي ستعتمد اعتماداً كلياً على امتلاك الشركات للأنظمة التي تمكنها من تحليل البيانات الضخمة والاستفادة منها في تطوير عملياتها الصناعية. وسيساهم توظيف تقنيات التصنيع الذكي في العمليات الصناعية الشركات على التحكم في الطاقة ورفع مستوى الإنتاجية وتقليص النفقات من خلال الرقابة الفورية، وتوزيع الكوادر البشرية على الوظائف ذات القيمة المضافة، واكتشاف الخلل والتعامل مع بسرعة لتقليص زمن انقطاع العمل، وتنظيم انسيابية العمليات من خلال بناء نماذج محاكاة متطورة.
يساعد القطاع الصناعي القائم على التكنولوجيا أو الثورة الصناعية الرابعة على ردم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتمكين الدول من إعادة بناء اقتصاداتها، واكتشاف علاجات جديدة للأمراض المستعصية، والتعامل مع نقص المياه والغذاء، وتوفير وظائف جديدة في كل قطاع من قطاعات الاقتصاد العالمي. ويتوجب على الحكومات وصناع القرار توفير التشريعات والقوانين التي تساهم في تشجيع الاستثمار في بناء المهارات، واعتماد السياسات الضريبية المنشطة للقطاع الصناعي، ودفع عجلة الأبحاث والتطوير، وتوفير الحوافز للمصنعين. كما يمكن استخدام التقنيات الرقمية لمعالجة التحديات العالمية وتحفيز النمو الصناعي المستدام.
يشهد سوق تقنيات الإنترنت الصناعية العالمي نمواً غير مسبوق، حيث تتوقع شركة "جنرال إلكتريك" أن تصل قيمته إلى 225 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020. وتنتج تقنيات "جنرال إلكتريك" المستخدمة في الكثير من المعدات مثل توربينات الرياح وأنظمة التصوير الطبية ووحدات الإضاءة والأجهزة المنزلية ومحركات الطائرات والقاطرات بإنتاج كميات ضخمة من البيانات التي تستخدم البرمجيات المتطورة في تحليلها لتحسين مدة تشغيل هذه المعدات وتقليص النفقات.
تدرك الجهات الحكومية التي ترغب في تطوير خدماتها وتحقيق أعلى متسوى من التواصل مع مواطنيها، كما هو الحال في دولة الإمارات، أهمية تطبيقات "المدن الذكية" التي تمكنها من توفير الخدمات العامة للمواطنين بما يحقق لهم أعلى مستويات الخدمة والسعادة. وتهدف إمارة دبي أن تقوم بإنشاء 25% من مبانيها باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بحلول العام 2025، كما تهدف إلى أن تبلغ نسبة الرحلات التي تتم بمركبات ذاتية القيادة 25% من مجموع رحلات التنقل التي تشهدها الإمارة بحلول العام 2030. وتسعى الحكومات والشركات العالمية إلى استكشاف أفضل السبل التي يمكن للتكنولوجيا من خلالها أن تساعد المدن على إدارة خدماتها بشكل أكثر كفاءة والمساعدة في توفير الوقت والنفقات على المواطنين. حيث تتطلع هذه الجهات إلى استخدام البيانات لتقليص الازدحام المروري وزمن الرحلات، وتعزيز إمكانية الوصول إلى الخدمات العامة بسهولة ويسر.
لطالما اعتمدت الحوسبة التقليدية على تواجد البيانات والبرامج والتطبيقات التي يحتاجها المستخدم على أجهزته الخاصة. ومع انتشار تقينات "الحوسبة السحابية"، لم يعد المستخدم مضطراً إلى تخزين أي من بياناته على أجهزته الخاصة، ولم يعد محتاجاً أيضاً إلى برامج متنوعة أو معقدة، حيث تخزن كافة البرامج والملفات والبيانات على ما يعرف ببنوك البيانات التي تستخدم تطبيقات الحوسبة السحابية لضمان أمن المعلومات وسلامتها.
وتعقد الدورة الافتتاحية للقمة العالمية للصناعة والتصنيع في جامعة باريس السوربون- أبوظبي من 27 وحتى 30 مارس 2017. وتعتبر القمة مبادرة مشتركة بين وزارة الاقتصاد في دولة الإمارات ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، وتشارك في استضافتها دائرة التنمية الاقتصادية – أبوظبي، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وتعد القمة أول تجمع عالمي للقطاع الصناعي يجمع صناع القرار من قادة الحكومات والشركات ومنظمات المجتمع المدني لتبني نهج تحولي في صياغة مستقبل القطاع. www.gmisummit.com .
التعليقات