انطلقت بنا السيارة من العاصمة الأردنية عمان صباحا بصحبة الصديق الإعلامي يوسف الزعبي متجهين نحو شمال الأردن في رحلة استكشافية تقودنا الى منطقة الباقورة المستعادة في غور الأردن المطلة على ربى فلسطين الخضراء .
مررنا بجرش مدينة التاريخ والحضارة العريقة منذ عهد الرومان وتوقفنا على الطريق السريع بجوارها , لشراء بعض أنواع من الخضار الموسمية والخبيصة التي نصحني الأخ يوسف بتناولها , قبل وصولنا الى اربد توقفنا مرة أخرى على الطريق لتناول القهوة العربية من احد الباعة الماهرين في اعدادها بطريقة تجعلك لاتنسى الطعم اطلاقا.
في تلك الاستراحة القصيرة شاهدنا جرش واربد وعجلون المتربعة على قمم الجبال الخضراء والمحاطة بكل عناصر الجمال , والأدوية الساحرة وسط الجبال الشاهقة, كلها تبعث على الراحة والاسترخاء مع الطبيعة وصوت العصافير كان يذكرني بايام طفولتي في خانيونس وسرحت طويلا مع زقزقة العصافير , ياله من صباح جميل !
مررنا بالرمثا الرائعة تلك المدينة البهية المستريحة مابين الجبل والسهل , وشاهدت في الرمثا مالم اشاهده في أي مكان اخر من طبيعة مبهرة , وقصور وفيلات مشيده وفقا لطراز العمارة العربية والرومانية الجميلة واكتشفت بان اهل الرمثا لديهم ذوقا رفيعا في تشييد المساكن الخاصة لايضاهيهم فيه احد .
أكملنا الرحلة مرورا بمدينة اربد الرائعة في اتجاه الاغوار , الى ان وصلنا عبر قرية معاذ بن جبل المشيدة مابين الوادي والجبل والسهل الأخضر الفسيح , كانت السيارة تسير ببطء شديد وسط مزارع الزيتون وبيارات البرتقال لكي نستنشق رائحة ازهار البرتقال والليمون , لم اكن أتمنى ان تنتهي الدروب المتعرجة وسط البيارات لفرط اعجابي بلون الطبيعة وسحر الربيع وزهوره البرية, كان مشهدا فرحا حقا وانا أرى شقائق النعمان والأشجار الخضراء وبساتين البرتقال ومزارع القمح الخضراء تحيط بي من كل صوب , هاانذا وسط الطبيعة الحقيقة .
طول الطريق وانا اشاهد مجرى نهر اليرموك الذي يصب في بحيرة طبريا، وبانياس الذي ينبع من داخل الجولان، والحاصباني الذي ينبع من لبنان، والدان الذي ينبع من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، لتشكل كل هذه الأنهر مجرى مشتركا يصب في بحيرة طبريا، ثم يخرج منها مشكلا المجرى الرئيس لنهر الأردن.
وأخيرا نحن الباقورة !
وصلنا إلى الباقورة، التي يطلق عليها صديقي الإعلامي الأردني يوسف الزعبي اسم "الأرض الأردنية المستعادة"، وكانت الشمس ساطعة والسماء زرقاء والأرض كلها خضراء خضراء تزدان بزهور الربيع الصفراء والبيضاء .
وبعد ان سمحت لنا الوحدة العسكرية الأردنية المرابطة هناك بالدخول نزلنا من سيارة التويوتا ذات الدفع الرباعي ولنتجول وسط البساتين والمزارع لتكتحل اعيينا برؤية جبال فلسطين عبر الباقورة الجميلة حيث الطبيعة كست الأرض الخصبة بالخضار..اعشاب وأشجار وزهور وبساتين ولاحظت ان الباقورة اكثر اخضرارا من أي منطقة أخرى في العالم العربي!
بصراحة المشهد لاينسى , يطغى على كل ماعداه من مشاهد الطبيعة التي رأيتها في حياتي وعبر رحلاتي الى العديد من قارات العالم .
وفي طريق العودة تركزت الأنظار على زيارة ضريح الصحابي الجليل معاذ بن جبل في حضن الجبل بالغور الشمالي، حيث الشونة الشمالية، التي تنتشر فيها مزارع اللوز والحمضيات وتوقفنا قليلا لشراء اللوز الخضر للاستمتاع باجواء الربيع المشرقة .
يقابل الباقورة، وعلى بعد أمتار قليلة، نهر الأردن، حين تتوسطه الحدود بين البلدين، وخلف النهر باتجاه الغرب، يبدو الطريق الرئيس الذي يصل بيسان بالناصرة، ويمتد إلى طبريا والجولان.
لقد شاهدنا هناك السهول المفتوحة، مابين الأردن وفلسطين ، والتي تحكي صفحات من تاريخ عربي مجيد فهي شهدت معارك فاصلة في التاريخ العربي والإسلامي منها معركة اليرموك التي انهارت على اثرها الإمبراطورية الرومانية، ومعركة حطين التي قاد الجانب الإسلامي فيها صلاح الدين الأيوبي سنة 1187م، وقضى فيها على الصليبيين، حيث انتصر بخمسة وعشرين ألف مقاتل مسلم على اربعين ألف مقاتل صليبي. ومعركة عين جالوت للجنوب، وعلى امتداد الإنهدام الكبير، حيث انتصر فيها المسلمون بقيادة الظاهر بيبرس على التتار.
التعليقات