في مثل هذا اليوم قبل عام كان روبرت موجابى رئيس زيمبابوي السابق يحتفل بعيد ميلاده الثالث والتسعين بمأدبة عامرة على ضفاف نهر الزامبيزى، غصت بلحوم الظباء والفيلة، وزينت صورته قالب حلوى كبير يزن 92 كيلو جرام، لتبلغ التكلفة الإجمالية للاحتفالات قرابة 800 ألف دولار فى بلد عانى لعقود بعد الاستقلال ويلات الفقر والجفاف رغم امتلاكه الذهب والماس.
لم يكن يدور بخلد العجوز التسعينى أنه سيترك السلطة عقب 9 أشهر فقط، بعد حُكم للبلاد دام 37 عاما، لذا فقد أطلق تصريحاته وقتها بعد أن ألهاه الأمل قائلا:"أنه سيمكث فى السلطة حتى سن المائة، لأنه لا يرى من هو جديرا بحكم البلاد".
وبلغ الغرور بموجابى أنه استعار كلمات زوجته جريس بأن جثته ستكون مرشحة على بطاقات التصويت، و"سيرى العالم الناس يصوتون لجثة موجابي"، لكنه قال خلال ذلك كلمة ربما تحقق بعضها في سقوطه الدراماتيكى، حيث قال:" وحده حزبي يستطيع أن يطلب مني الانسحاب، وفي هذه الحالة، سأتنحى".
حينها نشرت صحيفة "ذي هيرالد" الناطقة باسم السلطة في البلاد 24 صفحة مليئة برسائل التهنئة من وزراء ومقربين للزعيم، وكتبت الصحيفة في افتتاحيتها "نحتفل اليوم بعيده الثالث والتسعين، مع ضمانة بأن بلادنا بأيد أمينة"، فيما بثت الإذاعة والتليفزيون، الأغاني التي تمجد الرئيس.
ولد موجابي في 21 فبراير 1924، فيما كانت البلاد لا تزال تحمل اسم مستعمرة روديسيا الجنوبية البريطانية، وكان مدرسا عندما انضم إلى صفوف التمرد على الأقلية البيضاء الحاكمة، وتسلم مقاليد الحكم لدى الاستقلال، عام 1980 ولم يتخل عنها أبدا.
وخلال حكمه الممتد منذ لتحو سبعة وثلاثين عاما، بلغت زيمبابوي أدنى درجات الفقر، وتعرضت لأكثر من أزمة اقتصادية طاحنة، تتسبب في تزايد نقمة الناس الذين تبادر الشرطة إلى قمعهم.
ولا يحظى 90% من سكان زيمبابوي بعمل مستقر، وأفاد تقرير لوكالة أنباء "بلومبرج"، إن الناتج الاقتصادي في زيمبابوي، تراجع إلى النصف منذ سنة 2000، بعد أن استولى مؤيدو الحزب الحاكم على العديد من المزارع التي يملكها البيض، ما أدى إلى انهيار القطاع الزراعي.
وكما أن وراء كل عظيم امرأة تدفعه للأمام، لكن أقدار الطغاة دائما ما تسوق إليهم النساء لتلقى بهم إلى الهاوية، وما كانت "هاوية موجابى" إلا زوجته جريس، التي تسببت في فضيحة سياسية لزوجها قبل ثلاثة أشهر من التحى بعد أن أقدمت على عض وضرب عارضة أزياء في جنوب إفريقيا، وكادت السلطات في جوهانسبرج أن تلقى القبض عليها لولا حصانتها الدبلوماسية.
لكن جريس مضت في كتابة "سفر الخروج" لموجابى، حين أظهرت نفسها كوريثة للسلطة بعد زوجها متجاهلة فى ذلك قيادات الجيش وكبار أعضاء حزب موجابى "الاتحاد الوطني الإفريقي"، لكن صراع "السيدة الأولى" من أجل السلطة دخل مرحلة بالغة الخطورة حين أصرت على مناجزة نائب موجابى إيمرسون منانجاجوا ، الذي يعرف باسم "التمساح".
في البداية اتهمها إيمرسون بمحاولة تسميمه، لينتقل الصراع من خلف الستار إلى العلن، لكن الصدام بلغ مداه حين قرر موجابى عزل منانجاجاو لإفساح طريق السلطة لزوجته، ليدخل الجيش على خط الصراع، ويعلن تطويق القصر الرئاسي، لا من أجل الانقلاب، بل لإزالة رؤوس الفساد من حول الرئيس.
حينها خرج المتظاهرون ليملئوا شوارع هراري والمدن الرئيسية والقرى في زيمبابوي مطالبين موجابى بالتنحي، وبدأ البرلمان في التحضير لإجراءات عزله.
جاءت الرصاصة الأخيرة التي تهاوى لها كرسي السلطة عند موجابى من حزبه "الاتحاد الوطني الإفريقي"، فمن قبل قال موجابى أنه لن يترك السلطة إلا بأوامر الحزب، وها هو الحزب يدعوه إلى التنحي، بل زاد على ذلك واتهمه بأنه "مصدر لزعزعة الاستقرار" حيث يضرب عرض الحائط بحكم القانون، وقاد "انهيارا اقتصاديا لم يسبق له مثيل" على مدى 15 عاما مضت.
الكل قال كلمته "لا لموجابى"، وبينما كان نواب برلمان زيمبابوى يعقدون جلسة تاريخية لعزله، جاءتهم الرسالة من أكثر حكام إفريقيا مكوثا في السلطة:" "أنا روبرت موجابي أسلم رسميًا استقالتي كرئيس لجمهورية زيمبابوي فورا" وسط تصفيق الحضور، لتنطلق الاحتفالات في طول البلاد وعرضها.
الآن يجلس موجابى وحيدا، صحيح أنه ضمن لنفسه ولزوجته استثناءً من المحاكمة، ومبالغ طائلة للعيش الرغيد، لكنه يتذكر بحسرة كيف كانت مظاهر الاحتفال في عيد ميلاده الماضي، بل 37 عيد ميلاد قضاها في السلطة.
لو كان موجابى على رأس السلطة الآن ربما أفرحه خبر وفاة منافسه العتيد مورجان تسفينجراى، الذي توفى قبل أسبوع من عيد ميلاد موجابي، لكنه قد يتأسى بالصبر لأن جاره جاكوب زوما قد مضى هو الآخر على ذات الدرب، واستقال رافعا شعار "بيدي لا بيد البرلمان".
التعليقات