في قلب القاهرة القديمة، وُلد نجم سطع في سماء الفن المصري والعربي، ليصبح رمزًا للتميز والإبداع. محمد جابر محمد عبد الله، الذي عرفناه باسم نور الشريف، كان أكثر من مجرد ممثل؛ كان فنانًا شاملاً استطاع أن يجسد ببراعة كل جوانب الشخصية المصرية على الشاشة، من الفرح والحزن، إلى الصراع والتحدي. كان صائدًا للجوائز، فنانًا بالفطرة، وإنسانًا يحمل في طياته حكايات من الألم والأمل. خلف بريق الأضواء والشهرة، يكمن طفل نشأ في حواري القاهرة، يحمل في قلبه أحلامًا كبيرة وإصرارًا لا ينكسر.
من حي السيدة زينب إلى أعظم المسارح ودور السينما، رحلة نور الشريف مليئة بالإنجازات والتحديات التي جعلت منه أسطورة لا تُنسى في تاريخ الفن. دعونا نتعرف على قصة هذا النجم الذي أضاء سماء الفن بموهبته، وترك بصمة لا تُمحى في قلوب محبيه.
النشأة والبدايات
وُلد نور الشريف في حي السيدة زينب بالقاهرة. قبل وفاة والده بأقل من سنة واحدة، وتزوجت والدته وسافرت مع زوجها إلى السعودية، فتولى أعمامه تربيته هو وشقيقته الوحيدة عواطف. نشأ في منزل العائلة بحارة الصايغ، حيث كان يعتقد أن عمه إسماعيل هو والده الحقيقي حتى اكتشف في سن السادسة من خلال معلم المدرسة أن اسمه الحقيقي هو محمد وأن إسماعيل ليس والده، مما شكل صدمة كبيرة له. رغم هذه الصدمة، كان لعمه إسماعيل دور كبير في حياته، حيث ساعده في تجاوز أزمات الطفولة.
التعليم والبدايات الفنية
التحق نور الشريف بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرج منه سنة 1967 بتقدير امتياز، وكان الأول على دفعته. خلال فترة دراسته، كان يعمل ككومبارس في المسرحيات لتخفيف العبء المالي عن صديقه محمود الجوهري الذي كان يدعمه مادياً. برز في العديد من الأدوار الصغيرة حتى لفت أنظار المخرجين بأدائه المتميز.
الحياة الشخصية
التقى نور الشريف بزوجته بوسي لأول مرة في بروفات مسلسل "القاهرة والناس". تقدم لخطبتها، لكن والدها لم يقبل بسبب عدم غناه. أصرت بوسي على الزواج منه وهددت بالانتحار حتى وافق أهلها. تزوجا سنة 1972 وأنجبا ابنتين، سارة ومي. استمر زواجهما لمدة 34 سنة حتى انفصلا في 2006. رغم الانفصال، ظلّت العلاقة وطيدة بينهما كأصدقاء حتى عادا لبعضهما في 2015 تزامناً مع خطوبة ابنتهما سارة ومرض نور الشريف بسرطان الرئة.
تصريحات بوسي حول حياة نور الشريف
كشفت بوسي في تصريحاتها عن مدى قوة وتحمل نور الشريف أثناء مرضه. أشارت إلى أن الأسرة أخفت عنه حقيقة إصابته بسرطان الرئة وأخبرته بأنه يعاني من التهاب في الرئة. ووصفت بوسي نور الشريف بأنه كان مثل الجمل في تحمله، وكان لديه أمل كبير في الشفاء حتى في الأيام الأخيرة من حياته. أكدت بوسي أن نور لم يشك في إصابته بالسرطان بسبب التفاؤل الذي أحاط به من قبل الأسرة. كما ذكرت أن نور لم يترك وصية ولم يتحدث عن الموت، حيث كانوا دائمًا يحاولون رفع معنوياته بالضحك والمزاح.
نور الشريف اسمه في الأوراق الرسمية؟" src="https://vid.alarabiya.net/images/2017/02/22/ff557acf-8c42-4ff6-8047-5ee71f8d8f93/ff557acf-8c42-4ff6-8047-5ee71f8d8f93_16x9_600x338.jpg" />
مسيرته الفنية
بدأ نور الشريف مسيرته الفنية في سن صغيرة عندما انضم إلى فرقة التمثيل التي أنشأها خاله شعيب. كانوا يقدمون مسرحيات قصيرة على عربات الكارو في حي السيدة زينب، وكان جمهورهم من أطفال الحارة والأهالي. من هنا بدأ اهتمامه بالتمثيل، فكان يدخر مصروفه لدخول السينما ويذهب إليها ثلاث مرات في الأسبوع.
بعد التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية، عمل نور الشريف ككومبارس في المسرحيات. قدّم العديد من الأدوار الصغيرة حتى نال أول دور رئيسي له في مسرحية "روميو وجوليت". تميز أداؤه الطبيعي والبسيط في المسلسلات والأفلام، مما جعله يلفت أنظار الجمهور والنقاد على حد سواء.
أهم أعمال نور الشريف
قدم نور الشريف العديد من الأفلام الهامة التي رسخت اسمه في السينما المصرية. لديه سبعة أفلام في قائمة أفضل مئة فيلم مصري، منها "زوجتي والكلب" (1971)، "أبناء الصمت" (1974), "الكرنك" (1975)، "أهل القمة" (1981)، "حدوتة مصرية" (1982)، "العار" (1982)، و"سواق الأتوبيس" (1982).
نور الشريف تفسر سر البكاء عليه - أخبار الآن" src="https://cdn.alaan.tv/akhbar/717/af2/581/717af2581e77ab45c80ed94b5c9eee17aac8c75d/1/original.gif" />
الجوائز والتكريمات
حصل نور الشريف على العديد من الجوائز، منها جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم "ليلة ساخنة"، وجائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن فيلم "بتوقيت القاهرة". كما حصل على جائزة التمثيل الذهبية من مهرجان نيودلهي عن فيلم "سواق الأتوبيس". اختار النقاد له سبعة أفلام ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في ذاكرة السينما المصرية عام 1996.
وفاة نور الشريف
توفي نور الشريف في 11 أغسطس 2015 بعد صراع طويل مع مرض سرطان الرئة، عن عمر يناهز 69 عامًا. تم تشييع جثمانه من مسجد الشرطة بمدينة 6 أكتوبر. ترك وراءه إرثًا فنيًا عظيمًا وأثرًا كبيرًا في قلوب جمهوره ومحبيه.
نور الشريف لم يكن مجرد ممثل بارع، بل كان رمزًا للتمثيل الطبيعي والبسيط. جسد بمهارة فائقة تفاصيل الشخصيات المصرية بكل جوانبها الاجتماعية والنفسية، مما جعله يتربع على عرش السينما المصرية كأحد أعظم ممثليها في التاريخ.
التعليقات