ضمن فعاليات منتدى الثلاثاء، نظم بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة أمسية شعرية يوم الثلاثاء الموافق 12 ديسمبر 2023، شهدها جمهور لافت ملأ ساحة البيت، وشارك فيها الشعراء: أحمد عماد الدين، روضة المكطف، ماجد عبدالله، وسليمان الزعبي، بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت.
قدمت الأمسية مريم كويس التي عبرت عن امتنانها للدور المحوري الذي يؤديه بيت الشعر في الساحة الثقافية، بخاصة أنه يوثق لمرحلة مهمة في تاريخ الشعر العربي من خلال الإضاءة على الكثير من النماذج الشعرية التي تستمتع بإلقاء الشعر في أجواء تفاعلية، وسط جمهور محب للشعر ومقدر لما يدور في المحيط الثقافي من إبداع، في ظل وجود تجارب حقيقية لها طابعها الخاص، وتمتلك القدرة على التحليق في فضاءات الجمال، مثمنة هذه الجهود التي تتنامى بفضل توجيهات ودعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الذي تمثل مبادراته أهمية كبيرة للشعر والشعراء في كل مكان.
وقد حلقت قصائد الشعراء في فضاء الجمال، واستطاعت أن تؤثر بفاعليتها في نفوس الحضور، حيث ركزت القصائد على إبراز الهم الإنساني وتراكماته في الحياة بما يتسق مع تجارب الشعراء الذاتية، فاكتمل المشهد بالكلمات المضيئة التي تحمل عبق الإبداع، فضلاً عن أن أشعارهم عبرت عن طرائقهم في معالجة قضاياهم الأدبية، فطرحوا أسئلة جوهرية تحاكي الواقع، وتحتشد بالصور التعبيرية والخيال الحر، فتفاعل معهم الجمهور الذي ملأ جنبات بيت الشعر على تنوعه وتمثيله لكل الفئات المثقفة، والمقدرة لدور الشعر في تجميل وجه الحياة.
افتتح القراءات الشاعر أحمد عماد الدين الذي امتلك طاقة تخييله عالية وقدرة على ملامسة مشاعر المتلقين، فقرأ في البداية قصيدة "صمتٌ مقيم" التي وظف فيها مشاعرة بوعي، فهو لا يتخلى عن مثاليته التي هي أداته الوحيدة في رد سهام الظلام، وفق معادلته الشعرية الخاصة، فيقول:
سأذودُ عني ما يداوي عِلَّتي وأطيلُ صمتي فالكلامُ مؤجَّلُ فهناك طيفُ الرّاحلينَ يقولُ لي وأنا سُهامٌ في الظَّلامِ يُهروِلُ لا يثقل الشعراءَ موتٌ مقبلٌ هذا لأن الشاعريةَ أثقلُ وواصل الشاعر أحمد عماد الدين القرءاة بقصيدة أخرى حملت عنوان "ذاكرة" التي يطرح من خلالها مناجاته، ويبوح فيها بدمعه، وذلك بتكثيف شعري بديع، فيقول:
الصَّمتُ، ذاكرةُ الشِّتاءِ وبَوْحُها والذِّكرُ والأملُ الطويلُ البائسُ كم يُشْبِهُ المُزنَ المُعلَّقَ في السَّما في عُزلةِ الأحبابِ جَفنٌ حابسُ الدمعُ يحرسه خيالُ أحبةٍ كالمُزنِ يُزْجِيهِ السَّحَابُ الرَّائِسُ واستطاعت الشاعرة روضة المكطف ثاني شعراء الأمسية - بإيقاعاتها الممزوجة بعطر الشعر- أن تحشد معانيها الرقيقة في القصيدة الأولى التي قرأتها وحملت عنوان" "أكبرُ الشعراء" فوضعت رؤيتها الخاصة للشعر برمزية عالية:
من قال َ " إني شاعرٌ" فُتِحَت له أبوابُ هذا البيتِ حيثُ البوصلة ْ ما أكثر الشعراء حين تعُـــــدّهم و هم القلائلُ .. يا لهذي المعضلة ْ! تكفي القصيدةُ أن تُخلَّـــدَ شاعراً
مرّ الزمان على يديه و قبّله ْ؟!
ثم قرأت قصيدة بعنوان "وأنتَ منْ أنت" المكتظة بالمشاعر الإنسانية المتناقضة، والمسكونة بزخم الحب والتي تقول فيها:
كل الخسارات إلا العشقَ فارغةٌ و يلاه كم أسعدَ الشمّات ممسوس ُمن يفطم القلب عن قلبٍ تعلّقَهُ مُذ دق للحب في الأجواء ناقوسُ لا تُدمنُ النفسُ إلا من يعذبهُا و كل حب بلا التعذيب مدروسُ!
وعبر الشاعر ماجد عبدالله ثالث شعراء الأمسية عن نموذجه الإبداعي من خلال قراءاته الشعرية التي تفاعل معها الجمهور فجاءت القصيدة الأولى بعنوان " هذا أنا الأملُ الذي لا ينتهي" التي تمتاز بسيطرة روح التفاؤل عليها والتي يقول فيها:
النورُ في قلبي ووجهي مُشرِقُ وعلى شِفاهي بَسمةٌ تترقرقُ أرنو إلى العَليا بقلبٍ حالمٍ كالطيرِ في جَوِّ السماءِ أُحلّقُ وأسيرُ في الدُنيا وغُصنُ عزيمتي صَلبٌ، وبابُ تفاؤلي لا يُغلَقُ ثم قرأ قصيدة أخرى حملت عنوان "ترنم بالمحبة" التي تفيض برقة العاطفة والمعاناة، وتحتشد بشواهد داخليه تعبر عن الأسى والألم فيقول:
يا ويحَ قلبي قد خسِرتُ رهاني أنا ما ادّعيْتُ بأنّ حبي كامِلٌ مِن غير عيبٍ فيهِ أو نُقصانِ لكنّ حسبي أنني ظلّلتُهُ بالحبّ مِن جذري إلى أغصاني وقد عكست صور الشاعر سليمان الزعبي آخر شعراء الأمسية إيقاعات خاصة تفاعل معها الجمهور، حيث قرأ في البداية مقطوعة شعرية - أعدها خصيصاً لمواجهة المتلقين - موسومة بعطر بالبلاغة والبيان، يقول فيها:
طـبـتم وطـاب بـنا الـلقاء بـكم كـما طاب البيان على ...النفوس الذائقه مـعكم يـفوح مـن البلاغة عطرها ..
تـبـقـى نـسـائـمها بــروحـي عـالـقـه مـعـكـم أرى بــرق الـقـوافي نـورهـا يـمـتد مـن حـوران. حـتى الـشارقه ثم قرأ قصيدة حملت عنوان" يا هند" التي حملت فسلفته الخاصة وهو يستدعي هند من قلب التراث، ليحملها هذا الخطاب الذي يعتصر قلبه بالشحن، ويعبر فيه عن خلجات نفسه، فيقول:
آمـــالـــنــا يـــــــا هــــنـــد مــثــقــلـةٌ وتــــكـــاد لا تــمــضــي ولا تـــصـــلُ وأنــــــا الـمـسـافـر..أيـنـما هــطــلـت روحــــي نــبـتُ .. وخـلـفـي الـــدولُ كـيـف الـوصـول ونـحـن فــي زمــن ٍنـمشي. ويـحضن - خطونا - الوَحِل ُوفي الختام كرّم الشاعر محمد البريكي، شعراء الأمسية ومقدمها.
التعليقات