لم تعد روائح الحرب تلوث الأنوف، أصبح العراق وطنا للثقافة والفنون كما كان من قبل، في بابل أو بغداد أو الموصل، أو الحلة، أو حتى الرقة، وغيرها من المدن، حراك ثقافي وفني، مهرجانات، وعروض للسينما، والمسرح، كل يوم حدث وجمهور يخرج ليعبر عن عطشه لتلك الحالة المبهجة، وللاحتفاء بضيوف من كل دول العالم.
مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية بنسخته العاشرة الذي أقيم في مدينة بابل الأثرية التي تبعد قرابة المئة كيلو متر جنوب بغداد، وتحت شعار "كلنا بابليون"، أكد أن الحضارة العراقية تبعث من جديد، تنادي شعوب العالم للاحتفاء بالثقافات المعاصرة وغير المعاصرة، ضيوف من أكثر من 85 دولة حطت رحالهم على أرض العراق.
افتتح المهرجان في المسرح الأثري الدائري ببابل، وسط حضور جماهيري كبير من كل مدن العراق، وقال رئيس المهرجان الدكتور علي الشلاة: إن "الدورة العاشرة أقيمت متزامنة مع ثلاث مناسبات مهمة، وهي 20 عاما على سقوط الدكتاتورية، وعشر دورات من عمر المهرجان، وخمسة أعوام من النصر العراقي الكبير على عصابات داعش واندحار الإرهاب".
وإن هذه الدورة محملة بإرث الكلمة والحرف والنغم والإرادة الجمالية العابرة للمستقبل، على مدى تسع دورات مختلفة شهدتها المدينة الأثرية في بابل بمسارحها ومعابدها وشوارعها، إضافة إلى مسارح ودور سينما مدينة الحلة، حيث استقطب المهرجان على مدى دوراته المتلاحقة، أدباء وفنانين ومئات من المبدعين العراقيين بالإضافة إلى العرب والأجانب، والتف حوله جمهور مثقف حاشد يترقبه على مدى العام.
وأكد الشلاة أن المهرجان سيكون له رؤية تؤسس بركائز راسخة ورصينة لدورات مقبلة بتميز وأناة وتأمل، تؤكد مكانته لدى مثقفي العراق والمحيط الدولي عربيا وعالميا، مؤكدا أن المهرجان أصبح خطابا جماليا أبلغ من السياسة والعسكر والشعارات، وقد واجهنا صدمة إيجابية هذا العام عندما قبل أكثر الضيوف الدعوة التي وجهناها لهم، من دون عناء، بفضل الاستقرار السياسي للعراق في ظل حكومته الحالية، وبعد النجاح الكبير لخليجي 25 في البصرة الفيحاء".
وأشار إلى أن المهرجان تحول إلى حدث عالمى كبير له صدى بحضور كتاب وشعراء وفنانين ومثقفين عرب ودول مجاورة وأجانب من كندا، من مصر والمغرب، وتونس والسعودية وسوريا والجزائر وإيران وعمان وفلسطين وتركيا وإسبانيا وألمانيا والبحرين ولبنان وعشرات الأسماء المميزة في الشعر والسرد والدراما والفن التشكيلي من العراق.
شهدت أيام وليالي المهرجان ندوات ولقاءات وعروضا فنية، ومعارض للكتاب، وأبحاثا، ودراسات وتوقيعا للكتب، فمن التظاهرات المهمة إقامة معرض للكتاب شاركت فيه مصر بعدد من دور النشر المهمة، وألقى على هامش المعرض شعراء عرب أشعارهم ومنهم الشاعر الكبير أحمد الشهاوي الذى أثرى المهرجان بلقاءاته وأبحاثه وأشعاره؛ حيث قدم دراسة عن النَّفري بين مصر والعراق، وشارك أيضا من مصر الكاتب الكبير يوسف زيدان الذي قدم ندوة حول مسار التصوف في مصر والعراق، حضرها جمهور كبير وبخاصة الطلبة من جامعات العراق.
وقدمت الروائية هناء متولى تجربتها الخاصة مع الكتابة ،فتحدثت عن مسيرتها وأهمية أن يظل الكاتب واثقا فى قدراته ن وهى تطرح روايتها القادمة الغارقات.
وشهد المهرجان إقامة ندوة حول الدراما التاريخية شارك فيها المخرج الكبير عمر عبد العزيز الذي أكد أهمية الدراما التاريخية في العالم العربية وأن مصر كان لها الريادة في إنتاج سينما تاريخية، شاركت أيضا الفنانة العراقية شذا سالم وتحدثت عن أعمالها من الدراما العراقية، والمخرج الكبير قطب الدين صدقي، وأدارتها الفنانة العراقية الكبيرة هند كامل، وبحضوري ومشاركتي، وحضرها جمهور غفير، وناقشت الدراما التاريخية ما بين الرؤية الدرامية للمخرج أو المؤلف والواقع الحقيقي.
وشهدت دور السينما أيضا حضورا مهما للسينما المصرية بعرض فيلم "الأراجوز" للمخرج هاني لاشين الذي ناقش علاقته بالنجم عمر الشريف، وكيف وقع اختياره عليه ليكون بطلا للفيلم بعد مشاركته معه في أفلام تسجيلية، وشهدت الندوة مشاركة الإعلامية المصرية رشا سليمان، والمخرج الكبير عمر عبد العزيز، وبحضور رئيس المهرجان على الشلاة، وأشاد جمهور مدينة الحلة التي عاشت سنوات عصيبة بسبب سيطرة داعش على جزء كبير منها بالمهرجان، حيث عادت الحلة إلى أهلها، ولم تعد كما صورتها بعض الأعمال الدرامية.
وكان للدراما العراقية جانب مهم من النقاشات، ومنها ندوة "الدراما العراقية الآن.. تقييم وتكريم" ناقش وتحدث فيها كتاب وفنانون، ومنهم الفنانة الكبيرة آسيا كمال، والكاتب كاروان كورچي، والفنان شمم الحسن، والفنان فلاح إبراهيم، والنجمة الكردية دياري عمر، وتقديم الفنان مرتضى حنيص. ومن عروض المسرح مسرحية ليلة ماطرة، عرضت في مسرح نقابة الفنانين، إخراج محمد زكي، تأليف د. مثال غازي، ثم مسرحية دوائر مغلقة للمخرج منعم سعيد، ومن الندوات الثقافية (ندوة الثقافة العربية شرقا وغربا) بمشاركة مثقفين من دول مختلفة.
كما احتفى بمئوية الشاعرة الكبيرة الراحلة نازك الملائكة، وأقيمت عنها ندوة بعنوان "مئوية نازك الملائكة المرأة… القصيدة"، شارك فيها الدكتور كريم شغيدل، والشاعر محمد مظلوم، وتم توقيع عدد من الكتب المهمة منها توقيع كتاب الدكتورة انتصار محمد "المشروعات الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي)، وللفن التشكيلي دوره أيضا حيث أقيم معرض للفن التشكيلي، ولقاءات غنائية وموسيقية.
العراق وطن يتنفس ثقافة وفنا، إذ عادت إلى مدنه الروح، الشوارع تضاء حتى الصباح، كما قال أحدهم: إنه لم يعد مسموحا أن يقطع التيار الكهربائي من أي من شوارع العراق، شباب محب للثقافة، معارض ومهرجانات، وندوات، فمن مهرجان بابل إلى ثقافات العالم إلى مهرجان سينمائي في هذا الشهر، ناهيك عن مهرجان المسرح العربي الذي أقيم منذ فترة وبحضور عربي كبير.
العراقيون سعداء بأن الوطن عاد إليهم؛ إذ كشفت بطولة خليجي 25 التي أقيمت في يناير الماضي وفاز بها المنتخب العراقي أن العراق قادر على أن يحتضن كل البطولات العالمية وكل المهرجانات الثقافية والفنية، وهو ما تأكد من خلال الدورة العاشرة من مهرجان بابل لثقافات العالم ـ فقد كان يتم دعوة مئة وعشرين شخصية فى السابق يحضر منهم ستون شخصية، وكما أكد رئيس المهرجان أنه في الدورة العاشرة تم دعوة مئة وثماني شخصيات حضر منهم أكثر من 85 شخصية، وهو رقم غير مسبوق، وأن من اعتذروا فقد اعتذروا لأسباب تخصهم وليس لأية أسباب تخص العراق أو المهرجان.
التعليقات