أذاع عبد الباسط حمودة هذا السر فى لقائه بمناسبة رأس السنة، مع الإعلامية لميس الحديدى، فى برنامجها (كلمة أخيرة) على فضائية (أون تى فى)، السر أن الموسيقار الكبير محمد الموجى كان جالسا على مقهى (التجارة) فى شارع (محمد على)، استمع إلى البائع السريح عم غنيم يقول على عربته (اشرب كركريه)، على الفور، جاءه الخاطر الموسيقى لـ(على قد الشوق اللى فى عيونى) التى لعبت الدور الرئيس فى صعود اسم عبد الحليم.
أولا الأغنية من تلحين كمال الطويل وليس الموجى، ناهيك عن أن عبد الباسط ولد 1955 بعد ذيوع الأغنية بعام، فكيف حضر الواقعة؟.
المشكلة ليست فقط فى عبد الباسط، ولكن كثيرا من القصص الوهمية يقولها من عاصروا الزمن الذى نصفه بالجميل، وبعضهم قد يشيع على نفسه حتى صفات سيئة، مثل شاعر وزجال وصحفى فنى شهير، أراد أن يقول للجميع إنه كان على علاقة صداقة قديمة مع أم كلثوم، وحكى كيف أنه التقاها فى مكتب كروان الإذاعة محمد فتحى، وكانت بصحبة الموسيقار محمد القصبجى، وداعب القصبجى هذا الصحفى، قائلا: (أنت جايب الكرافت دى بتلاتة تعريفة؟)، وعلى الفور التقطت أم كلثوم الخيط وقالت له: (دى فيها ع الأقل زيت بخمسة جنيه)، هذا التعبير يقال عن الملابس المتسخة، وكلها من المستحيلات، لا هو يعرف أم كلثوم، ولا هى ستسخر منه بتلك الكلمات الجارحة، ولكننا تعودنا أن نذكر على لسان أم كلثوم الكثير من تلك الحكايات التى تستخدم فيها ألفاظًا نابية، صدروا لنا صورة ذهنية خاطئة عن (كوكب الشرق) أنها من الممكن أن تتجاوز، هى قطعا سريعة البديهة وتستملح النكتة، لكنها لا تتعامل أبدًا بسوقية.
عبد الباسط حمودة من المطربين الذين يتمتعون بحضور لافت وبصوت يدخل القلب، كان مواكبًا لشعبان عبد الرحيم، وهما فى نفس المرحلة العمرية، إلا أن شعبان كان حظه فى الموهبة أقل وفى الشهرة أكبر، ولم تشهد العلاقات بينهما تعايشًا سلميًا إلا فى السنوات الأخيرة لشعبان.
لا يمكن قطعًا لمقدم البرنامج أن يتشكك فى كل معلومة يقولها الضيف، خاصة أنه ليس بالضرورة معاصرًا ولا متخصصًا، كما أنه من المفروض أن الضيف لا يقول سوى الحقيقة.
هل يتعمد البعض الكذب أم أنهم لا شعوريا يكذبون، معتقدين أنهم يقولون الصدق؟، بين الحين والآخر ومع مرور الزمن وغياب شهود الإثبات، قد يشعر الإنسان الذى عاش مرحلة زمنية أنه كان المحرك الأساسى لكل التفاصيل، لديكم عازف (الأوكرديون) الشهير والملحن الموهوب فاروق سلامة، كثيرا ما استمعت إليه وهو ينسب إلى نفسه مثلا أن كل (الصولوهات) التى أداها فى أغانى أم كلثوم، سواء من تلحين عبد الوهاب أو بليغ حمدى، هى من بنات أفكاره هو، قطعا من الممكن للعازف الماهر أن يضيف، والتسجيل الشهير لعازف الناى سيد سالم الذى خرج عن اللحن المتفق عليه، فى أغنية (بعيد عنك) شاهد على ذلك، حتى أم كلثوم فى البداية انزعجت قائلة (إيه ده؟)، ولكنها استحسنت الإضافة ودوى تصفيق الجمهور، فطلبت منه إعادتها، تبدو كما ترى استثناء، يحدث مرة وليس كل مرة.
ولا أنكر أن فاروق سلامة أحد أهم العازفين فى تاريخنا، ويمتلك أيضًا مزاجًا شعبيًا فى ألحانه، ولكن أن يصبح هو صاحب الجملة الموسيقية، مبالغة خاصة، وأنه ذكر تلك المعلومات بعد رحيل عبد الوهاب وبليغ.
أظن أن عبد الباسط ربما سمع قصة قديمة شبيهة بذلك، تناولت أغنية أخرى غير (على قد الشوق)، وملحنا آخر غير الموجى، ولكن مع مرور الزمن نسى اسم الأغنية والملحن وظل متذكرا فقط عم غنيم بائع (الكركريه)، حاولت لميس أكثر من مرة إخباره دون جدوى بأنه (كركديه)، بينما هو أصر على أنه (كركريه)!!.
التعليقات