(كلاكيت آخر مرة).. تلك الرسالة هى التاسعة من مهرجان (برلين)، الذى تقلصت فعالياته فلم تتجاوز ستة أيام، وتناقصت بالتالى أفلامه وتضاءلت دائرته الجماهيرية التى كانت تضعه فى الصدارة، بين كل مهرجانات الدنيا، وكان هو أيضا على الجانب الآخر، حريصا فى كل عام على إعلان رقم الإقبال الجماهيرى والتباهى به.
الجمهور الألمانى العاشق المتيم بالسينما هو الذى منح برلين فى الماضى كل هذا النجاح، وعندما يغيب عن الحضور يختفى تماما الإحساس بتلك الحالة من الدفء والحميمية، ومهما وصلت الحرارة إلى عدة درجات تحت الصفر، كان الإقبال والتزاحم هو العنوان.
فى تلك الدورة التى من الممكن اعتبارها، مجرد رقم يزيد من عمر المهرجان ليصل إلى (72)، ولكنه لا يوضع أبدا فى ميزان الإيجابيات، لأسباب قطعا جزء كبير منها خارج عن إرادته وسيطرته ويعانى منه كل العالم، بينما السبب الأآخر من وجهة نظرى يقع فى إطار عدم القدرة على تقييم الأمر موضوعيا، مثلا القيود التنظيمية المتعددة حتى تصل إلى شاشة العرض، كان يجب تخفيفها، مع عدم الإخلال أيضا بكل الأمور الاحترازية التى باتت تُشكل طابع الحياة، هناك الكثير منها يستهلك الكثير من الوقت، بلا طائل، وفى زمن إقامة المهرجان، يصبح العدو الأول هو دائما ضيق المساحة الزمنية المتاحة، حتى تتمكن من المشاهدة والكتابة والقراءة.
المرأة أخذت تقريبا (تورتة) المهرجان، كان متوقعا، وهو أيضا ما أشرت إليه فى أغلب المتابعات خلال الأيام الماضية، وقبل أن نتوقف أمام تحليل الجوائز، دعونا نُكمل ما بدأناه، هل كان ينبغى إقامة دورة واقعية مع كثير من الاحتراز؟.
(ما لا يدرَك كله لا يُترك كله)، هل هى قاعدة يجب أن تطبق حرفيا، وفى كل المناسبات، أم أن فى أحيان كثيرة تصبح بعض التفاصيل التى لا ندركها، هى التى تشكل الملامح الرئيسية للحدث، فإذا لم تدركها كلها، لم تدرك شيئا آخر؟.
درس هذه الدورة من برلين 72 أن علينا أن نتوقف أمام كل شىء حتى لو بدا للوهلة الأولى غير أساسى. ما الذى يعنيه أن أذهب للمهرجان ولا يوجد ضمان بأى شىء؟.. وكانت إدارة المهرجان صريحة ومباشرة، حتى إنها أخلت مسؤوليتها الأدبية تماما عن علاج كل من يصاب بـ(كورونا) أو (أوميكرون) من الضيوف، وهذه فقط كفيلة بأن تجعل من يفكر فى السفر، لو كان العقل هو الذى يملك فقط القرار، يُصعّد على الفور اختيار الاعتذار.
أنت مسؤول عن كل شىء رغم أن كل المهرجانات المماثلة لا تخلى أبدا مسؤوليتها، وعلى المستوى المصرى برغم تواضع الإمكانيات المادية بالمقارنة، لم يحدث أن تراجعنا عن المسؤولية، أدبيا وماديا.
يوميا نعيش تحت سطوة اختبار (الانتى جين) الأجسام المضادة، الصلاحية فقط لا تتجاوز 24 ساعة، وبدونه لا يسمح ليس فقط بدخول الفعاليات، ولكن لن يرحب بوجودك فى أى مكان آخر. الاختبار مجانى للجميع سواء كُنت مقيما أو زائرا، ولكن فى حالة إثبات إيجابيتك ستعيش فى مأساة مكتملة الأركان، أولا لن تُكمل المهرجان سواء ظهرت عليك الأعراض أم لا، ثانيا الإقامة فى العزل وتحمل كل الأعباء.
القرار الصائب الذى اتخذه أغلب الصحفيين والنقاد والإعلاميين خاصة فى الدائرة العربية هو الاعتذار، مما انعكس سلبا على الشغف العربى بالمهرجان. كما أن الجمهور الألمانى الذى كان هو الأكثر وضوحا وإيجابية، هذه المرة لم يتواجد إلا فيما ندر، المقاعد الخاوية، هى العنوان، مع الأخذ فى الاعتبار أن قاعة السينما التى تصل إلى 200 مقعد سيسمح لها كحد أقصى بـ100 فقط، بينما الحضور الواقعى لا يتجاوز أحيانا خمسة أو ستة مشاهدين.
المفروض أن هذه التوقعات يجب رصدها بدقة، وتحديد توقيت العرض له علاقة بقدرة (المبرمج) المحترف على التوقع بناء على المعلومات المتاحة، أدهشنى أن أكثر من فيلم يتم عرضه فى نفس التوقيت بشاشات متعددة، بينما الشاشة الواحدة لا تجذب سوى عدد محدود جدا، من المؤكد أن المرونة اللازمة فى اختيار القرار الصائب لم تكن بنسبة كبيرة حاضرة.
الجوائز فى القسط الأكبر منها كانت تبدو متوقعة، المرأة لها النصيب الأكبر من تورتة الجوائز، فيما عدا قضمة أو اثنتين للرجال، وكما كتبت فإن تطبيق قاعدة جائزة واحدة فى التمثيل لا ترتكن فى تقييمها إلى جنس الممثل، سواء رجل أو امرأة، ذهبت إلى ملتم كبتان التى لعبت بطولة فيلم (رابيا ضد جورج بوش)، وستدخل التاريخ باعتبارها أول امرأة تنال هذه الجائزة فى توصيفها الجديد، الذى من الممكن أن يصبح قاعدة معمولا بها فى مهرجانات أخرى، والجائزة هى (الدب الفضى).
أيضا الدور الثانى (الداعم) وهو من وجهة نظرى أكثر دقة من توصيف الدور الثانى، ذهبت لممثلة من إندونيسيا هى لورا باسكوى، المخرجة كلير دنى حصلت على جائزة أفضل إخراج عن فيلم (جانبا النصل) وهى أيضا (دب فضى)، أما الجائزة الأهم (الدب الذهبى) لأفضل فيلم فقد كانت لفيلم (الكاراس) الإسبانى للمخرجة كارلا سيمون، وهناك قطعا جوائز قليلة للرجال مثل جائزة لجنة التحكيم الكبرى (الفيلم الروائى) الكورى هونج سانج سو.
الجوائز فى المجمل نسائية وذهبت لمن تستحقها وعن جدارة!!.
التعليقات