ضمن البرنامج العلمي والثقافي الذي يقيمه مركز تريندز للبحوث والاستشارات على هامش مشاركته في النسخة الـ 53 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، نظم "تريندز" الجمعة، ندوة تحت عنوان: "مداخل تفكيك الخطاب المتطرف"، بالتعاون مع الأزهر الشريف في جمهورية مصر العربية، واستضافها جناح الأزهر الشريف في معرض القاهرة للكتاب.
وشارك في الندوة فهد المهري مدير إدارة الباروميتر العالمي في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، وعبدالله بن مترف الباحث الرئيسي، ورئيس وحدة الشؤون الإيرانية والتركية في "تريندز"، والأستاذ الدكتور خالد عباس مشرف وحدة رصد اللغة الإسبانية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرّف، والدكتور علاء رشوان مشرف وحدة البحوث والدراسات بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، وأدار الندوة محمد الديسطي عضو المركز الإعلامي في الأزهر الشريف.
الأزهر ومكافحة التطرف
واستهل الندوة، الأستاذ الدكتور خالد عباس مشرف وحدة رصد اللغة الإسبانية في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، حيث قال إنه في ظل تنامي الفكر المتطرّف وانتشار التنظيمات المتطرّفة واستغلالها للثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم المعاصر، حمل الأزهر الشريف على عاتقه ضرورة التفاعل بمرونة ويسر مع هذا الوباء السرطاني؛ لتأدية رسالته العالمية، وحماية النشء والشباب من خطر منصات التواصل الاجتماعي، التي تمثل مصدر قلق، وخطر يهدد استقرار بعض المجتمعات.
وذكر أن الأزهر الشريف أطلق العديد من المبادرات التي تعمل على مكافحة ظاهرة التطرف بشكل عام، والتطرف الإلكتروني بشكل خاص، ومنها: "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، ومركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية، وأكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ وباحثي الفتوى، واستحداث مادة علمية بكلية الدعوة الإسلامية تحت عنوان: "وسائل الدعوة الحديثة".
وأضاف خالد عباس أن التطرف العنيف ظهر على الساحة الدولية باعتباره الوسيط بين التطرف والإرهاب؛ فالأفكار والمعتقدات المتشددة المتعلقة بالأهداف السياسية أو الدينية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، هي الباعث والمحرك الرئيس للمتطرفين للاتسام بالعنف؛ حيثُ يعتقدون أن العنف المفرط هو السبيل الوحيد لتذليل العقبات في المجتمع.
وأشار إلى أن أشرس صور الإرهاب هو "الإرهاب الإلكتروني" الذي يمارس عن طريق استغلال التقنيات والبرمجيات والتطبيقات الإلكترونية في إخافة وترويع الآخرين وإخضاعهم عن طريق مهاجمة النظم المعلوماتية على خلفية دوافع سياسية أو دينية أو عرقية، أو عن طريق استغلال الشبكة العنكبوتية واستخدام مواقعها الإلكترونية في نشر الأفكار الشاذة وتبادل المعلومات المغلوطة والمتطرفة.
التصدي لخطاب الكراهية
وبدوره، أكد فهد المهري مدير إدارة الباروميتر العالمي في مركز تريندز للبحوث والاستشارات أن اليوم العالمي للأخوة الإنسانية الذي يحتفل به العالم في الرابع من فبراير من كل عام مناسبة حقيقية للتصدي لخطاب الكراهية ونبذ ثقافة التعصب، وتعزيز قيم التعايش والتسامح وقبول الآخر واحترام الاختلاف بين البشر
وذكر أن الاحتفال باليوم العالمي للأخوة الإنسانية يقتضي بذل كل الجهد من أجل ترسيخ القيم التي تضمنتها وثيقة الأخوة الإنسانية، والتي تمثل حائط صد قوي يتحطم عليه خطاب الكراهية والتعصب، من خلال توفير بيئة تتسم بالتسامح والتعايش وقبول الآخر الذي هو في واقع الأمر أخ في الإنسانية.
ونوه فهد المهري بأن هذه القيم السامية التي جاءت في وثيقة الأخوة الإنسانية ينبغي أن تكون محور الاحتفال باليوم العالمي للأخوة الإنسانية، حيث يجب وضع استراتيجية متكاملة تتضمن مجموعة من الآليات التي تستهدف ترسيخ هذه القيم في نفوس جميع البشر، فبالإضافة إلى الدور الذي تقوم به الدول من خلال سن التشريعات والقوانين التي تشجع على احترام القيم الإنسانية السامية ونبذ خطاب الكراهية والتعصب، يمكن لبعض المؤسسات الأخرى مثل المؤسسات التعليمية، والدينية، والإعلامية أن تلعب دوراً مهماً في تنفيذ هذه الاستراتيجية، خاصة أن هذه المؤسسات تتعامل مباشرة مع أفراد المجتمع وتستطيع أن تؤثر فيهم بشكل كبير وسريع.
وأشار إلى أن المؤسسات التعليمية تستطيع من خلال مناهج تدريس، تؤكد على قيم التسامح والتعايش وترفض الكراهية والتعصب، أن تبني أجيالاً قادرة على الدفاع عن هذه القيم ومواجهة هؤلاء الذين يسعون إلى تدميرها. كما يمكن للمؤسسات الدينية من خلال خطط عملية، أن تنشر تلك القيم وترسخها في النفوس عبر أنشطتها المختلفة، مضيفاً أن دور المؤسسات الإعلامية لا يقل عن دور سابقتها لا سيما أنها تمتلك القدرة على الوصول السريع إلى جمهورها وعلى التأثير فيهم خاصة في ظل وجود الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي.
تفكيك الفكر المتطرّف
أما الدكتور علاء رشوان مشرف وحدة البحوث والدراسات بمرصد الأزهر لمكافحة التطرّف، فأكد أن "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" عكف على مواجهة الأيديولوجية المتطرفة العابرة للحدود من خلال الشبكة العنكبوتية، وأصدر بعض التوصيات المهمة التي يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار، والتي من شأنها أن تعمل عل مواجهة خطاب الكراهية المنتشر بكثرة على الشبكة العنكبوتية.
وأوضح أن مسؤولية تفكيك الفكر المتطرّف تنبع من الإحساس بالمسؤولية نحو خلق بيئة آمنة وحياة يسودها السلام والوئام؛ ولذا فهي مسؤولية مشتركة بين الأفراد والمؤسسات على اختلافها بين مؤسسات رسمية وشعبية وقيادات سياسية ودينية ووسائل إعلام وغير ذلك.
ونوه علاء رشوان إلى أن مجابهة الفكر المتطرّف ليست مسؤولية الدولة وحدها بل المجتمع بكافة أطيافه كلٌ حسب موقعه ودوره في التأثير سواء المسؤول أو المربي أو رجل الدين أو المعلّم أو الإعلامي أو الفنّان، لكل صاحب رسالة دور مهم في تفكيك ومجابهة هذا الفكر، مشدداً على أن تضافر الجهود وتنسيقها في مواجهة هذا الوباء هي الضمانة الوحيدة للنجاح في القضاء على هذا الفكر وفرض الأمن الفكري والميداني داخل المجتمعات.
وذكر أن مواجهة الفكر المتطرف تتطلب دعم للشباب وإشعارهم بقيمتهم وحمايتهم من الشعور بالإقصاء الذي قد يسوقهم وراء أيديولوجيات متطرفة تدمر حياتهم، إضافة إلى دعم ثقافة العمل التطوعي والخيري ونشرها، ووضع آليات ووسائل فعالة من أجل تدريب وتوعية مديري المواقع بأنواع خطاب الكراهية، وملاحقة من يحرضون على الكراهية والعنف ومعاقبتهم، مؤكداً على أهمية العمل على محو الأمية الدينية.
تحالفات عالمية للسلام
ومن جانبه، تطرق عبدالله بن مترف رئيس وحدة الشؤون الإيرانية والتركية في مركز تريندز للبحوث والاستشارات إلى أهمية إطلاق اللجان والتحالفات العالمية من أجل السلام ومكافحة التعصب والكراهية، مبيناً أن ما نعنيه بالتحالفات واللجان الدولية هنا، هو الاتفاق المشترك والتحرك الجماعي من المؤسسات والقوى الحية في المجتمعات الإنسانية من أجل اتخاذ جملة من التدابير لحماية البشرية من الأفكار والآراء الشاذة المؤدية لنشر فكر التعصب والكراهية، وإحلال قيم المحبة والسلام والإخاء، والتنمية والتسامح.
وأوضح أن القيم الإنسانية والمصلحة العالمية المشتركة، تشكل المنطلقات والمرتكزات الجوهرية في بناء التحالفات واللجان الدولية، من أجل تعزيز قيم السلام العالمي، ودعم المرأة ونصرة اللاجئين وإطلاقها، ومواجهة التطرف والكراهية، ونشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي، ودعم الحوار وتعزيز الأخوة الإنسانية بين جميع بني البشر.
وأكد بن مترف أن أي مؤسسة أو دولة لن تتمكن بمفردها من إلحاق الهزيمة بالإرهاب، ومحاصرة موجات التعصب والكراهية بين المجتمعات المغايرة، أو داخل المجتمع الواحد، ولن تستطيع أي دولة منفردة استئصال الأسباب المؤدية إلى الفقر المدقع، وهناك ضرورة ملحة لتأسيس الجان والتحالف الدولية لصد خطر زيادة معدلات التعصب والكراهية في العالم، خاصة في ظل الموجات الجديدة من الحركات الإرهابية التي تنشر الأفكار المتشددة بين الشباب، والبيئة الخصبة لعوامل التناحر والفرق بين أبناء الوطن الواحد.
وأشار إلى أهمية دور التحالفات واللجان الدولية المشتركة في مضاعفة الجهود من أجل عالم يعمه التسامح والسلام في مواجهة خطاب التحريض والكراهية والتعصب، مضيفاً أن مؤسسة الأزهر الشريف ولجنة الأخوة الإنسانية عليهما دور كبير وحيوي في تفعيل وبناء تحالفات دولية لمحاربة أفكار التعصب، والعمل على التقارب بين الشعوب، وتعزيز المساهمة في تحسين سياسات السلام المستدامة، وبناء ثقافة عالمية مناهضة للعنف وخطاب الكراهية والتطرف، وداعمة للسلام والحوار والتسامح وقبول الآخر.
وعقب الندوة، أهدى الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات درع المركز التذكاري ومجموعة من أحدث إصدارات "تريندز" إلى الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية والمشرف العام على جناح الأزهر الشريف في معرض القاهرة الدولي للكتاب.
التعليقات