(كنت أصلى وأقول يا رب نجّحنا)، هكذا قالت (أم ماريو) عندما سألوها قبل نحو ثلاثة أشهر بنفس الكلمات التقليدية عن إحساسها بعد أن فاز فيلم (ريش) بجائزة مهرجان (كان)، فى قسم (أسبوع النقاد).
هذه المرة فى (قرطاج)، لم يكن الأمر متعلقًا فقط بما هو شعور السيدة الرائعة، بنت الصعيد، (دميانة نصار) أو (أم ماريو)، كما تعود أن يُطلق عليها أهل البلد؟ أتصورها قد شاهدت التليفزيون المصرى شاشة (نايل سينما) وهى تنقل ليلة السبت الماضى مباشرة حفل توزيع الجوائز، واسمها يقترن بلقب أفضل ممثلة، وهى تستمع إلى تصفيق الجمهور التونسى.
هذه السيدة البسيطة، التى لا توجد لديها سابقة فى التعاطى مع الفن، اقتنصت (التانيت الذهبى)، وما أدراك ما (التانيت)؟ استطاع المخرج عمر الزهيرى أن يضعها على طريق الإحساس لأداء شخصية الزوجة المقهورة أمام زوجها، وهى مُصْغِية له وعينها يسكنها الخضوع، إلا أنها عندما تتحمل المسؤولية، تقاتل من أجل الحفاظ على أطفالها وبيتها، ونرى نظرة التحدى وقد سكنت العين.
أتصور أنها لحظة إعلان الجائزة لم تدرك على وجه الدقة ما المقصود بكل تلك الحفاوة، صحيح أنها قبل نحو أسبوعين شاركت فى مهرجان (الجونة)، وسارت على السجادة الحمراء، مرتدية فستانًا رائعًا يليق بأهلنا فى الصعيد، وأُجرى معها أكثر من حوار، إلا أنها هذه المرة قفزت إلى منطقة أبعد، تلك الجائزة كانت حلم كثيرين من النجوم المصريين، وحصل عليها عدد محدود منهم مثل فاتن حمامة وسعاد حسنى ويحيى الفخرانى وعزت العلايلى وأحمد زكى، وهكذا دخلت تاريخ الجوائز من أوسع أبوابه، ومن أعرق مهرجان دولى عربى إفريقى، هل تدرك السيدة (دميانة نصار)، 38 عامًا، ما الذى يعنيه لها هذا التكريم، هل تظل الأبواب الفنية مفتوحة أمامها، أم أن الأمر ارتبط فقط بدور ومخرج آمن بها وراهن عليها، وعرف كيف يوجه مفاتيحها إلى الإبداع؟
أن تُرشَّح للجائزة، مجرد أن يتردد اسمها فى الجلسات المغلقة للجنة التحكيم يُعتبر إنجازًا، والسر هو أن أعضاء اللجنة السبعة- مسابقة الأفلام الروائية- وبينهم كاتب هذا السطور، كل منهم لديه مؤكد ثقافته، وقانونه الخاص فى تقييم أداء الممثل، إلا أن التلقائية لا يختلف عليها أحد.
لا أذيع أسرارًا، ولا يجوز البوح بالتفاصيل، إلا أن حالة من الدهشة استوقفت عيون الزملاء، وسألنى بعضهم عن تاريخها، حيث إن (الكتالوج) المصاحب للمهرجان لم يوضح الكثير عن الأفلام ولا الممثلين، ورأيت الدهشة تصرخ بها عيونهم، وأنا أقول إنها بلا تجربة سابقة، ولا تقرأ ولا تكتب، وضجَّت القاعة بالضحك عندما أضفت أنها غالبًا لأول مرة تسمع عن مهرجان (قرطاج)، من خلال متابعتى لها فى بعض اللقاءات التى أُجريت معها فى (الجونة)، كانت إجابتها تؤكد أن بداخلها رغبة حقيقية لاستكمال المشوار.
المخرج عمر الزهيرى ضرب نموذجًا للمخرج القادر على توظيف ممثليه، فى أدق لحظات إبداعهم، عندما ينسى الممثل نظريًّا كل قواعد التمثيل.
البعض سألنى من الصحفيين بعد إعلان الجوائز: هل كانت تؤدى دورها؟ أجبت بالنفى، إلا أنها من فرط الصدق صدّقنا أنه دورها الحقيقى، وهذا هو ذروة فن التمثيل!!.
التعليقات