الفن أم الحياة؟ هل يتفرغ المبدع طوال حياته لخلق عالمه الخيالى، وفى أثناء ذلك ينسى نفسه وعالمه الواقعى؟ هل يتحطم الخط الفاصل بين العالمين، ولا يُدرك بعد أن يُغادر موقع التصوير أنه لايزال محتفظًا بشخصيته الدرامية خارج جدران الاستوديو؟
كان النجم الراحل أحمد زكى يصف نفسه قائلًا: (أنا بعيدًا عن الكاميرا مجرد شخبطة على الحيط)، حتى إنه عانى بعد تصوير فيلمه (زوجة رجل مهم) من آلام مبرحة فى المعدة، وكان تشخيص الطبيب أنها معاناة بطل الفيلم ضابط الشرطة، العقيد هشام أبوالوفا، الذى أحالوه للتقاعد بسبب سوء استغلاله موقعه الوظيفى، أصيب أحمد بنوع من التماهى والتوحد مع العالم الافتراضى فأصبح (هشام أبوالوفا)، بالتأكيد لا يمكن أن تُصبح تلك هى القاعدة التى يعيشها كل المبدعين.
الإنجاز الفنى فى كل المجالات مع الزمن يتحول إلى حياة بعد الحياة، تختلف توجهات النجوم، مثلًا ميريل ستريب، التى احتفلنا قبل ساعات ببلوغها 72 عامًا، رُصع تاريخها بثلاث جوائز (أوسكار) و21 ترشيحًا، كما أنها ترشحت لـ(جولدن جلوب) 32 مرة، حصلت منها على 8 أرقام قياسية وغير مسبوقة، ورغم ذلك تابعوا ماذا قالت عندما سألوها قبل بضعة أعوام ما الذى تتمنى أن يُكتب عنها بعد عمر طويل؟ أجابت: لا أحب أن أرتبط بمجال عملى- تقصد أفلامها وجوائزها- ولكن شخصيتى أكثر الأشياء التى تتحدث عنى، ولهذا فأنا أريد تسجيل نفسى فى ذاكرة الناس كامرأة، وأحب أن يُكتب على قبرى هذه الفنانة مثلت أدوارًا متعددة، كانت بالنسبة لحياتها أدوارًا ثانوية؟!.
ميريل لا تريد بالطبع أن ينسى الناس أفلامها مثل (كرامر ضد كرامر) أو (المرأة الحديدية) أو (ماما ميا) أو (عشيقة الملازم الفرنسى) وغيرها، تريدهم أن يعتبروا كل ما حققته فى حياتها من أعمال فنية جزءًا مكملًا للصورة، رتوشًا على اللوحة، أما اللوحة التى تعتز بها فإنها الإنسان، تعيش تلك الحياة بكل تفاصيلها كأم وزوجة ومشاركة فى الوقائع السياسية والاجتماعية، المعنى المضمر هو أن البعض يستغرقه الفن عن معايشة الواقع، ينسى أنه إنسان خُلق لكى يعمل ويُسعد الآخرين، الفن ليس هو كل شىء فى الوجود، بالطبع الناس لا يعنيها فى نهاية الأمر هذا الفنان ما الذى فعله فى حياته، هل تزوج؟ هل أنجب؟ هل اهتم بتربية أبنائه؟ أو كما يحدث عندنا عندما يتحول الشغل الشاغل للأغلبية إلى البحث عن الديانة؟ مثلما تابعنا مؤخرًا بعد رحيل المخرج والمنتج هانى جرجس فوزى، وانطلقت مفاجأة إسلامه، البعض تطوع لكى يضيف إليه لمحات مغرقة فى الصوفية، ليبدو الأمر أكثر جاذبية، ما يعيش فى ذاكرة الناس ليس هو الديانة ولا من تزوجها ومن أحبها ومن خانها أو خانته، ولكن بالتحديد ما قدمه من إبداع أغنية، فيلم، مسرحية.
الفنان فى عيون الناس هو مشروع لإنجاز نغمة أو لوحة. كان عبدالوهاب يردد مقولة فنى، ثم فنى، ثم فنى، وبعدها تأتى العائلة والحياة الاجتماعية، بينما نجد أن فريد وعبدالحليم لم يتزوجا ليظلا لسنوات أطول فتيان أحلام البنات، وعندما فكرا فى تدارك الأمر كان قد مضى قطار العمر.
نعم الإنسان خلف الفنان ربما لا يذكره الناس بعد أن تنتهى رحلته مع الدنيا، لكن الفنان ينبغى أن يمنح الإنسان بداخله فرصة لكى يصبح بطلًا محوريًا على شريط الحياة، وثانويًا على الشريط الفنى!!.
التعليقات