تشهد مصر حالة من الجدل بعد إعلان وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن إطلاق أول هاتف محمول مصري خالص في 2018 لتغطية احتياجات السوق المحلي والتصدير لدول الخليج وأفريقيا. من المقرر إنتاج هاتف محمول مصري بشراكة صينية بنسبة مكونات محلية تصل لـ 58% خلال أكتوبر المقبل، يحمل اسم «سيكو» من خلال مصنعين أحدهما في برج العرب والأخر في أسيوط على أن تتزايد النسبة المحلية إلى 100% العام المقبل. كانت شركتا "سيكو" للإلكترونيات المصرية و"ميجن" الصينية، قد اتفقتا على إنشاء مصنع بالإسكندرية لإنتاج الهواتف المحمولة واللوحية، وأجهزة الاتصال بالإنترنت، تمهيدًا للتصنيع الكامل لأول محمول مصري مع بداية 2018، بحجم إنتاج يصل إلى ١.٧ مليون وحدة سنويًا، توجه 65 بالمائة منها على الأقل للتصدير.
ويقول محمد سالم رئيس مجلس إدارة سيكو للإلكترونيات، أنه سيتم طرح أول موبايل مصري ذكي بالتزامن مع احتفالات انتصار أكتوبر المجيد تحت اسم "سيكو دايموند" وسيكون الأفضل في فئته السعرية بحوالي 2000 جنيه (حوالي 112 دولارً)ا، وسيكون الأقل سعراً حيث يأتي الموبايل بكاميرا أمامية 8 ميجابكسل وخلفية 13 ميجا بكسل، وبروسسور 2 جيجا هارتز، وذاكرة داخلية 16 جيجا بايت.
محمد سالم رئيس مجلس إدارة سيكو للإلكترونيات
وقال الدكتور محمد مدكور، خبير تكنولوجيا المعلومات، إن السوق المصرية غير منطقية وخارج التوقعات، فرغم الأزمة الاقتصادية تزيد عدد الخطوط المحمولة كثيرًا عن إجمالي عدد السكان، الأمر الذي قد يساهم في رواج الهواتف الجديدة خصوصًا فيما يتعلق بالسعر. ويبلغ عدد عملاء الشركات المحمول الثلاث بمصر "أورانج واتصالات وفودافون" نحو 96 مليون عميل بنهاية أبريل الماضي، وفقًا لآخر بيانات رسمية صادرة عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. ومن المقرر ان تطرح "سيكو" هواتف عادية باسعار تبدأ من 12 دولارًا، وبالنسبة للهواتف التي تعمل بالجيل الرابع تبدأ من 67 دولارًا، وجميع الهواتف الذكية تعمل بنظام التشغيل "أندرويد".
وتستهدف الشركة بطرح منتجها الجديد أن تصل حجم حصتها فى الخليج إلى 12 بالمئة و8 بالمئة في شرق أفريقيا خلال عام، الأمر الذي أثار تساؤلات حول قدرة منتجاتها على منافسة الماركات الكبرى في الخليج الذي يتسم بارتفاع مستوى المعيشة وتفضيل المنتجات الأغلي والأشهر.
ويقول مدكور إن مصر يمكنها تصدير هواتف ذات تكنولوجيا معقولة بأسعار منخفضة لإفريقيا، لأن البنية التحتية للإنترنت لم تكتمل بتلك البلدان، كما أن شبكاتها لا تزال قليلة التطور. وتوقع مدكور ألا ينجح الهاتف المصري الجديد بالسوق الخليجية التي تمتاز بارتفاع مستوى معيشة مواطنيها، وتطور شبكات التكنولوجيا، وتفضيلهم منتجات مشهورة عالية الجودة كآبل وسوني وسامسونج. ووفقًا لموقع "إنترنت وورلد ستاتس" يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت بإفريقيا 298 مليون مستخدم يشكلون نسبة تصل إلى 9.8 بالمائة فقط من إجمالي مستخدمي الإنترنت حول العالم.
وتقول عايدة زايد، مدير مركز التصميمات بوزارة التجارة والصناعة المصرية، إن مصر تمتلك جيلاً جديدا من الشباب الملم بالتكنولوجيا، والقادر على إخراج هواتف ذكية متميز في الشكل ومنافسة الماركات الشهيرة. وأعلنت الحكومة المصرية، العام الماضي، عن إستراتيجية طويلة الأجل لصناعة الإلكترونيات محليًا لتحقيق دخل بقيمة 10 مليارات دولار بحلول 2020.
وأضافت أن التأخر المصري بهذا المجال لا يمنع من مزاحمة الكبار، فسوق الهواتف الذكية يعتمد على التطوير المستمر، لاقتناص زبائن جدد، وبالتالي يمكن للمنتج المصري المنافسة طالما كان متميزًا في الشكل والأداء. وفي مايو الماضي، أكد ياسر القاضي، وزير الاتصالات ، أن مصر ستتحول إلى منتج ضخم للهاتف المحمول، لتلبية حاجة السوق المحلي المتزايدة والتصدير لأسواق أفريقيا والخليج أيضًا.
وقال الدكتور محمد أبو قريش، رئيس الجمعية المصرية لمهندسي الاتصالات، إن مصر تهدف من وراء تلك الخطوة إلى توطين للتكنولوجيا، بدلاً من أن يكون سوقها مجرد منافذ بيع للسلع المعلوماتية والتكنولوجية. وتتنافس 15 ماركة عالمية على رضا المستهلكين المصريين الذين يتوقع وصول عددهم إلى 140 مليون نسمة عام 2030، بحسب تقديرات المجلس القومي للسكان.
وأضاف أبو قريش أن مصر يغازلها منذ عام ١٩٨٠ حلم تكنولوجيا الاتصال، لكن لم يصاحب ذلك اهتمام حقيقي بتوطين التكنولوجيا. ودشنت مصر مصنعًا للسنترالات الإلكترونية لتصنيع معدات الاتصال بالتعاون مع شركة أريكسون السويدية في الثمانينات، ومصنًعا لتصنيع أجهزة الاتصال الخاصة بالسنترالات الالكترونيةبالتعاون مع سيمنز الألمانية في ١٩٩٣، تحت اسم الشركة المصرية للألمانية "ايجتي"، إلا أن المصنعين تعرضا للإغلاق. وأوضح أبو قريش أن التجربة الثالثة كانت في مصنع المعصرة "كويكتل" الذي هدف إلى إنتاج هواتف محمولة، إلا أنه تم بيعه لمستثمر أردني ليقرر إغلاقه، كما تم وأد مشروع "وادي السليكون" بالإسماعيلية لتوطين التكنولوجيا في مهده أيضًا. وقال عمرو بدوي، الرئيس الأسبق لجهاز تنظيم الاتصالات بمصر، إن الهاتف المصري، لا يهدف إلى منافسة الشركات الكبرى، ولكن توفير منتج يناسب السوق المحلية ويمكنه تصديره لإفريقيا.
ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن إجمالي ما يتم استيراده سنويًا من أجهزة التليفون المحمول بمصر يصل لنحو 15 مليونًا، بقيمة واردات سنوية تناهز الـ ١.١ مليار دولار. وأضاف أن انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار حاليًا، يقلص تكلفة أجور العمال المصريين ويقلل تكلفة الإنتاج، ويجعلهم منافسًا للصين في صناعات التكنولوجيا كالهواتف المحمولة.
وقال إن تجربة مصنع المعصرة لن تتكرر إذ كان يهدف لإنتاج هاتف مصري مائة بالمائة، وهذا أمر صعب حينها، لا أن التعاون مع شركات كبيرة يضمن نقل التكنولوجيا للمصريين وخرج منتج محلي مستقبلاً. واستبعد وليد رمضان، وكيل شعبة المحمول بغرفة القاهرة التجارية، إمكانية ظهور هاتف مصري مائة بالمائة في 2018، موضحًا أن مصر حاليًا لا تمتلك مصانع تجميع ناجحة للهاتف المحمول، وهناك شركات بدأت تتخذ خطوات بهذا المجال. وتعتزم شركتا "فيوا مصر" و"إم تاتش" إنشاء مصنعين لإنتاج هواتف ذكية بمصر، بينما تدرس شركة "تكنو موبايل" إقامة خامس مصانعها بإفريقيا بمصر، إلا أن تلك الشركات ستعتمد على التجميع بالمقام الأول.
وأضاف رمضان أن السوق المصرية شهدت محاولات جيدة لتجميع وتصنيع المحمول، إلا أنها لم تستطع مواكبة للتطور المستمر بتلك الصناعة كتابلت "إينار" وهاتف "روكت" واللذان ظلا فترة طويلة بدون تحديثات بالشكل والأداء. وطرحت مصر في ٢٠١٣ الإصدار الثاني من التابلت المصرية "إينار" بكاميرا خلفية 5 ميجا بكسل وذاكرة داخلية 8 جيجا بايت، إلا أنه لم يتمكن من المنافسة بقوة أمام المستورد.
وأوضح أن ظهور موبايل مصري 100% يتطلب أولاً أن توجد مصانع مغذية لإنتاج مستلزمات الصناعة بدءًا من المسامير وحتى المازر بورد، وتلك الصناعات لن تنتشر إلا بعد زيادة عدد مصانع التجميع المحلي لأعداد معقولة، وحينها يمكننا الحديث عن ظهور أول هاتف مصري. وأضاف أن الشركات التي تعتزم إنشاء مصانع للتجميع المحلي بمصر ستساعد في حل أزمة العملات الصعبة، كما ستحدث نقلة في الصناعة مكررة ما حدث بسوق شاشات الحواسب والتليفزيونات، والتي بدأت كتجميع محلي بنسبة 40% وزادات المكونات المحلية لتصل إلى 100%. وطالب شركات التجميع المزمع إنشاؤها بالتركيز على الأسواق الخارجية لفتح أبواب لتصريف منتجاتها، بجانب منح الحكومة إعفاءات وحوافز للمصنعين وإلغاء التعقيدات الحكومية التي تعرقل تلك الصناعة.
التعليقات