"الموسيقى لغة عالمية ونحن نخطئ عندما نحاول أن نصبغها بصبغة محلية"، هذا ما قاله الراحل أبو الموسيقى المصرية والعربية، الراحل العظيم سيد درويش، أول من ربط الموسيقى بالسياسة، وظل موته لغز لم يكتشف حتى اليوم، رغم مرور 96 عام على وفاته، حيث يقول البعض إنه تعرض للتسمم أو مات بسبب السكتة القلبية، لكن من المؤكد فقط ان مصر فقدته مبكرًا فلم تمتد رحلة عطاءه في الحياة أكثر من 31 عامًا فقط، إلا انه أثرى الموسيقى العربية والمصرية بتراث عظيم.
وُلد سيد درويش عام 1892، لأب بحار صاحب ورشة صغيرة بحي كوم الدكة بمدينة الإسكندرية، أراده الأب شيخًا حافظًا للقرآن، وبعد وفاة الأب حرصت أمه على أن يكمل تعليمه، فالتحق بالمعهد الديني بالإسكندرية عام 190، ودرس به لمدة عامين.
ترك دراسته لتكريس حياته للتركيبات الموسيقية والغناء، ثم دخل مدرسة الموسيقى حيث أُعجب مدرس الموسيقى "سامي أفندي" بمواهبه وشجع درويش على المضي قدمًا في مجال الموسيقى.
ومع كساد الأحوال الاقتصادية للبلاد ترك الغناء والفن، وعمل مع عمال المعمار مساعد نقاش مهمته أن يناول النقاش المونة، وفي أثناء العمل كان يغني فكان العمال الذين يشتغلون في البناء يطربون أشد الطرب ولاحظ المقاول أن العمال ترتفع معنوياتهم ويزيد إنتاجهم إذا كان العامل سيد درويش يغني لهم، فطلب إليه أن يتوقف عن العمل وأن يكتفي بالغناء للعمال.
وكان أمام العمارة التي يشتغل عليها مع زملائه مقهى متواضع تصادف أن جلس فيه ممثل أسمه أمين عطا الله (وكان ذلك سنة 1908) وعن شقيق سليم عطا الله صاحب الفرقة التمثيلية التي تعمل في الإسكندرية وسمع صوت هذا العامل الفنان وسرعان ما تقدم إليه وعرض عليه العمل في فرقة أخيه ولم يتردد سيد درويش والتحق بالفرقة ليغني مع الكورس وليؤدي منفردًا بعض الأغاني بين فصول المسرحية.
وفي السنة نفسها سافر مع الفرقة إلى لبنان ولكن الفرقة فشلت ولم تلق إقبالًا بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وتشتت أفراد الفرقة وظل سيد درويش ببيروت ودمشق وحلب يكسب عيشه بقراءة القرآن في المساجد ويبحث عن أساتذة الموسيقى ليتعلم عليهم أصول الموسيقى الشرقية ويحفظ عنهم التراث القديم كله.
وبعد أن قضى في الشام قرابة تسعة أشهر عاد إلى الإسكندرية واستمر يشتغل بالغناء والإنشاد في الأفراح والموالد والمقاهي الشعبية حتى أعتاد سليم عطا الله تأليف فرقته التمثيلية سنة 1910 فأنضم سيد درويش إليها.
وبعد عودته إلى الإسكندرية أصبح يؤلف ألحانًا خاصة به، لكنه كان ينسبها لغيره بسبب صغر سنه، ولكي تحقق الشهرة؛ فكانت تحقق كل النجاح.
وعند ضعف الإقبال على فرقة جورج أبيض التراجيدية بسبب أحزان الحرب، التي كانت توجه الناس إلى اللون الكوميدي للتسلية والترفيه عنهم، فرأى أن يحول فرقته إلى اللون الكوميدي الاستعراضي الغنائي واستدعى سيد درويش من الإسكندرية إلى القاهرة وكلفه ان يلحن له أول أوبريت باسم (فيروز شاه).
وبعدها سمع نجيب الريحاني عن هذا الشاب مؤلف الألحان الجديدة فاستدعاه هو الآخر، حيث لحن له أوبريت (ولو)، ولاستغلال أصحاب الفرق كون درويش فرقة خاصة به وقدم من خلالها روايتين (شهرزاد، والبروكة)، ولم يحالفه الحظ كثيرًا وسرعان ما انحلت الفرقة، وعاد للتأليف للفرق الاخرى.
في الفترة القصيرة بين حضوره إلى القاهرة سنة 1917 وبين وفاته في 15 سبتمبر سنة 1923 وضع ألحان 22 اوبريت والفصل الأول من أول أوبرا شرع في تلحينها بعنوان كيلوباترا ومارك انطونيو.
وفي خلال حياته الفنية بين الإسكندرية والقاهرة ألف عشرة أدوار للتخت، وهي عبارة عن سيمفونيات عربية و17 موشحًا على النمط القديم ولكن بروح جديدة نحو 50 طقطوقة وهي الأغاني الخفيفة.
وقد كان سيد درويش هو الزعيم الفني لثورة 1919، فسطع نجمه بشكل قوي عقب غنائه وتلحينه لأغنية "قوم يا مصري" التي حققت شهرةً ونجاحًا لامثيل لهما في الشارع المصري.
وهناك عددٌ من الألحان التي تألّفت للريحاني أو الكسار، وهي الآن جزءٌ من الفولكلور المصري، مثل "سالمة يا سلامة" و"زوروني كل سنة مرة" و"الحلوة دي" و"اهو ده اللي صار" معروفةٌ لدى جميع سكان الشرق الأوسط، وقد تم غناؤها من قبل مطربين كبار، مثل السيدة فيروز وصباح فخري.
سجلت ثلاث شركات تسجيل صوت سيد درويش وهي: "ميشيان" وهي شركة تسجيلٍ محلية صغيرة أسسها مهاجرٌ أرمني، وقد سجلت صوته بين عامي 1914 و 1920، و"أوديون" الشركة الألمانية التي سجلت على نطاقٍ واسع ذخيرته المسرحية الخفيفة في عام 1922، و"بايدافون" التي سجلت ثلاثة أدوار عام 1922.
وتناولت بعض الأعمال الفنية سيرته الشخصية ومنها فيلم "سيد دوريش" وقام بدوره الفنان كرم مطاوع، ومسلسل "أهل الهوى" والذي قام بدوره حفيده إيمان البحر درويش، ومسرحية "سيد درويش" وقام بدور محمد نوح.
التعليقات