افتتح مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيَّة اليوم أعمال مؤتمره السنوي الثامن للتعليم حول "التعليم والتربية الأخلاقية: نحو منظومة تعليمية تعزز القيم في المجتمع" والذي تستمر فعالياته حتى غدٍ في "قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان" بمقر المركز في أبوظبي.
وحضر افتتاح المؤتمر معالي جميلة بنت سالم مصبح المهيري وزيرة دولة لشؤون التعليم العام، ونخبة من صنَّاع القرار والخبراء والعاملين في الحقول التعليمية المحلية والإقليمية والدولية، وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمَدين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، ولفيف من الباحثين والأكاديميين والكتَّاب والصحفيين ورجال الإعلام، بحسب وكالة أنباء الامارات.
واستهلَّ المؤتمر أعماله بكلمة ترحيبيَّة لسعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أكد فيها أهميَّة هذا المؤتمر الذي يلقي الضوء على المبادرة الكريمة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لدعم العملية التعليمية بمادة "التربية الأخلاقية" في المناهج والمقررات الدراسية.
وأشار إلى أن التحديات الجسام المحدقة بالمنطقة والعالم، لاسيَّما خطر الإرهاب العابر للقارات، ومَن يقف وراءه من قوى الظلام، تتطلب منا في دولة الإمارات العربية المتحدة مواصلة العمل على إيجاد أنجع السبل للتصدي لهذه التحدَّيات، وقطع الطريق على أصحاب الفكر التضليلي، اللاهثين عبثاً لهدم عقود من البناء والإنجاز.
وأضاف السويدي أنه إدراكاً من قيادتنا الرشيدة لدور القيم والأخلاق النبيلة في النهوض بالأمم، وإبقائها عصيّةً على الفتن؛ وانطلاقاً من حرصها على تطوير التعليم بما يكفل بناء أجيال إماراتية قادرة على حمل الراية، جاءت مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الخاصة بالتربية الأخلاقية والتي تهدف إلى تعميق القيم الأخلاقية والإيجابية، وترسيخ الهويَّة الوطنية، وتعزيز قيم الانتماء والولاء لـ"بيتنا المتوحّد" لدى النشء والشباب، بحيث تتحول إلى جزء أساسيٍّ من تكوينهم، بما يعكس كذلك حرص قيادتنا الرشيدة على استكمال نهج الوالد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيّب الله ثراه-، الذي أرسى قواعد الهوية الإماراتية المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، والقيم العربية الأصيلة؛ فكانت أخلاق أهل الإمارات النبيلة، وما زالت، أساس سمعة الإمارات الطيبة على مستوى العالم.
ولفت إلى أن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وانطلاقاً من إيمانه العميق بالرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حول الدور المهمِّ للتربية الأخلاقية في تحصين مجتمعنا، وترسيخ هويَّتنا، وفي تعزيز القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة، ارتأى أن يكون موضوع المؤتمر السنوي للتعليم هذا العام هو "التعليم والتربية الأخلاقية: نحو منظومة تعليمية تعزِّز القيم في المجتمع"؛ بهدف التوصل إلى مخرجات علمية خلاقة تنهل من أرقى التجارب الدولية في هذا المجال، وترتقي إلى مواكبة جهود القيادة الرشيدة لتطوير المنظومة التعليمية في الإمارات.
وعقب انتهاء الكلمة الترحيبية جاءت الكلمة الرئيسية للمؤتمر، التي ألقتها معالي جميلة بنت سالم المهيري، حيث أشارت إلى أن هذا المؤتمر يشكِّل مناسبة عظيمة لاستدعاء أعظم التجارب التي عرفتها الحضارة العربية الإسلامية في أزهى فترات العصر العباسي، وهي الحقبة التي عُرِفت بعصر التدوين ونقل المعارف وازدهارها، والتي تُوِّجت بتأسيس ما عُرِف بـ"بيت الحكمة" الذي احتضنته مدينة بغداد عاصمة العباسيين؛ فقد كانت مركزاً للبحث العلمي تجمَّع فيه العلماء والباحثون من أقصى بقاع الأرض، برغم اختلاف أعراقهم ودياناتهم، لتصدح أصوات بيت الحكمة بكل لغات العالم آنذاك.
وأكدت معاليها أن إدخال مادة التربية الأخلاقية ضمن المناهج الدراسية يمثل مبادرة مهمة، تعكس الرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أراد بها سموه أن نفهم كيف نتعايش مع الآخر وفق منظومة السلام والمحبة والإخاء، وأن ندرك أنه بغير هذه المنظومة لا يمكننا الانطلاق في هذه الحياة، وعلى أبنائنا أن يدركوا أنهم من دون التربية الأخلاقية لن يلتحقوا بالعالم من حولهم ..كما أننا لا يمكن أن ننجح في ترسيخ التربية الأخلاقية من دون دور المعلم، الذي يقدم تجربة مختلفة نريد منه أن يدرك قيمتها حتى يظل قدوة للطلاب.
وبعد ذلك بدأت فعاليات الجلسة الأولى للمؤتمر تحت عنوان "مبادرة التربية الأخلاقية الإماراتية: المنطلقات وجوانب التأثير"، ورأسها سعادة الأستاذ مبارك الشامسي، مدير عام مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني.
وتحدثت في هذه الجلسة سعادة الشيخة خلود القاسمي، وكيل مساعد لقطاع الرقابة في وزارة التربية والتعليم، بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتناولت في ورقتها "رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حول موقع الأخلاق في المنظومة التعليمية"، مشيرة إلى أن الأخلاق تمثل بمفهومها الشمولي القيم السامية المستمدَّة من ثقافتنا العربية وتراث أجدادنا ومعالم هويتنا الإماراتية المميزة، والتي ترسَّخت عبر الموروث الشعبي الذي احتفى بمكارم الأخلاق وحثَّ عليها.
وأشارت إلى أن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بإدراج مادة "التربية الأخلاقية" في المناهج والمقررات الدراسية بمدارس الدولة، جاءت تأكيداً جديداً لريادة سموه وتفرُّد رؤيته، التي تعِد بإحداث تغيير نوعي في مستوى المهارات الحياتية والسلوكية لدى الطلبة والمعلمين على حدٍّ سواء، والعمل على إرساء قيم أخلاقية مشتركة بين مختلف الأعراق التي تعيش على أرض الإمارات بغضِّ النظر عن خلفياتها الدينية والثقافية واللغوية؛ لتعزيز التعايش السلمي في مجتمع يحظى بتنوع فريد من نوعه.
وأكدت سعادة الشيخة خلود القاسمي أن تطوير منهاج التربية الأخلاقية جاء بهدف تطوير قاعدة مؤسسية راسخة ومستدامة للحفاظ على هذه القيم وتنميتها وتأصيلها في نفوس الطلبة من خلال المنظومة التعليمية، وبالانسجام مع القيم الأصيلة لمجتمعنا الإماراتي، ومواكبة متطلبات العصر الحديث، بما يمهِّد لمنح المؤسسات التعليمية دوراً محورياً كقوة دافعة للتغيير الإيجابي وإحياء القيم المجتمعية الأصيلة وتعزيزها.
ولتكون رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان انطلاقة نوعية جديدة نحو مستقبل مشرق يستمدُّ من المنظومة الأخلاقية رافداً لبلوغ السعادة وجودة الحياة لأبنائنا الطلبة ضمن منظومة متكاملة من التعليم الإيجابي القادر على تزويدهم بالمهارات المستقبلية التي تكفل بلوغ أهدافنا الوطنية ببناء جيل مسؤول، ومثقف، ومتسامح، ومحصَّن فكرياً، ليكون جاهزاً للتفاعل الإيجابي مع محيطه.
وبعد ذلك قدَّمت فاطمة المري، الرئيس التنفيذي لمؤسسة التعليم المدرسي في هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي، ورقة حول "التربية الأخلاقية وتعزيز القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة"، أشارت فيها إلى أن حالة التنوُّع الثري في الثقافات والمناهج التعليمية المطبَّقة في قطاع التعليم الخاص على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة أوجدت بدورها مكانة متميزة للمنظومة التعليمية ضمن مسيرة القوة الناعمة للدولة على المستويين الإقليمي والدولي.
وأكدت أن اعتماد مادة التربية الأخلاقية على مستوى مدارس الدولة سيكون له دور مؤثر في تعزيز القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة، واستثمار رصيد منجزاتها، الممتدة بحكمة مؤسسيها، وبالنهج المتفرِّد للقيادة الرشيدة، نحو مواصلة تعزيز أطر التواصل مع شعوب العالم، وتكريس مسارات التقارب الإنساني.
وأضافت أن التربية الأخلاقية في مدارسنا تكتسب مكانة خاصة بصفتها من المؤثرات الإيجابية في مسيرة القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ ذلك أن البيئة المدرسية بتنوع ثقافات طلبتها وجنسياتهم قد أثمرت مجموعــة غنيــة مــن القيـم الإيجابية على الصعيدين الاجتماعي والإنساني؛ ما يسهم في تعزيز سمعة الدولة إقليمياً وعالمياً، وترسيخ احترامها ومحبتها بين شعوب العالم من قلب مدارسنا ومجتمعنا، لاسيما أن تطبيق مادة التربية الأخلاقية في المدارس الخاصة بدبي يتسم بالمرونة في توصيل المنهج ومواءمته للبرامج الحالية التي تطبقها المدارس، بما يحقق الاستفادة القصوى من التنوع الثقافي داخل البيئات المدرسية في تعزيز القيم الإيجابية وغرسها لدى الطلبة.
ثم قدم سعادة المستشار الأستاذ الدكتور فاروق حمادة، مستشار في ديوان صاحب السمو ولي عهد أبوظبي، مدير جامعة محمد الخامس-أبوظبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة، ورقة حول تأثير تدريس التربية الأخلاقية في منظومة القيم لدى النشء والشباب الإماراتي، أشار فيها إلى أن تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ضرورة إدخال التربية الأخلاقية في مراحل التعليم كلها دليلٌ ساطع على بُعد نظر سموه لبناء الإنسان المواطن، النموذج والمثال العالمي في تحقيق الإنسانية وبلوغ السعادة، وضمان التوازن المطلوب في الإنسان المبدع فكرياً، والقوي بدنياً، والمطمئن روحياً ونفسياً، المتفوق أخلاقياً وسلوكياً؛ فهو ناجح في تواصله مع الناس بقيمه وأخلاقه، متميز في الإبداع المادي والبناء والتنمية، محافظ على وطنه ومؤسساته، وهذه هي القوة الحقيقية الضامنة للازدهار والاستمرار، وهي التي تنشدها القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وبعد ذلك بدأت فعاليات الجلسة الثانية للمؤتمر، التي حملت عنوان "نحو تفعيل مبادرة التربية الأخلاقية: الأدوار والآليات"، ورأسها سعادة الأستاذ مروان أحمد الصوالح، وكيل وزارة التربية والتعليم للشؤون الأكاديمية للتعليم العام.
وتحدثت في هذه الجلسة الدكتورة نجوى الحوسني، الأستاذ المساعد في قسم المناهج وطرق التدريس، بكلية التربية، في جامعة الإمارات العربية المتحدة، التي قدمت ورقة حول "دور المعلم في تفعيل مبادرة التربية الأخلاقية"، أشارت فيها إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول السبَّاقة التي تسعى دوماً إلى تطوير منظومتها التعليمية بما يتوافق مع تحقيق أجندتها واستراتيجياتها التنموية ..ويُعَدُّ إطلاق مادة التربية الأخلاقية خطوة رائدة تهدف إلى إعداد أجيال تتحلى بالمبادئ والقيم الأخلاقية الحميدة، أجيال إيجابية مبدعة ومؤثرة في محيطيها المحلي والعالمي.
ورأت الدكتورة نجوى الحوسني أنه لضمان نجاح هذه الخطوة، وباعتبار المعلم ركيزة رئيسية في النظام التعليمي، وعنصراً مؤثراً في حياة الطالب، وجب على المعلم أن يمتلك من المهارات والطرائق والأساليب والوسائل ما يكفل له إحداث التغيير المنشود؛ فعلى عاتقه تقع مسؤولية عظيمة في نشر الأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية وتأصيلها في نفوس الطلبة وممارساتهم العلمية والعملية، حيث إن رسالة المعلم السامية لا تقتصر على الجانب الأكاديمي فقط، وإنما تمتد إلى الجوانب الروحية، والأخلاقية، والتربوية، والثقافية، والاجتماعية، التي تسهم مجتمعة في بناء فكر الطالب وصقل شخصيته.
كما قدم سعادة الدكتور عبداللطيف الشامسي، مدير مجمع كليات التقنية العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة، ورقة حول "مناهج التربية الأخلاقية: الرؤية والمضمون"، أشار فيها إلى أن التربية الأخلاقية تركز في مفهومها العام على تعزيز القيم الوطنية والسلوكيات الإيجابية في نفوس النشء منذ الصغر، وتركز مؤسسات التعليم العالي كثيراً على عملية تقييم أداء الطالب، ليس على الجانب الأكاديمي فقط، بل كذلك على الجانب السلوكي والانضباطي المرتبط بالتربية الأخلاقية، حيث يُقاس الجانب الأخلاقي من خلال مؤشرات عدَّة تتعلق بسلوك الطالب وعلاقاته في مجتمع الكليات.
كما قدم مؤشراً جديداً لتقييم أداء الطلبة في الكليات، وهو مؤشر "الخدمة الوطنية"، من خلال عقد مقارنة بين أداء الطلاب الذين أنهوا الخدمة الوطنية، وأداء الطلاب الذين لم يقوموا بعدُ بأداء هذا الواجب الوطني. وقد أظهرت الدراسة بشكل جليٍّ، عقب تحليل الاستبانات والبيانات المتعلقة بمؤشرات الأداء، أن برنامج الخدمة الوطنية له أثر إيجابي كبير في الطلبة الملتحقين به على المستويَين الأكاديمي والسلوكي الشخصي؛ إذ توضِّح الدراسة ذلك بالأرقام والنسب وتفاصيل جوانب التميز لدى هذه الفئة الطلابية.
وفي ختام فعاليات اليوم الأول قدم فاهم النعيمي، الرئيس التنفيذي لشبكة الإمارات المتقدمة للتعليم والبحوث، في دولة الإمارات العربية المتحدة، ورقة حول "دور المؤسسات الاجتماعية المساندة"، أشار فيها إلى أن المدرسة هي المؤسسة الاجتماعية التي يوكل المجتمع إليها مهمة تكوين الأجيال، وغرس قيم الانتماء إلى الوطن وحب العلم والولاء للقيادة، من خلال ثلاثة محاور هي: المعلم، والمنهاج، والبيئة التعليمية؛ فيجب أن تكون هذه المحاور مواكبة للمتطلبات الحديثة من تقنيات ونظم معلومات للرقي بالمستويين العلمي والخلقي ..كما تسهم الجامعات في تعزيز منظومة القيم، حيث إن من أهدافها الرئيسية تنشئة مواطنين مؤمنين بالله، منتمين إلى وطنهم، ومخلصين لقادتهم، ومتحلِّين بروح المسؤولية، محافظين على تراثهم، ومعتزين بحضارتهم؛ حيث تقوم الجامعات بإشباع رغبات الطلاب الفكرية، والعلمية، والاجتماعية، والثقافية، وتعمل على مساعدتهم على التكيُّف مع التطورات الحاصلة في العالم، وتسهم في ربطهم بالآخرين عبر بناء علاقات اجتماعية متطوِّرة تخضع للتفكير العقلاني الإنساني الذي يحترم الآخر، ويدعم تطور الإنسان بشكل عام.
وأكد أن الجامعات في دولة الإمارات العربية المتحدة تلعب دوراً كبيراً في توجيه عقول الشباب إلى التزام القيم الإسلامية المعتدلة، وتنمية مشاعر الانتماء إلى الوطن وموروثه الثقافي والحضاري والولاء لقادته، وجعلهم أعضاء فاعلين في المجتمع.
وسيواصل "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيَّة"، غداً، فعاليات اليوم الثاني والأخير للمؤتمر، بكلمة رئيسية، يلقيها معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح.
التعليقات