مجتمعنا بحاجة عاجلة إلى سن قانون يفرض على الراغبين فى الاقتران من الجنسين ، الحصول على رخصة زواج تؤهلهم لقيادة الحياة الأسرية، لوقف التدهور الخطير فى الأسرة المصرية بعد ان أن تزايدت نسبة الطلاق من 7% الى 40% خلال 50 عاما لترتفع إلى 240حالة طلاق يوميا، بمعدل حالة كل 6 دقائق
وبذلك اصحبت مصر الأولى عالميا فى أبغض الحلال!! هذه المرتبة وتلك الإحصائيات تضمنها تقرير صادر عن الأمم المتحدة، ومركز معلومات دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء هذا العام ،وعزت الأمم المتحدة ذلك فى تقريرها للظروف الاجتماعية والاقتصادية، والصحية، فضلا عن نقص الوعى أو إدمان المخدرات، وانتشار المواقع الإباحية على الإنترنت، مما جعل هناك تزايدا فى نسب الطلاق، وبالأخص الناتج عن قانون الخلع. رخصة الزواج التى ندعو إليها لا نقصد بها زيادة ترسانة القوانين التى تكبل حياة الناس، وإنما تأهيل الشباب المقبلين على الزواج بالحد الأدنى من المعلومات والمهارات المطلوبة للعيش المشترك، فإذا كانت قيادة ماكينة صماء كالسيارة تحتاج إلى رخصة، فما بالنا بقيادة اسرة بكل تعقيداتها الاجتماعية والنفسية؟ قد يقول قائل : لماذا الدعوة إلى ذلك فى حين أن آباءنا وأجدادنا على مدى قرون عديدة تزوجوا وعاشوا حياة أسرية ناجحة دون الحاجة الى مثل هذه الرخصة؟ ونجيب بأن حياتنا اليوم قد تغيرت وجدت عليها تطورات متلاحقة من أكثر من زاوية : أولا : إن الإنترنت أحدثت خللا هيكليا فى بنية الحياة الأسرية، تمثل فى إيجاد مصادر اخرى للمعرفة خارج سلطة الأبوين، فلم يعد الأبناء اليوم يستقون معارفهم من الوالدين فقط وانما انفتحوا على آفاق أخرى فى شبكة المعلومات الدولية، ادت الى تقلص دور الأسرة فى التربية والتوجيه وضياع الكثير من المفاهيم والمبادئ التى شكلت لقرون سياجا حافظا للأسرة . ومن ناحية أخرى جعلت وسائل الاتصال والتواصل الجديدة الأبناء منشغلين بها حتى مع وجودهم داخل الأسرة، حيث يكون الوجود جسديا فقط، بينما تنشغل عقولهم بالأجهزة الذكية من هواتف وحاسبات وغيرهما، ومن ثم قلت مساحات الحوار والتواصل بين الوالدين والأبناء. ثانيا: انشغال الوالدين بتدبير نفقات الحياة ومطالب الأولاد، قلل الوقت الذى يمكن تخصصيه للحوار سواء فيما بينهم أو مع الأبناء ، فمع لجوء الوالد الى أكثر من عمل، تزايدت درجة التوتر داخل البيت ومن ثم اصبح الأبناء يعايشون أجواء الخلافات الأسرية. ثالثا: بخروج المرأة للعمل وتحملها جزءا من نفقات، البيت، أصبح فى المنزل أكثر من قائد وربما اكثر من وجهة نظر، ومن ثم قللت مساحة المعارف والسلوكيات والقيم المتفق عليها داخل الأسرة، مما أحدث نوعا من التشويش فى ذهن الأبناء واختفى اليقين المعرفى بشأن الكثير من القيم الأسرية وتحول الأمر - فى بعض الأحيان - من تشاور بين الزوجين الى صراع لفرض الرأى ، وعندما يصبح للمركب رئيسان فإن احتمال الغرق يزداد . رابعا: تزايد معدلات الطلاق ،فقد بلغ إجمالى عدد حالات الطلاق عام 2015، 250 ألف حالة طلاق وخلع بمصر، بزيادة عن عام 2014 بـ89 ألف حالة، وفى المقابل ترددت مليون حالة على محاكم الأسرة خلال 2014، مما جعل الطلاق حلا مقبولا وأليفا لدى الأبناء . خامسا : الاستفادة من تجارب الدول الأخرى لمواجهة هذه المشكلة، حيث لجأت بعض الدول إلى فرض رخصة زواج لمواجهة زيادة حالات الطلاق، فقد نجحت تجربة ماليزيا فى إصدار رخصة القيادة الأسرية، وتمكنت خلال سنوات قليلة من أن تصبح أحد أقل دول العالم فى نسبة الطلاق، إذ وصلت فيها إلى أقل من 8%، خلال السنوات الأخيرة، بعدما تجاوزت خلال فترة التسعينيات نسبة الـ 32%، واليوم لا يسمح للشباب فى ماليزيا بالزواج دون الخضوع للدورات التدريبية التى تمنح «الرخصة العائلية». وتتضمن الدورات دروسا حول الحياة الزوجية، فيما تتيح المعاهد التى تقدم البرنامج فترات يلتقى فيها الطرفان من أجل تعارف أكثر. وفى الإمارات يعكف عدد من الجهات المعنية على وضع خطة لتنفيذ مشروع إصدار رخصة لـ «القيادة الأسرية» تكفل خضوع المقبلين على الزواج لدورات تدريبية تسهم فى تأهيلهم لحمل مسئوليات الحياة العائلية، واكتساب الخبرات المطلوبة لإدارة شئون الأسرة. وفى تونس بدأ تنظيم دورات للحصول على رخصة الزواج، وتستهدف الدورات بناء مشروع أسرى ناجح واكتساب المهارات وفن التواصل بين الطرفين. وتعليم كيفية إدارة الخلافات. بالتأكيد أن رخصة الزواج فى حد ذاتها ليس الحل الوحيد، أخذا فى الاعتبار التحديات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التى تواجهها مجتمعاتنا، ولكنها على الأقل تنحى واحدا من أبرز أسباب الطلاق وهو الجهل بأسس قيادة سفينة الحياة الأسرية، ومن هنا تتضاعف أهمية تعلم فن هذه القيادة فى عصرنا الذى تتزايد فيه الأمواج العاتية والأعاصير المدمرة، وترتفع سرعة الرياح التى تأتى فى أوقات كثيرة على عكس ما تشتهى سفينة الأسرة
د . محمد يونس
كاتب مصري
التعليقات