ألا نستحق أن يحتوينا أبنائنا؟

أعلم أن ما تحمله السطور القادمة قد يكون للوهلة الأولى كطرفي النقيض أو كخطين متوازيين لا يلتقيان رغم أنه عكس رغبتي الشخصية وهدفي الأساسي من طرح هذه القضية التي قتلت بحثاً تقليدياً من خلال عبارات مكررة كالفجوة بين الأجيال وجسر التواصل وصعود الشباب لعقول الكبار ونزول الكبار لجيل يرى المستقبل بعين أسرع وأشد قسوة أحيانا دعونا اليوم نتحدث إليكم أبنائنا وبناتنا إليكم شباب هذا المستقبل الذي لا يرى في أهله سوى أناس قدامى من العصر الحجري (كما تحبون أن تطلقون علينا) عندما تحدث العالم من سنوات عديدة عن العولمة وهجمتها الشرسة ونادت الأصوات المحذرة من تلك الهجمات وضحاياها لم يكن الضحايا في المجال الاقتصادي فقط ولكن أصاب المجال الاجتماعي ضربة قاصمة هزت العلاقات الأسرية لدرجة أن تجد أبناء يتهمون أبائهم وأمهاتهم بأنهم سبب دمار مستقبلهم!

دعوني اليوم أنقل لكم آلام لا تسمعون لها وإن رأيتموها تتجاهلونها وكأنكم تتخفون من واقع تصنعونه تحت رداء السرعة والحياة غير الروتينية فهذا الوالد الذي تتهمونه بأنه لا يدرك حجم حياتكم السريعة وأنه متأخر في مواكبة سرعتكم التي لا تتوقف أمام الاحترام أو التقدير ولو لدقائق نجد هذا الأب يكافح ليل نهار ليقدم لكم كل وسائل التكنولوجيا من تليفونات محمولة ووسائل اتصال بالغة التقدم فقط ليؤكد لكم أنه داخل تلك الحقبة وأنه مدرك لأهميتها واحتياجاتكم لها  حينما تتمطعون وتفردون العضلات بقولكم هذا الجيل الذي دمرنا ونحاول إصلاح ما أفسده فلتقدموا لنا شهادة مساندة ومواقف فعليه كنتم ظهيراً لهذه الأسرة ولم تكونوا عبء يوماً عليها بل تعالوا لنتحدث عن الإنسانية ولو قليلا متى كانت المرة الأخيرة التي احتضنتم فيها أبائكم؟ متى توقفتى يا بنيتي وتساءلتي عن بكاء والدتك ليلاً والكل نيام بل متى توقفتى قليلاً وقدمت المساعدة بدون تنمر أو استهزاء؟ أيها الشاب متى جلست مع والدك لتعلم ما نعيشه من تطور مفزع في الحياة يجعلها قاسية بل شديدة القسوة أحيانا ولا تظنوا مجرد الظن أن تلك التساؤلات تختص بها طبقة معينة أو نتحدث عن طبقة عامله كادحة فقط ولكن العلاقة بين الأبناء والأهل تمتد لكل الطبقات ويالسخرية القدر تختلفون في الاحتياجات ولكنكم جميعاً تشتركون في القسوة والجفاء ولا تجدون غضاضة إطلاقا في الحديث عن الاحترام والرأي الآخر وحينما نفتح أفواهنا بالحديث نشعر أننا نازحين إليكم من توابيت المومياءات الفرعونية ! هل خبرة الحياة صارت عبء عليكم لا تتحملونه ؟

دائماً وأبداً نقدم البرامج ونفتح أبواب الحوار من أجل مد جسور التواصل بل والحديث حول صراع الأجيال من منطلق نزول الأجيال السابقة للحالية ولكني لم أجد من يطرق باب احتواء الأبناء للأهل ألا نستحق أن يحتوينا أبنائنا؟ إذا كان واجب على الآباء والأمهات أن يقوموا بكل ما يقتضيه دورهم في الحياة تجاه أبنائهم ألا يوجد ما نتحدث عنه من الأبناء تجاه الأهل بغض النظر عن الرعاية الصحية والتي عفواً سئمت من الحديث عنها وكأنها كل ما يطلبه الأهل من الأبناء بل ما يطلبه كبار السن فإذا كنت أباً أو أماً في الأربيعينيات فلا تجد نفسك فيما تقدمه تلك البرامج أو الحوارات والجلسات الخاصة التي تتحدث عن عقوق الأبناء للأهل في سن الشيخوخة، وهنا أنفي بشده تلك المنطقة في الحديث لست هنا بصدد الحديث عن عقوق أو نكران للواجب الذي قام به الأهل ولكنى هنا أطالبكم بمثل ما تطالبوننا به ليل نهار.

الاستماع والإنصات والاحترام لما تسمعونه وتقدرون كل مشاعرنا بل عليكم أن تتأكدوا أن حضن الأم يحتاج أيضا إلى قلب كبير يضمها ويحتويها ويشعر بكل ألامها وان تشاركونا كل لحظات حياتنا المر فيها قبل الحلو كما تطلبون من الأهل دوما ومرارا وتكرارا التعاطف والشعور والمشاركة .بعد قراءتكم للمقال لا تتسرعوا في الهجوم أو تتحدثوا عن مفاهيم الأنانية لديكم وما تحتاجونه ولكن فلتراقبوا من بعيد تلك الأم العائدة من عملها أو المنتهية من عملها أيضاً في المنزل ولتراقبوا تلك العيون هل تجدون فيها بصيص السعادة هل ترغبون في أن ترونها مبتسمة فقط تقدموا وافتحوا ذراعيكم ولتحتضنوا تلك العيون بكل ما فيها من عبء وهموم تنوء بها الجبال وترقبوا هذا الأب العائد من عمله أو المستيقظ بعد عناء عمل شديد فلتجلسوا معه يدكم بيده وليخبركم ماذا كان يومه وما فيه تبادلوا الأدوار ولو يوما بعد يوم لنشعر أننا بشر مثلكم لنا حقوق إنسانية حتى ولو تناسيتموها قليلا .

نجوان ضبيع

التعليقات