التقيته للمرة الأولى عام 2006 في دبي خلال حفل تسلمي جائزة الصحافة العربية، حيث كان يتولى وقتها منصب مدير عام المجلس الوطني للإعلام الذي أُنشئ في العام نفسه برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، وكان أيضاً مدير عام وكالة أنباء الإمارات التي كُلف بتأسيسها عام 1976، أي عقب إعلان قيام الاتحاد الإماراتي (ديسمبر 1971) والذي يمثل الانطلاقة الحقيقية للإعلام الإماراتي.
هو إبراهيم العابد الإعلامي الإماراتي الذي يعرفه كل من يعمل في الإعلام بمجالاته المختلفة في دولة الإمارات، ورغم ما يمثله من قامة ومكانة إلا أنه يتعامل مع الجميع ليس باعتباره مسؤولاً بل زملاء مهنة واحدة، لذلك قد يتصل بك ليستوضح أمر خبر ما يعلم أنه في مجال اهتماماتك، أو ينبهك لمتابعة قضية يعلم أيضاً أنها تدور في فلك اختصاصاتك كإعلامي، وفي كل الأوقات تجد نفسك خجولاً أمام تواضع هذا الرجل.
أذكر أنني في لقائي الأول معه أبدى إعجابه بحواراتي الصحفية مع أدباء ومفكرين وسياسيين ممن مروا بتجربة الاعتقال السياسي، والتي حصلت عنها على جائزة الصحافة العربية، وأبلغته وقتها أنني أفكر في جمعها بين دفتي كتاب، فاستحسن الفكرة، وقال لي بكل اهتمام لابد أن تُرسل لي نسخة فور طباعته، وقلت لنفسي وقتها من المؤكد أن هذا الاهتمام على سبيل التشجيع فقط من إعلامي كبير في قامة إبراهيم العابد لصحفي شاب.
عُدت إلى مصر وصدر الجزء الأول من كتابي السجين، فقررت الاتصال بالأستاذ إبراهيم لأرسل له نسخة من الكتاب كما وعدته، وقد نبع هذا التصرف من محبة صادقة لهذا الرجل الذي يُشعرك من أول لقاء معه أنك تعرفه منذ سنوات لما يُحيطك به من مشاعر أبوية.
اتصلت به على رقم هاتفه المحمول الذي أعطاني إياه وقتها، وكانت مكالمة قصيرة جداً، حيث قال لي أهلاً محمد اسمح لي أنا في اجتماع، وسأتصل بك لاحقاً، وانتهت المكالمة، ورغم عدم توقعي لذلك إلا أنني بعد أقل من ساعة وجدته يتصل بي: ويبدأ بالسؤال عن مصر وكتاباتي الصحفية، والأهرام، والزملاء، ووجدته يسألني عن كتابي السجين، هل صدر أم لا؟! وأبلغته بصدوره وأنني اتصل به لأرسل له نسخة من الكتاب، وبالفعل أعطاني تفاصيل الإرسال، وأرسلته، وبعد أسابيع وجدته يتصل بي ثانية ليشكرني على الكتاب بعد أن تسلمه، ومن فرط تواضعه لم أعرف ماذا أقول له، وهل يكفي الشكر.
عندما تلتقيه في مناسبة إعلامية تجده طول الوقت بين الصحفيين والإعلاميين يتحسس ما يحتاجونه، وعندما تُناقشه في أمر ما، أو تستشيرة في قضية، تشعر أن كله آذاناً صاغية، وأنه غير مهتم إلا بما تتحدث فيه، رغم مسؤولياته العظام، ورغم ما يحمله جدوله المزدحم من اجتماعات لا يقبل أن يقاطعه أحد مساعديه لتنبيهه بمواعيد أو اجتماعات لاحقة أثناء حوارك معك، مشيراً له أن ينتظر حتى تنتهي من حواراك، هذا هو إبراهيم العابد، الذي لا يتوانى عن مواساة أي زميل ومساندته في حال تعرض لحادث مؤسف، أو تهنئة آخر في مناسبة سعيدة، لدرجة أننا أحياناً نسأل أنفسنا، كم عدد ساعات العمل عند إبراهيم العابد؟!!
لذلك فقد كان تكريم إبراهيم العابد باعتباره أحد رواد الإعلام والصحافة الإماراتية ومنحه جائزة شخصية العام الإعلامية من منتدى الإعلام العربي في دورته الثالثة عشرة عام ٢٠١٤، بمثابة تكريم لأربعين عاماً منحها هذا الرجل لخدمة صاحبة الجلالة، وتكريم لرجل من عُمر الإعلام الإماراتي، وتكريم لرجل يجعل للتكريم خصوصية، وتكريم لرجل أودع الله محبتة في قلوب جميع الإعلاميين لما أضفاه عليهم من أبوة رجل مسؤول.
وإضافة إلى المناصب الرسمية التي ترقى فيها، فله أكثر من اثني عشر كتاباً عن الصراع العربي الإسرائيلي تُرجمت معظمها للغات مختلفة، وحصل على جوائز وتكريمات عالمية منها وسام الاستحقاق الفرنسي في الآداب بدرجة فارس، فضلاً عن مشاركته في لجان إعادة صياغة وتعديل نصوص وأحكام قانون المطبوعات والنشر، وقانون حماية المصنفات الفكرية وحقوق المؤلف في دولة الإمارات.
وقد كتب سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان بعد اختيار إبراهيم العابد شخصية العام الإعلامية، عبر صفحته الخاصة على تويتر: "تشرفت أن أكون طالباً في مدرسة إبراهيم العابد، قامة إماراتية في خدمة الوطن، تم تكريمه من جائزة دبي للصحافة العربية كشخصية العام".
ما سبق كان جزءاً من مقالي المنشور في صحيفة الأهرام المصرية عام ٢٠١٤ بمناسبة تكريمه ومنحه شخصية العام الإعلامية. وقتها اتصل بي بعد أن قرأ المقال وقال لي لقد أبكيتني، والأن
أنا أقول له بعد رحيله الهادئ مثله تماماً: لقد أبكيتنا برحيلك، رحمك الله، وغفر لك، وجعل مثواك الجنة.
التعليقات