العدالة المتوازية لضحايا الجريمة

العدالة المتوازية لضحايا الجريمة

عادل عبدالله حميد

رغم المساعي المبذولة لتعزيز مكانة الضحايا في نظام العدالة الجنائية، مازال الاعتقاد السائد حتى الآن هو أن الخصومة الجنائية ليست حقاً مطلقاً من حقوق الضحايا، أو شأناً من شئونه الخاصة.

ومهما يُقال عن الأضرار التي تصيب المجتمع من جرّاء الجريمة يظل الضحية هو المتضرر المباشر والأكثر خسارة. فهو فوق ذلك كله محور العدالة التي يسعى إليها الجميع، وعلى هذا النحو ظهرت مؤخراً نظرية العدالة المتوازية للضحايا بقصد تحقيق قدر من المساواة. فإذا كان للمتهم أو الجاني نظام للعدالة الجنائية فلماذا لا يكون للمجني عليه أو الضحية نظام للعدالة ينصفه.

العدالة المتوازية هي إطار للتعامل مع الجريمة بأسلوبين منفصلين ومتوازيين من الإجراءات العدلية أحدهما للضحية والثاني للجاني وهي ردة فعل الدولة والمجتمع تجاه الحدث الإجرامي.

فإذا كانت أجهزة العدالة الجنائية تتحرك للتعامل مع مرتكبي الجرائم بالقبض والتحقيق والمحاكمة وإعادة تأهيلهم، فإن أنصار العدالة المتوازية يدعون إلى تحرك أجهزة أخرى مماثلة من الناحية الأخرى للتعامل مع ضحايا تلك الجرائم باتخاذ إجراءات للعناية بالضحايا ومعاونتهم على تجاوز الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي فرضت عليه ظلماً من جرّاء الجريمة التي ارتكبت في حقهم.

وعندما ترتكب جريمة تأتي ردة الفعل الاجتماعي Societal response تجاه الجاني الذي خالف قوانين المجتمع. وتقوم أجهزة العدالة الجنائية بإجراءات معلومة وفق نظم قضائية معلنة ، ويقوم المجتمع بمتابعة الإجراءات القانونية المتخذة ضد مرتكب الجريمة من خلال مختلف وسائل الإعلام ونظم المعلوماتية ، الشيء الذي يكفل لمرتكب الجريمة حقوقه الدستورية.

وفي المقابل يقف الضحية حائرًا ينتظر ويسمع ما يُقال عن مرتكب الجريمة من حقائق وما يُروى عن الجريمة من قصص، منها ما هو حق ومنها ما هو باطل وهو أي الضحية، الأكثر علماً بالحقائق وتفاصيل الجريمة ولا يُسمع له رأي. فلماذا لا تتحرك ردة فعل المجتمع للتعامل مع الضحية وفق نظام عدالة واضح المعالم ، تنظمه القوانين ليكشف الضحية ما لديه من معلومات ويدافع عن نفسه ويجد من نظام العدالة المتوازية الدعم والرعاية التي تكفل له حقوقه في العدل والمساواة.

ويتساءل البعض عن أسباب الدعوة إلى تفعيل نظام للعدالة المتوازية عن نظام العدالة الجنائية ، ونجيب على ذلك بما يلي:

1-    الغالبية العظمى من ضحايا الجريمة لا تدخل نظام العدالة الجنائية بسبب عدم إلقاء القبض على الجاني أو لعدم تقديم القضية أمام القضاء أو لقناعتهم بأن نظام العدالة الجنائية لا يوفر لهم علاجًا لما أصابهم من ضرر.

2-    نظام العدالة الجنائية بحكم تكوينه مهيأ للتعامل مع مرتكبي الجرائم Offender-Oriented ؛ إجراءات التحقيق ، مخافر الشرطة ، قاعات المحكمة ، أقفاص الاتهام والمؤسسات العقابية كلها مكونات لا توفر المساعدة المناسبة للضحية ولا تشبع حاجاته. أما العدالة المتوازية فتحتاج إلى مقومات من شأنها أن تسهم في إعادة ترميم البيئة المحيطة بالضحايا وإعادة تأهيلهم لدخول المجتمع المنتج من جديد. وإن نظام العدالة المتوازية يوفر للضحايا المأوى والعلاج والمال والغذاء والرعاية النفسية وغيرها من المساعدات الفورية.   كيف يعمل نظام العدالة المتوازية:

-    عندما يتم الإبلاغ عن جريمة إلى نظام العدالة الجنائية ، ينبغي إعلام نظام العدالة المتوازية بالبيانات المتعلقة بالضحية. وفي نفس الوقت على أجهزة الشرطة أن تتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة لضمان سلامة الضحية وعدم استمرار عملية التضرر.

-    تقديم الدعم الفوري والتعويض عن الخسائر التي لحقت بالضحية والمساعدة الفعلية.

-    إتاحة الفرصة للضحية ليشرح ما وقع في حقه من جُرم وما ترتب على ذلك من معاناة نفسية واجتماعية واقتصادية ، وبيان ما يحتاج إليه من عون.

-    إن إنشاء نظام عدالة متوازية للضحايا لا يعني إبعاد الضحية عن موقعه في نظام العدالة الجنائية العام. فمثلما يُعنى نظام العدالة المتوازية بشئون الضحايا ، يقوم الضحايا بدورهم تجاه نظام العدالة الجنائية طبقًا لالتزاماتهم وحقوقهم المشروعة.

-    يُعد تعويض الضحايا واتخاذ القرار بشأن تأهيلهم وضمان سلامتهم جزءًا من عملية العدالة المتوازية.

قد يلحظ البعض تشابهًا بين آليات وأهداف نظام العدالة الشافية Restorative justice ونظام العدالة المتوازية Parallel justice، إلا أنهما في الواقع نظامان مختلفان من حيث الوظيفة ونطاق الخدمات التي يقدمها كل منهما.

نظام العدالة التصالحية يحرص على تطبيق القواعد المنظمة لحقوق المتهمين والضحايا بصفة عامة وبآليات محددة قد تقتصر على الأجهزة الحكومية، بينما يُعنى نظام العدالة المتوازية بحقوق الضحايا وتحريك كافة إمكانات المجتمع الحكومية والأهلية لتوفير أسباب العدالة والمعاملة المنصفة للضحايا المضمنة في إعلان الأمم المتحدة للمبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة، وبصفة خاصة:

تسهيل استجابة الإجراءات القضائية والإدارية لاحتياجات الضحايا وتوفير المساعدة وحماية خصوصيات الضحايا وأسرهم.

الكاتب والباحث الإماراتي

عضو اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات

عادل عبدالله حميد

التعليقات