المعلومات الأمنية ومفاهيمها الحديثة

المعلومات الأمنية ومفاهيمها الحديثة

الباحث - عادل عبدالله حميد

نتناول في هذا المقال موضوع المعلومات الأمنية بمفهومها الواسع، الأمر الذي يستوجب تعريف العديد من العبارات والمصطلحات التي تستخدم في هذا السياق دون مراعاة الدقة في مفاهيمها ومعانيها، خاصة في أجهزة الشرطة والأمن.  

يخلط البعض بين المعلومات والإحصاءات والبيانات والحقائق كما يستخدم البعض عبارات المعلومات، المعارف والحقائق كمفردات مما لا ينسجم مع قواعد البحث والدراسات العلمية.  

وتوضيحا لمضامين وعناصر هذا المقال نود تبني تعريفات إجرائية لبعض العبارات والمصطلحات التي تستخدم في هذه الدراسة  استناداً لأحدث المراجع والتطبيقات السائدة في الدول المتقدمة وهي:

البيانات: هي مجموعة عشوائية أو منظمة من الأرقام الإحصائية التي لا توجد علاقة بين مفرداتها، فالبيانات لذلك هي مرحلة أولية للإحصاءات، مثال: أعمار أو أطوال لأفراد لا توجد بينهم علاقة محددة أو تطبيق محدد.

الإحصاءات: هي مجموعه من الأرقام أو البيانات التي تم تصنيفها بناءاً على علاقة أو فكرة موحدة تربط بينهما، مثال ( أوزان لمجموعة من الأفراد من عمر محدد أو أعمار مجموعة من الأفراد وفقا لجنسياتهم).

المعلومات: هي عبارات خبرية أو وصفية أو رقمية أو استنتاجية تدلى بها جهة محددة، وهي تحتمل الخطأ والصواب، مثال ( وصلت البضاعة).  

المعلومات العلمية: هي نصوص خبرية أو وصفية أو رقمية أو استنتاجية معززة بالأدلة والأرقام الموثقه والتجارب المؤكدة لصحتها ويجب أن تتوفر لها شروط الصواب، ولا تصبح المعلومة معلومة علمية ما لم تتجاوز مرحلة التدقيق والتأكيد، مثال :  (الأكسجين يحل مكان ثاني أكسيد الكربون في عملية التنفس) .  

الحقيقة : هي المعلومات التي تم تأكيد صحتها بطرق عملية أو بشواهد ماثلة أمام الناظرين.  

المعرفة:  هي المعلومات التي تم تأكيدها وجني ثمارها عبر فترة زمنية طويلة.    

الإحصاءات الجنائية: هي مجموعة من الأرقام أو البيانات عن الأشخاص والأشياء والأماكن التي تم تصنيفها بناءاً على علاقة أو فكرة موحدة تربط بينهما في نطاق الجريمة والمجرمين والأشياء المتعلقة بالجريمة وضحايا الجريمة المسجلة لدى أجهزة العدالة الجنائية أو تم جمعها بالمسوح الميدانية.   

المعلومات الأمنية: هي المعلومات العلمية ، الحقائق ،المعارف  والإحصاءات المتعلقة بالأمن بمفهومه الشامل بما في ذلك الأمن الاجتماعي ، الاقتصادي ، السياسي، الغذائي، الصحي ، البيئي ، الثقافي والفكري.  

البيانات الكبيرة: هي مجموعة من حزم البيانات الضخمة، المعقدة، المتنوعة ،المتكاثرة، عالية القيمة ومنتشرة على نطاق واسع في بيئة تقنية المعلومات والإتصالات.  

معلومات نظام العدالة الجنائية: هي المعلومات العلمية ، الحقائق ،المعارف  والإحصاءات المتعلقة بالجريمة وعمليات أجهزة نظام العدالة الجنائية. ويتكون نظام العدالة الجنائية من:

1-    الشــرطة.

2-    النيابة العامة.

3-    المحاكم الجنائية.

4-    المؤسسات العقابية والإصلاحية.

5-    نظام عدالة الأحداث.

ويضم نظام العدالة الجنائية في بعض الدول أجهزة أخرى مثل العمال الاجتماعيين Social Workers ، المحامين ، ضحايا الجريمة ، والمنظمات الطوعية الأهلية.

نخلص مما تقدم إلى القول بان المعلومات الأمنية هي: الإخبار والحقائق والبيانات الرقمية  ذات العلاقة بالجريمة والمجرمين والضحايا والأماكن والأشياء المتعلقة بالجريمة التي تمت معالجتها وترتيبها وتنظيمها وتحليلها والحصول على نتائج محددة يمكن استخدامها في اتخاذ القرار ورسم السياسات وترشيد الاتجاهات.

وتعتبر المعلومات بصفة عامة أداة هامه وفعالة في التأثر على سلوك الإفراد والجماعات.

تختلف المعلومات عن البيانات، فالبيانات هي مجموعة من النصوص والحقائق أو المعطيات التي تأخذ شكل النص أو صورة أو رقم أو حرف أو رمز وتصف فكرة أو موضوعا أو حدثا أو هدفا معينا ويتم تحويلها كمواد خام لغرض استخراج المعلومات منها۔  إذاً، البيانات هي المواد الخام التي تستخرج منها المعلومات بالدراسة والتحليل والتفسير والاستنتاج  وتعرف العلاقة بين المعلومات والبيانات بالدورة الراجعة للمعلومات Information Feedback cycle.

وعليه تفي المعلومات الأمنية جميع المعلومات الخبرية والوصفية والبيانات الرقمية والاجتماعية والاقتصادية والفنية ذات العلاقة بمشكلة الجريمة والأمن والنظام العام، بما في ذلك معلومات نظام العدالة  المجتمعية Community Justice والعدالة الجنائية  Criminal Justice والعدالة التصالحية Restorative justice  اللاحقة للحدث الإجرامي أو المتغير الأمني.

تعريف عبارة المعلومات الأمنية

كلمة المعلومات، من حيث مدلولها اللغوي من (علم)۔  وعلم فلان الشئ علماً،  أي عرفه وإدراكه وفي القران الكريم " لا تعلمونهم الله يعلمهم" ويقال فلان اعلم فلان أي اخبره كما يقال تعلم الأمر، أي عرفه وأتقنه، واستعلم الشئ أي استخبره، هي كلمة غنية بالكثير من المعاني والإحاطة بمواطن الأمور.  

ارتبطت المعلومات بالإنسان منذ نشأته الأولى، إذ علم المولى عزَّ وجلَّ آدم الأسماء كلها، كما علم الإنسان ما لم يعلم. فالقرآن الكريم مدرسة للعلم ومخزن لمعلومات الدنيا والآخرة ويحمل معلومات وإخبار عن الماضي والحاضر والمستقبل، منها ما أدركها الإنسان ووقف عليها ومنها ما خفي على الإنسان حتى يشاء الله.  

لكلمة علم ومشتقاتها مكانة بارزه في القران الكريم، لأهمية الكلمة في حياة الإنسان وسلوكه ومعاملاته وعباداته. 

لم تقتصر آيات القران الكريم على دعوة الناس إلى العلم والتعلم وتزويده بأفضل المعلومات والمعارف التي تنفع الإنسان في الدنيا والآخرة فحسب، بل أوضحت للإنسان مصادر العلم والمعرفة والمعلومات وطرق الحصول عليها وأساليب التعامل معها وأبانت له القيم الحاكمة للتعامل مع المعلومات ومراعاة الخصوصية.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) الحجرات ﴾  ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) النحل  ﴾ ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا (12) الحجرات ﴾ 

تعد عبارة المعلومات الأمنية من العبارات المألوفة في القاموس العربي للشرطة والأمن، وهي من أقدم العبارات الشرطية وأكثرها شيوعاً واستخداماً في عمليات الشرطة والأمن اليومية۔  وينظر البعض إلى المعلومات الأمنية كمحور للغة الشرطة والأمن ومرتكزاً لعملياتها. 

ورغم تلك الأهمية البالغة لعبارة المعلومات الأمنية، لم تبذل محاولات علمية لفهم هذه العبارة لغة واصطلاحا، خاصة ولم تكن هنالك معضلة في التعامل معها  على المستوى العربي الضيق، حيث ظلت العبارة واضحة ومفهومة وسط رجال الشرطة والأمن والقضاء وعامة الناس.  

إلا أننا الآن في ظل عولمة الجريمة والأمن وعمليات وبرامج مكافحة الجريمة والعدالة الجنائية التي بدأت تأخذ الطابع الدولي، نجد أنفسنا أمام مفاهيم وعبارات ومترادفات تثير الجدال ويختلف البعض حول تفسيرها في القوانين وعلوم الشرطة والأمن.

فإذا حاولنا ترجمة عبارة المعلومات الأمنية إلى اللغة الانجليزية لإغراض التعاون الدولي، نجد أنفسنا في حاجة ماسة إلى مراجعة تعريف هذه العبارة وبيان مفهومها بدقة بهدف توحيد خطابنا في التعامل مع المجتمع الدولي في هذا الشأن.

ولعل من المناسب هنا مناقشة تعريف عبارة المعلومات في اللغة العربية وما يقابلها من عبارات في اللغة الانجليزية، توطئة لدراسة مسألة المعلومات الأمنية بنهج علمي سليم.

يتطلب تعريف عبارة المعلومات الأمنية تعريفا لغويا لكلمتي  المعلومات والأمنية.

اختلط مصطلح المعلومات بمفاهيم أخرى كالبيانات، الإحصاءات، المعارف، الاستخبارات والحقائق۔  ولا يعني هذا الخلط في المفاهيم عدم وجود علاقة بينها وبين مصطلح المعلومات، بل هنالك علاقة وثيقة بين كافة هذه المصطلحات والمفاهيم.

المعلومات جمع لكلمة معلومة ومصدرها "علم" وهي كلمة واسعة المعاني كالعلم، والمعرفة، الإدراك، التعلم وغيرها من المعاني المتصلة بعقل الإنسان ويقصد بالمعلومات اصطلاحا البيانات والإحصاءات التي تم تحليلها ومعالجتها وصولا إلى أهداف وقيم يمكن الاعتماد عليها في اتخاذ القرارات.

ويُعرف البعض المعلومات بأنها جملة البيانات والدلالات والمضامين التي تتصل بالشيء أو الشخص أو الموضوع وتساعد المهتمين بها على التعرف والعلم به.  

ويعرف البعض الآخر المعلومات بأنها الحقائق القابلة للتعليم والتي ينتمي إليها البحث العلمي والتنقيب والتجارب المبنية على المنهج العلمي. 

وعليه فان المفهوم الاصطلاحي للمعلومات في عصرنا هذا الذي يعرف بعصر المعلومات، يصفها البعض بأنها سلعة رئيسية وعالية القيمة ويتم إنتاجها وتعبئتها في أوعية متنوعة والاستفادة منها في كافة مجالات الحياة۔  ويتم الحصول على المعلومات عادة، بالخبرة والملاحظة والدراسة والبحث العلمي وغيرها من الوسائل التي توفرت وتضاعفت في هذا العصر.

توصف المعلومات، في هذا السياق بصفة الأمنية لكونها معلومات ذات علاقة بالأمن۔ وللأمن مفهوم مستقر وراسخ في الأذهان والوجدان. 

يشكل الأمن العمود الفقري للحياة وبقاء الإنسان وغيره من الكائنات الحية.  

ويعتبر محور السعادة والراحة النفسية والطمأنينة. لقد ظل الإنسان منذ أقدم العصور يضع الأمن نصب عينيه، يبحث عنه بشتى الوسائل، يهتدي به وينقاد لموجهاته،  يتأثر به ويؤثر عليه دفاعا عن النفس وتأميناً للبقاء.  عرف الإنسان الأمن كوسيلة وغاية في كل مكان وعلى مر العصور والأزمان، وسوف يظل أمله ومبتغاه إلى الأبد.

لكلمة الأمن في اللغة العربية معان متعددة، فهي تعني سكون القلب وراحة النفس والشعور بالرضا والاستقرار وعدم الخوف، كما تعني الأمانة والصدق. اختلف الكتاب المعاصرون حول مفهوم الأمن وإبعاده ومقوماته وأساليب تحقيقه۔  وقد تعددت المسميات المستخدمة في هذا الميدان مثل الأمن القومي أو الأمن الوطني ( (National Security، الأمن العام  ,(Public Security)الأمن الجماعي, (Collective Security )  الأمن المشترك  (Common Security) ، الأمن الإقليمي (Regional Security )  ، التي تستخدما الدول والمنظمات الدولية. وهنالك مسميات اقرب إلى الإفراد والجماعات، تؤثر على سلامة الإنسان وممتلكاته مثل الأمن الجنائي، الأمن السياسي، الأمن الصناعي، الأمن الغذائي، الأمن الثقافي، والأمن البيئي، إن الأمن إذا كان لا ينفصل عن الزمان فانه لا ينفصل أيضا عن المكان.

إن اتساع مفهوم عبارة المعلومات، علاوة إلى اتساع مفهوم الأمن يجعل نطاق المعلومات الأمنية ومصادرها ومداها الأفقي والراسي غير محدودة فإذا أخذنا المعلومات الأمنية بصفتها الجنائية والشرطية نجدها تمتد إلى حقول بحجم المهام والأعباء الشرطية. فالشرطة في معظم الدول تأخذ بالمفهوم الواسع للشرطة كرمز لهيبة الدولة والقانون وممثلة للسلطة الرسمية وخادمة للمجتمع بحكم انتشارها الواسع في جميع أنحاء الدولة. 

تقع الشرطة بمختلف قطاعاتها في دولة الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة وزارة الداخلية وتضطلع بالمهام والواجبات التالية:

▪︎الوقاية من الجريمة 

▪︎ مكافحة الجريمة والتصدي لما يقع منها بالاكتشاف والتحقيق وجمع الاستدلالات .

▪︎حفظ الأمن والنظام العام

▪︎ تنظيم حركة المرور والسير

▪︎أعمال ترخيص المركبات والسائقين

▪︎ إصدار رخص الأسلحة النارية والمواد المتفجرة

▪︎ أعمال الدفاع المدني والحماية المدنية والإنقاذ البري والبحري

▪︎ إدارة أعمال الجنسية وجوازات سفر المواطنين.

▪︎     تنظيم دخول وإقامة الأجانب

▪︎    متابعة مخالفي قوانين دخول وإقامة الأجانب

▪︎    إدارة المؤسسات العقابية والإصلاحية 

▪︎    التعامل مع الأحداث الجانحين وحماية الطفل

▪︎    حماية كبار السن

▪︎    الدعم الإجتماعي

▪︎    مكافحة المخدرات

▪︎    رعاية وتأهيل ذوي الإحتياجات الخاصة

▪︎    تنظيم التجمعات والاحتفالات العامة

▪︎    إدارة جوازات المنافذ الجوية والبرية والبحرية

▪︎    حفظ السجلات المدنية والأحوال الشخصية للمواطنين

▪︎    حفظ السجلات الجنائية 

▪︎    حماية البيئة 

▪︎    تامين الاقتصاد الوطني وبنياته التحتية

▪︎    حماية الشخصيات الهامة

▪︎    حماية المنشآت الحيوية

▪︎    التعاون مع منظمات الشرطة الدولية والإقليمية

▪︎    نشر الوعي الأمني وتطوير مشاركة المجتمع في العمل الشرطي والأمني

▪︎    إجراء البحوث والدراسات ذات العلاقة بأعمالها

إن القيام بهذا القدر من المهام والمسؤوليات يكشف لنا مدى اتساع نطاق المعلومات الأمنية التي تهم وزارة الداخلية وتنوع عملياتها. أما إذا أخذنا الأمن بمفهومه الشامل فان المهام الأمنية تمتد إلى كافة مؤسسات المجتمع المدني، مما يجعل نطاق المعلومات الأمنية يغطى كافة عناصر ومقومات الدولة والمجتمع . غير إن العمل في جمع المعلومات وتحليلها واستخدامها يكون أكثر يسرا  وفائدة متى تم الأخذ بالمفهوم الشامل للأمن والمفهوم  السليم لقيمة المعلومات وصفتها الأمنية في مفصل من مفاصل الدولة والمجتمع.  ويتطلب النجاح في العمل بالمفهوم الشامل للمعلومات الأمنية، تأسيس نظم سليمة للمعلومات التخصصية في  كل دائرة من الدوائر الحكومية وفي كل مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني والسلطات المحلية، مع توفير ضمانات انسيابها عبر قنوات معتمدة للمعلومات.  قد تكون هنالك معلومات متوفرة في وزارة الصحة أو وزارة التربية والتعليم  لخدمة غاياتها المهنية ولا ينظر إليها في تلك الوزارات كمعلومة أمنية.  إلا أن انسياب تلك المعلومات إلى قنوات المعلومات الأمنية الوطنية وقراءتها مع معلومات أخرى تشكل معلومة أمنية جديدة وثمينة.

الكاتب والباحث الإماراتي

عضو اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات

عادل عبدالله حميد

التعليقات