أردوغان واللعب مع تونس

أردوغان واللعب مع تونس

د.سميه عسله

في نهاية الشهر الماضي، شهدت الدولة التونسية ارتباكًا، بالتزامن مع الزيارة المفاجئة التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لها، دون تخطيط مسبق؛ بعدها توجه رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة المدعومة من جماعة الإخوان المسلمين، راشد الغنوشي، إلى تركيا لزيارة أردوغان بالشكل نفسه، دون إعلان مسبق، مما تسبب في موجة غضب كبير في الشارع التونسي وبرلمانه.

حالة الغضب داخل البرلمان تصاعدت حتى وصلت إلى تصويت 122 برلمانيًا، في جلسة انعقدت أمس الأربعاء، على التحقيق في أبعاد هذه الزيارة بشكل عاجل؛ بينما وصل الأمر إلى مطالبة بعض النواب باستقالة الغنوشي من منصبه رئيسًا للبرلمان.

بعد ثلاثة أشهر قضتها تونس بدون حكومة، كُلف حبيب جملي، المدعوم من حركة النهضة، بتشكيل حكومة جديدة يوم الجمعة الماضية، إلا أنه فوجئ بعدم منحه الثقة من البرلمان، اللافت أن زيارة الغنوشي لتركيا ولقائه بأردوغان، جاءت في اليوم التالي لرفض البرلمان منح الثقة لحبيب جملي.

أما الحزب الدستوري الحر، فقد وصف زيارة الغنوشي، لتركيا بأنها "خيانة للوطن"، وأوضحت رئيسة الحزب عبير موسى، خلال المؤتمر الصحفي الذي نظمته، أن الغنوشي عقد اجتماعًا مغلقًا مع أردوغان، مؤكدةً على أن الأمر لا يمكن الموافقة عليه أو قبوله.

وأوضحت عبير موسى، أن "الغنوشي" التقى بأردوغان عقب اجتماع مجلس الأمن القومي التونسي مباشرة، وقالت: "لقد التقى الغنوشي بأردوغان في اجتماع مغلق، عقب اجتماع مجلس الأمن القومي التونسي، واطلاعه على الخطة العسكرية والأمنية لتونس".

على الجانب الآخر، دافعت حركة النهضة عن الغنوشي، موضحة أن الزيارة كانت مخططة مسبقًا، وأن زيارة الغنوشي لتركيا  كانت بصفته زعيمًا لحركة النهضة، وليس بصفته البرلمانية.

أما النائب عن كتلة قلب تونس في البرلمان، زهير مخلوف، فقد أكد أن زيارة الغنوشي لتركيا خاطئة، مشيرًا إلى أن زيارة الغنوشي لتركيا في ذلك التوقيت، خاصة عقب زيارة فايز السراج لتركيا أيضًا، أثارت العديد من الشكوك.

وأوضح نائب كتلة التيار الديمقراطي في البرلمان، منجي الرحوي أيضًا أن الزيارة تخللها اجتماعات تتعلق بجبهة تركيا وقطر، وأن الاجتماعات ناقشت الأزمة الليبية، بحضور عدد من الأسماء التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المشهورين إقليميًا.

وقال الرحوي: "أردوغان زعيمكم أنتم، وأنتم تسيرون على خطاه. هدفكم هو الفوضى والإرهاب، ونقل الدواعش إلى ليبيا".

أما الغنوشي فقد دافع عن نفسه، خلال جلسة البرلمان المنعقدة، أمس الأربعاء، موضحًا أنه أراد أن يهنئ أردوغان على "السيارة التركية الجديدة".

أردوغان الذي استمرت زيارته المفاجئة لتونس، في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لبضعة ساعات فقط، التقى بالرئيس التونسي قيس سعيد، وزعم بعدها أن الدولة التونسية تدعم فايز السراج المدعوم من تركيا أيضًا، إلا أن هذه التصريحات تسببت في موجة كبيرة من الغضب في الشارع التونسي، مما دفع الرئيس التونسي قيس سعيد لتكذيب أردوغان وتأكيده أن بلاده محايدة لا تدعم أي طرف من الأطراف في ليبيا.

في 2 يناير/ كانون الثاني الجاري، حصل أردوغان على تفويض من البرلمان، لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا من أجل محاولة إبقاء حكومة السراج على قيد الحياة؛ أما بالنسبة لتونس فتحمل أهمية كبيرة للغاية لأردوغان، نظرًا لموقعها المجاور للمنطقة التي تسيطر عليها قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية التي يترأسها السراج.

وفي حالة وقوف تونس، التي توصف بأنها متنفس حكومة الوفاق في طرابلس، إلى جانب تركيا، فإن التحليلات تشير إلى أنها ستتحول إلى قاعدة لاستقبال القوات العسكرية والسلاح والمهمات التي سترسلها تركيا إلى ليبيا.

على ما يبدو أن ورقة تونس تحمل أهمية كبيرة بالنسبة لأردوغان، إذ حاول جاهدًا من أجل دعوة تونس لحضور القمة الخاصة بالأزمة الليبية التي من المخطط أن تعقد في العاصمة الألمانية برلين في 19 يناير/ كانون الثاني الجاري؛ إلا أنه فشل في إقناع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بصفتها المنظمة والمستضيفة للقمة.

أما عن الوضع الداخلي في تونس، فحركة النهضة تسيطر على 53 مقعدًا داخل البرلمان المكون من 217 مقعدًا، لتكون بذلك أكبر تكتل داخل البرلمان.

الشارع التونسي أيضًا ليس ببعيد عما يدور حوله؛ إذ يدعو الشعب التونسي الذي يحتفل بالذكرى السنوية للربيع العربي الذي ألقى بظلاله على جميع الدول العربية تقريبًا منذ نهاية عام 2010، إلى عدم التفريط في ثورة الياسمين من خلال التقارب مع تركيا.

راشد الغنوشي، المعروف بزياراته المستمرة والمتكررة لتركيا وتلقيه هدايا منها، والذي بات يواجه انتقادات لاذعة داخل البرلمان وموجة غضب عارمة في الشارع التونسي، يحتفظ لنفسه بلقب القائد الوحيد من جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي الذي تمكن من البقاء في السلطة، من خلال سياساته المعتدلة التي يتبعها حتى الآن؛ إلا أن الأنظار الآن تتوجه نحو علاقته بالرئيس التركي أردوغان، والتي قد تشكل تهديدًا كبيرًا على مستقبل حركة النهضة.

التعليقات