أصبح الاقتصاد الإبداعي جزءا في غاية الاهمية من الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة حيث أدركت دول العالم أهمية الصناعات القائمة على المعرفة ومنها الصناعات الإبداعية التي باتت عنصرا هاما في اقتصادات كثير من هذه الدول من خلال مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي وتوفير فرص العمل.
وفي هذا الإطار تبذل دول الدول العربية جهودًا حثيثة لتعزيز الصناعات الإبداعية بها باعتبارها محركا للنمو الاقتصادي وأحد العوامل الرئيسية لتعزيز مكانتها الثقافية على المستويين الإقليمي والعالمي. ولدى دول الخليج كافة الإمكانات لتكون رائدة في هذا النمط الإبداعي من الاقتصاد على مستوى العالم خاصة في ظل تشجيعها للابتكار والإبداع وزيادة الرغبة لديها في التنويع الاقتصادي
بدأ الترويج لمفهوم الاقتصاد الإبداعي لأول مرة من قِبل الكاتب البريطاني "جون هوكنز" في عام 2001، وأطلقه على 15 نشاطًا تشمل مجالات متنوعة تبدأ بالفنون وتمتد لتشمل مجالات العلم والتكنولوجيا وقدر حينها "هوكنز" حجم معاملات هذا الاقتصاد في مختلف أنحاء العالم بما يعادل 2.2 تريليون دولار.
وفي محاولة أكثر جدية لتأطير مفهوم الاقتصاد الإبداعي أشار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في تقريره الأول الصادر عام 2008 حول تقييم الاقتصاد الإبداعي على مستوى العالم إلى أن الاقتصاد الإبداعي هو ذلك النمط من النشاط الاقتصادي الذي يقوم على استغلال الأصول الإبداعية التي يمكن أن تولد النمو الاقتصادي وتقود إلى التنمية الاقتصادية
كما عرف (الأونكتاد) الصناعات الإبداعية بأنها تلك السلع والخدمات التي تستخدم الإبداع ورأس المال الفكري كمدخلات أولية، والتي تشمل 4 مجموعات، هي: التراث، والفنون، ووسائل الإعلام، والإبداعات الوظيفية، على النحو التالي:
1- التراث: صنفه (الأونكتاد) إلى مجموعتين فرعيتين: أولاهما أشكال التعبير الثقافي التقليدي وتضم (الفنون، والحرف اليدوية، والمهرجانات، والاحتفالات) وثانيهما المواقع الثقافية وتضم (المواقع الأثرية، والمتاحف، والمكتبات، والمعارض).
2- الفنون: وتشمل مجموعة الصناعات الإبداعية القائمة على الفن والثقافة وهذه المجموعة تنقسم إلى الفنون البصرية وتضم (الرسم، والنحت، والتصوير الفوتوغرافي، والتحف) والفنون المسرحية وتشمل (الموسيقى، والمسرح، والأوبرا، والسيرك).
3- وسائل الإعلام: تغطي مجموعتين فرعيتين من وسائل الإعلام التي تنتج المحتوى الإبداعي بهدف التواصل مع جمهور كبير. والمجموعة الأولى هي النشر والوسائط المطبوعة، وتضم (الكتب، والصحافة، وغيرها من المطبوعات). أما الثانية وهي الوسائل السمعية والبصرية فتشمل (الأفلام، والتلفزيون، والإذاعة).
4- الإبداعات الوظيفية: تضم الصناعات الموجهة نحو خلق السلع والخدمات، والتي تحددها أذواق المستهلكين وديناميكية الأسواق العالمية. وهذه المجموعة تنقسم إلى 3 مجموعات فرعية أخرى: الأولى هي التصميم وتضم (الرسم، والأزياء، والمجوهرات، ولعب الأطفال) والثانية وسائل الإعلام الجديدة وتشمل (البرمجيات، وألعاب الفيديو، والمحتوى الإبداعي الرقمي) والمجموعة الفرعية الثالثة هي الخدمات الإبداعية وتضم (الخدمات المعمارية، والإعلان، والخدمات الثقافية والترفيهية، وفي بعض الأحيان الأبحاث الإبداعية)
ولذلك تعد الصناعات الإبداعية محركًا للنمو الاقتصادي العالمي وكذلك لخلق فرص العمل وبحسب منظمة اليونسكو فقد وفرت مختلف أنشطة الصناعات الإبداعية عوائد بنحو 2.250 تريليون دولار في عام 2013، أي ما يعادل 3% من الناتج الإجمالي العالمي كما خلقت فرصا وظيفية في العام نفسه بنحو 29.5 مليون وظيفة
وحقيقة لا يمكن وضع تعريف محدد للاقتصاد الإبداعي ولكن ببساطة هو يعبر عن مدى القدرة على تحويل الهواية أو الإبداع الشخصي إلى تدفق نقدي أو استخدام الحلول غير التقليدية والإبداعية في حل المشكلات الاقتصادية وتعد بريطانيا دولة رائدة في تطوير هذا النوع من الاقتصاديات لدوره الاقتصادي فضلا عن دوره في تعزيز الاندماج الاجتماعي والتنوع والتنمية إذ تسهم الصناعات الإبداعية في المملكة المتحدة بما يزيد على 84 مليار جنيه استرليني وتوظف ثلاثة ملايين شخص (9 ٪ من اجمالي العاملين) وساهمت بما يقرب من 20 مليار جنيه استرليني من الخدمات المصدرة في
عام 2014
وفى مصر هناك عملت الحكومة المصرية على التعاون مع المملكة المتحدة حيث أطلق المجلس الثقافي البريطاني برنامجه الخاص بالاقتصاد الإبداعي في مصر خلال عام 2016 لتطوير التعاون في مجال الصناعات الإبداعية والتي تستمر لمدة ثلاث سنوات مع الحكومة المصرية ومنظمات الصناعة والشركات لدعم ريادة الأعمال وزيادة فرص العمل وزيادة الطلب على المنتجات الإبداعية المصرية.
د. مصطفى ابوزيد،
مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية.
التعليقات