تعتبر مصر من الدول الأكثر إنتاجًا لقصب السكر، الذي يعد من نباتات المناطق الحارة، فضلا عن كونه زراعة غير كثيفة العمالة لذا يعتبر المحصول المثالي لصعيد مصر وملائم للتغيرات الاجتماعية التي حدثت هناك والمتمثلة في هجرة العمالة الزراعية إلى المدن والخارج. ولا تقتصر أهمية هذا المحصول على تحقيق الاكتفاء الذاتي من سلعة السكر الاستراتيجية وإنما يعتبر مصدرا للعديد من الصناعات التحويلية، لذا فإن أي نقص في زراعته او توريده يؤثر بشكل كبير وليس فقط على مزارعيه وإنما أيضا حياة المصريين بشكل عام.
تناولنا في المقال السابق جوانب من أبعاد مشكلة نقص توريد قصب السكر وتأثيره السلبي على توفير سلعة السكر الاستراتيجية بخاصة وأن لدينا فجوة بين حجم الإنتاج المحلي منها وحجم الاستهلاك تبغ نحو مليون طن سكر ونستكمل اليوم مناقشة الأسباب وكيفية المعالجة.
كنا قد أشرنا إلى التحديات التي تواجه زراعة هذا المحصول المهم، وتبين أن أبرز أسباب إحجام المزارعين عن توريد المحصول إلى مصانع السكر، تكمن في انخفاض العائد بسب قلة سعر توريد القصب للمصانع، حيث تبلغ إجمالي تكاليف إنتاج قصب السكر أكثر من 45 الف جنيه للفدان وقد ترتفع في حالة الري باستخدام مكينات رفع المياه إلى 62 الف جنيه، في حين يتراوح عائد الفدان بين 60 الف و70 الف على أعلى تقدير. ويبلغ سعر توريد طن القصب لمصانع السكر نحو 2500 جنيه، بينما يتم بيعه لمحال عصير القصب ومصانع العسل الأسود بسعر 4000 جنيه للطن، مما دفع العديد من المزارعين إلى توريده الى تلك المحال والمصانع بدلا من توريده لمصانع السكر. لذا يطالب مزارعو القصب، بزيادة سعر توريد الطن لمصانع السكر لتغطية تكاليف الإنتاج وتحقيق مكسب معقول، ومن ناحية أخرى يتوقعون من الحكومة الاستثمار في تطوير زراعة القصب من خلال استخدام تقنيات تقلل من أي هدر مائي، وتوفير الميكنة اللازمة، وزيادة الرقعة المنزرعة بالقصب ودعم المزارعين.
والحقيقة ان الدولة قد قامت بجهود مهمة في مجال تطوير زراعة هذا المحصول، فقد تم انشاء محطتين لإنتاج شتلات القصب، الأولى فى وادى الصعايدة بإدفو والثانية بكوم أمبو حيث يتم في المحطتين استخدام تكنولوجيا جديدة لزيادة الإنتاجية الفدان وترشيد المياه المستخدمة في الري، بهدف تشجيع المزارعين على زراعة القصب بنظام الشتلات. حيث يؤدي هذا النظام الجديد الى رفع الإنتاجية الرأسية لمحصول القصب وتخفض تكاليف الإنتاج وتقليل التقاوى المستخدمة وضمان جودتها وخلوها من الآفات والأمراض، مع إمكانية استخدام النظم الحديثة فى الرى والميكنة فى الزراعة والخدمة والحصاد وتقليل الفاقد. مما مما يوفر الجهد والمال يحقق مردودا اقتصاديا إيجابيا للمزارعين.
كما تحرص الدولة دعم المزارعين في تكاليف الإنتاج، حيث يقدم البنك الزراعي المصري سلفة زراعية لمحصول لقصب السكر بفائدة مخفضة(5%) قيمتها 43 ألف جنيه مصري للفدان بشرط التزام المزارعين بتوريد محصولهم إلي مصانع السكر، كما يقدم سلفة أخرى لمزارعين (غير المتعاقدين) بمبلغ 21 ألف جنيه للفدان، والتي لا تلزم المزارعين بالتوريد لأي جهة، ويسددها المزارع بعد حصاد المحصول وبيعه ليتمكن من الحصول علي سلفة زراعية أخري.
ولكن لا تزال هناك وسائل أخرى لدعم وتطوير زراعة هذا المحصول المهم، يقترحها المزارعون وبعض الخبراء ومنهم د. أيمن العش، مدير معهد المحاصيل السكرية، من أبرزها: إجراء المزيد من البحوث لتطوير أصناف قصب جديدة عالية الإنتاجية ومقاومة للآفات والأمراض، بخاصة وأن الصنف المزروع حاليا (س9 ) يعتبر قديم نسبيا وأصبح أقل مقاومة للآفات. واستخدام طرق حديثة للري. والتوسع في مشروعات الصرف الزراعي لمواجهة مشاكل الري التي تجابه زراعة القصب. وتحسين إدارة الأراضي والتربة، بما في ذلك إضافة الأسمدة العضوية وتحسين الخصائص الفيزيائية والكيميائية للتربة، وتدريب المزارعين على آليات وممارسات الزراعة الجيدة، واستخدام أساليب زراعية وميكانيكية حديثة بخاصة في حصاد القصب، وتطبيق نظم إدارة الجودة والسلامة الغذائية، وإطلاق برامج المكافحة المتكاملة للآفات والأمراض، باستخدام مبيدات آمنة بيئيًا، وتشجيع الاستثمارات في مجال زراعة القصب وتصنيعه، من خلال توفير الحوافز والتسهيلات اللازمة للمستثمرين
التعليقات