«صلاح الدين» ووحدة الصف الفلسطينى

«صلاح الدين» ووحدة الصف الفلسطينى

د. محمد يونس

سيرة ومسيرة صلاح الدين الأيوبى الذى مرت ذكرى رحيله الاثنين قبل الماضى، حافلة بالعبر والدروس التى جعلت منه أكبر من مجرد قائد مميز فى التاريخ وأكثر من مجرد محور حدودى فى الجغرافيا، فقد جسد حالة من الرقى الإنسانى أجبرت المؤرخين الغربيين على تقديره خاصة حينما قارنوا بين حالة التسامح التى سادت مدينة القدس عندما فتحها صلاح الدين حيث لم يقتل أى شخص، فى مقابل المجازر الجماعية ونهب الممتلكات التى ارتكبها الصليبيون عندما اقتحموا المدينة ذاتها والتى تشابه ما تفعله إسرائيل فى غزة اليوم.

ونستكمل اليوم حديثنا عن سيرته العطرة فى محاولة لاستخلاص ما تحتويه من دروس، وأولها أن القدس بجانب كونها مدينة عربية محتلة فإنها مدينة إسلامية مقدسة (تضم أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومكانتها الدينية كانت دافعا لتحريرها من الاحتلال الصليبى الذى كان النسخة الأولى من الاحتلال الصهيونى لفلسطين، حيث جمعتهما مزاعم دينية مزيفة، فالقائد الذى حررها (صلاح الدين) ليس عربيا وإنما كردى، وجيشه ضم قوات من عدة بلدان الإسلامية، لذا وجب تأكيد مكانتها الدينية فى نفوس المسلمين خاصة ان الواقع يقول إن احتلال فلسطين والقدس يتم بمزاعم دينية تتلبس بدوافع صهيونية يجرى الترويج لها بالعالم كله، بينما نغفل نحن الربط العقيدى الحقيقى بين القدس وبقية مقدسات المسلمين، والذى يجسدها قوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِى أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بارَكْنا حَوْلَهُ..) -الإسراء: 1-

ثانيا: رغم حالة الضعف والتشرذم فى ربوع الأمة خلال الحروب الصليبية، فقد حرص الشعراء والكتاب (إعلاميو ذلك العصر) على بقاء قضية احتلال القدس حية فى وجدان الشعوب الإسلامية لدى جيل صلاح الدين والجيل الذى سبقه، وقد كان ذلك دافعا لتحريرها، فمثلا حين احتل الصليبيونَ القدس، رثاها الشاعر الفاضل شهاب الدين أبو يوسف، قائلا: «لتبكِ على القدس البلادُ بأسرهـا وتُعْلن بالأحــــزان والترحـاتِ... لتبكِ عليهـــا مكةٌ, فَـهْيَ أُخْتُهَـا وتشكُ الذى لاقتْ إلى عرفاتِ... لتبـكِ على ما حَلَّ بالقدس طَيْـبَةٌ وتشرَحه فى أكرمِ الحُجُــراتِ». وفى كل مرة كان يحرر فيها صلاح الدين بلدا إسلاميا من الاحتلال الصليبى، كان الشعراء يذكرونه بالقدس ويحثونه على تحريرها، لذا علينا العمل على بقاء القضية حية فى وجدان الشعوب ريثما تتحقق شروط النصر.

ثالثا: ان النصر لا يعتمد على القوة العسكرية فقط وإنما يرتبط بالقوة الفكرية والعلمية، فقبل ان يحقق صلاح الدين نصره العسكرى على الصليبيين، حقق نصرا وإنجازا فكريا لا يقل أهمية، من خلال اهتمامه بنشر المعارف والعلوم باعتبارها جزءاً أصيلاً من نهضة الأمة، حيث أعاد مذهب أهل السنة والجماعة إلى الواجهة بمصر، فقد أسس صلاح الدين مدرستين مهمتين:(الناصرية والكاملية) لتعزيز مذهب أهل السنة ونشره. وأمر بتحويل الجامع الأزهر إلى منارة لنشر المذهب السنى والفكر الإسلامى الوسطى بجميع أنحاء العالم الإسلامى.

رابعا: إن لمحور صلاح الدين (شريط حدودى طوله 14 كيلومترا، يفصل بين الأراضى الفلسطينية بقطاع غزة وسيناء المصرية) أهمية تاريخية لا تقل عن أهميته الجغرافية، وسمى بهذا الاسم لأن صلاح الدين مر بهذه المنطقة التى شملت غزة فى طريقه لتحرير القدس وهو ما تخشى دولة الاحتلال من تكراره، لذا أطلقت عليه إسرائيل (محورا فيلادلفيا)، فبعد صد حملة الصليبيين على دمياط سنة 1169م لاحق صلاح الدين وجيشه فلول الجيش الصليبى المنسحب شمالاً حتى اشتبك معهم فى (دير البلح) سنة 1170م كما انتصر على الملك عمورى الأول وحاميته الصليبية فى غزة.

رابعا: إن مواجهة الفتن الداخلية وتوحيد الصف مقدمة طبيعية لتحقيق النصر، فقد قضى صلاح الدين الأيوبى 12عاما فى سبيل توحيد مصر وبلاد الشام والجزيرة العربية، بينما حقق انتصاراته على الصليبيين خلال 18 شهرا.

ومن ثم فإن وحدة الصف اليوم داخل البيت الفلسطينى ومن ورائه الصف العربى والإسلامى هو مفتاح الحل.. هذه دروس صاحب الذكرى وعلى المتصدرين للمشهد اليوم استيعابها.

التعليقات