النظام الحركي بالمفهوم الديني

أولى (ألبرت أنشتاين) بنظريته النسبية الخاصة اهتماما كبيراً بميكانيكا الحركة والزمن وأوجد علاقة عكسيه بينهما ، شيء يشبه المستحيل لكنهُ بالحقيقة واقع إن تم استيعابهُ وفهمه .....

ما شدني بالموضوع هو اسقاطات العلامة المرحوم د. مصطفى محمود على النظرية النسبية الخاصة فيما يخص الزمن .....

يقول أنشتاين بجزئية من نظريته النسبية الخاصة ( لكل نظام حركي تقويمهُ الزمني الخاص به) ، وهذا القانون ينطبق على الكون بأسره بمختلف مجراته اللامتناهية والمتباعدة  ..... فمثلا التقويم الزمني للمجموعة الشمسية والتي كرتنا الأرضية جزء منها ، النظام التقويمي أو وحدة القياس الزمنية هي ( الثانية ، الدقيقة ، الساعة ، اليوم ، الشهر ، الأسبوع، السنة، العقد ، القرن) فالساعة مدتها ٦٠ دقيقة سواءاً على الأرض أو فوق القمر أو على أورانس..... طبعا يختلف اليوم الكوكبي فيوم الأرض هو ٢٤ ساعه ويوم عطارد هو ٨٨ يوم أرضي ( مدة دورته حول نفسه) ، ويوم زحل هو عشرة ساعات و مع ذلك التقويم الزمني للمجموعة الشمسية تقويم واحد من حيث وحدة القياس والتي فصلتها أعلاه ....

هذا طبعا لا ينطبق على مجرات أو أبراج أخرى .... فلربما الثانية (بالشُعرى اليمانية) هي بحجم سنة أرضيه ، ولربما مقدار الثانية بقلب العقرب تساوي خمس سنوات أرضيه وقد يشعر بها سكان تلك المجرة  بأنها ثانية كما نشعر نحن بالثانية الأرضية بمجرتنا ، طبعاً هذا على افتراض بأن ثمة سكان أو مخلوقات على تلك المجرة .....

إن اسقاطات الدكتور  مصطفى محمود على الموضوع هي اسقاطات علمية ولكن من منظور قرآني لا يقل عبقرية عن تلك العبقرية التي حباها الله لألبرت أنشتاين حينما استدل بعقله على النظرية النسبية و ألف بها كتاباً عام 1905 و هو بعمر ثلاثون ربيعاً فقط ، ولنرى إسقاطات الدكتور مصطفى محمود رحمهُ الله   .....

يشكك الكثيرون بالقرآن في كل شيء وبمختلف الآيات والتي يرونها مستحيلة ، أو عصية على الفهم أو أنها تفسر بعدة أوجه أو أُختلف عن سبب نزولها لذلك طالماً يجد المشككون بالقرآن تلك الأشياء تربة خصبة لخيالهم البغيض حتى يطعنوا بالقرآن الكريم من شتى النواحي .

مثلا : في سورة المعارج تقول الآية الكريمة رقم٤ ( تعرجُ الملائكة والروح إليهِ في يومٍ كان مقدارهُ خمسين ألف سنة) ..... كلام عصي على الفهم يوم مقدارهُ خمسين ألف سنة ولربما فيها مبالغة كبيرة جداً لا يستوعبها العقل البشري كما يقول بعض المشككين ، تقريبا منذُ خُلق آدم للآن لم يعش الإنسان هذا الزمن ، طبعاً هذا كلام علماء الأنثروبولوجيا بأن الإنسان سكن الأرض من مدة قصيرة إذا ما قورنت بالعمر الجيلوجي للكرة الأرضية    ....

في سورة السجدة الآية الخامسة  يقول الله تعالى فيها ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرجُ إليهِ في يومٍ كان مقدارهُ ألف سنةٍ مما تعدون )..... كلام صعب نوعا ما اليوم عند الملك المفوض بالتدبير هو ألف سنة مما نعد نحن بمجموعتنا الشمسية هذا فقط اليوم الواحد عند هذا الملك فكيف يكون شهرهُ أو سنتهُ !

إذا ما فكر العقل البشري بتلك المعطيات فأمامهُ خيارين لا ثالث لهما إما التسليم بهذا القول و تصديقهُ كونهُ كلام إلهي وليس مطالب بفهمه أو عدم تصديقه البته بسبب عدم فهمه أو صعوبة هضمة فكرياً ... يوم قدرهُ ألف سنة واليوم الأرضي أصلاً هو أربعة و عشرون ساعه  ، التطابق هنا مستحيل ، وهنا يستطيع المشكك بالقرآن الولوج للعقل البسيط  أو العقل المتسائل ، حيثُ مدخلهُ الكبير للشك والطعن بهذا الكلام .....

هنا يبين لنا المرحوم مصطفى محمود دور النظرية النسبية الخاصة والتي بُنيت على مفهوم الزمن بشكل كبير و مدى ارتباط الزمن بالحركة ، حيثُ يوضح لنا بأن للملائكة أنظمة حركيه خاصه بها تخضع للبيئة التي تنتمي لها ، سبق و أشرنا بأن للمجرات المتباعدة أنظمة حركية خاصة بها والزمن الخاص بهذه الأنظمة مرتبط بهذا النظام ، فقد قلنا بأن الثانية ربما تكون في الشُعرى اليمانية مقدارها  سنة أرضية و قد يشعر بها أهل تلك المنطقة بأنها ثانية من الثوان التي نعيشها ، وهذا عينهُ ينطبق على مجتمع الملائكة و يتعلق ذلك بظروف حياتهم التي لا نعلمها ضمن منظومتهم الحركية ، فقد يكون اليوم عند بعض الملائكة هو خمسين ألف سنة كما قالت الآية  وفقاً لأنظمة المجرة أو العالم الذي يعيشون فيه ، ولربما يكون يوم ملك التدبير الذي يتبع لنظام حركي مختلف يكون مقدارهُ بألف سنة أرضية .....

إذا الزمن هو معجزة الله الأبدية ..... يقول الدكتور محمود بأن الله هو الشيء الوحيد الذي لا يتزمن ولا يؤثر عليهِ الزمن فمستقبل الله قد يكون بالماضي بالنسبة لنا فقولهُ تعالى ( ونفخ بالصور ) نُفِخ هذا بالماضي بالنسبة لكلام الله ولعلمه لكن بالنسبة لنا هو بالمستقبل لأن يوم القيامة أمر مستقبلي .

وقوله ( وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة) نفس الشيء عند الله كلام بصيغة الماضي (عُرضوا ) لكن بالنسبة لنا أمر مستقبلي لم يحدث بعد ، بينما عند الله قد انتهى هذا المشهد أو الحدث منذ زمن .....

إن أي شيء يتزمن ( يخضع للزمن) سيكون له تاريخ بدء وحتما سيكون لهُ تاريخ نهاية ، وهذا ينطبق على كل شيء وأي شيء ( كون مجرات جبال حضارات دول حيوانات حشرات بكتيريا ...... الخ) لكن الله لا بداية له ولا نهاية له ، اذاً لا زمن يخضع له سواء بالماضي أو الحاضر أو المستقبل  ،  كيف والزمن  نفسهُ إحدى مخلوقاته و معجزاته .....

رحم الله دكتور مصطفى محمود كان علاماً بخفايا جهلناها ، كذلك الرحمة لروح أنشتاين العبقرية التي غيرت مفهوم العلم الكلاسيكي ....

التعليقات