آثار بصمة الصوت

آثار بصمة الصوت

عادل عبدالله حميد

للأصوات علاقة وثيقة بالجرائم والحوادث غير الجنائية وذلك للأسباب التالية:

أولاً:    قد تكون الأصوات وسيلة من الوسائل التي ترتكب بها الجريمة وقد تكون الوسيلة الوحيدة في بعض الجرائم كالابتزاز عن طريق التهديد والوعيد عبر الهاتف أو بوساطة التسجيل عبر أحد البرامج الحديثة ، وفي جرائم المؤامرة الجنائية والسب والقذف الصادر عبر الوسائل السمعية.

ثانياً: في الجرائم المنظمة وجرائم الاشتراك تكون الأصوات وسيلة ملازمة في جميع مراحل الإعداد والتحضير والتنفيذ والتصرف في الجريمة المنظمة التي لا يظهر فيها رؤساء العصابات والمدبرون.

ثالثاً:     قد تصدر الأصوات في مسرح الجريمة من المتهم أو من المجني عليه أو من الشهود أو من وسيلة النقل المستعملة في الجريمة أو الأسلحة أو المواد المتفجرة أو من الحركة الميكانيكية للأشياء ذات الصلة بالجريمة أو الحيوانات مثل نباح الكلب.

رابعاً:    في جرائم العنف والإغتصاب والنهب تستعمل الأصوات كمدخل لجريمة العنف كما تصدر الأصوات كرد فعل أو أثناء المقاومة والدفاع عن النفس في مثل هذه الجرائم الشيء الذي يثبت عدم الرضا.

تعتبر حاسة السمع لدى الإنسان من الحواس القوية وعلى الرغم من اختلاف القدرات السمعية لدى البشر إلا أن لبعض الأفراد قدرة فائقة في التقاط الأصوات بدقة متناهية ومن مسافات بعيدة كما للبعض قدرات فائقة في تمييز الأصوات وحفظها في ذاكرتهم ، وللأصوات فائدة عظيمة في تحقيق الشخصية وإيجاد الخيوط.

▪︎    إن الصوت الآدمي يبقى ثابتاً دون تغيير طيلة فترة البلوغ وحتى الشيخوخة.

▪︎    كل التغييرات الصوتية الناجمة عن الشيخوخة تصبح بدورها مميزات خاصة تساعد في عملية التعرف على الشخص.

▪︎    ثمة اختلافات بين شخص وآخر على صعيد البناء التشريحي للجهاز التنفسي والحنجرة والحبال الصوتية والبلعوم وتجويف الفم والأنف.

▪︎    تنطوي الوظيفة الصوتية على خصائص معينة ، مثل الضغط الزفيري تحت الزردمي (أو الزماري) ، الطرق المختلفة التي يظهر أو يختفي فيها الصوت وكذلك طريق النطق.

ويمكننا القول بأن التعرف على شخص ما من خلال صوته أمر ممكن بفضل:

(1)     حساسية الصوت في فترة البلوغ ، أي منذ مرحلة المراهقة وحتى الشيخوخة وهي مرحلة تبقى فيها الخصائص العامة والخاصة التي تعود إلى أسباب تشريحية وفيزيولوجية للجهاز الصوتي ، تبقى عملياً ثابتة.

(2)     الاختلاف في بناء الجهاز الصوتي من شخص إلى آخر .

(3)     خصائص الوظيفة الصوتية.

إن الأسس العلمية التي يستند إليها التحليل الجنائي للصوت قد تم توسيعها عبر التعمق في الأبحاث التي قام بها اختصاصيون في علم اللغة وعلم الأصوات ، وسمحت هذه الدراسات العلمية باكتشاف المميزات التشريحية والفيزيولوجية لكل فرد في السمات الصوتية والنطقية وتحديد المكانة التي تحتلها هذه المميزات في الخط البياني للصوت والكلام الذي تم الحصول عليه بوساطة السوناغراف. 

وقد أكدت تلك الأبحاث: أن صوت وكلام شخص ما يمكن أن يكونا متشابهين مع صوت وكلام أشخاص آخرين كثيرين ولكنهما لا يتطابقان إلا مع ذاتيهما وكان الهدف التالي لاكتشاف وإثبات هذه الحقيقة هو إعداد طريقة للتحليل الجنائي تسمح بالتعرف على شخص من خلال صوته وهو ما تحقق عام 1973 .

إن طريقة التحليل تحدد بدقة مراحل عملية التعرف وتسلسلها وكذلك الأساليب والتقنيات المستخدمة في فحص الصوت والكلام موضوع التجربة ونماذج الأصوات التي خضعت للمقارنة. ولإجراء تجربة التحليل يتم نسخ الصوت موضوع التجربة والأصوات المقارنة بوساطة (سوناغراف) على رسومات بيانية قد تكون جماعية على شكل شريط عريض أو شريط ضيق أو على شكل شريط دوار .

ولبيان بعض التفاصيل يتم إنجاز الرسم البياني التفصيلي وعلى كل نوع من الرسومات البيانية المعنية ، يحدد الخبير الأصوات التي تمثل الخاصيات النطقية – الصوتية الأكثر وضوحاً في العلامات البيانية وذلك من أجل مقارنتها بأصوات الأشخاص الذين يفترض أنهم نطقوا بها. في عام 1973 أجرى مختبر تحاليل الصوت التابع لمعهد التحقيق الجنائي لشرطة (رومانيا) عدداً من التجارب للتعرف على الأشخاص من خلال الصوت والكلام وتأكدت نتائجها بنسبة (99%) وتشمل تلك النتائج:

(1)     تحديد جنس الشخص

(2)     التعرف على الشخص

(3)     اكتشاف التمويه والتقليد في الأصوات

بناء على هذه الجوانب تأتي النتائج بعد المقارنة كالآتي:

(1)     إيجابية مؤكدة

(2)     سلبية مؤكدة

(3)     محتمل

(4)     لا توجد نتيجة

التفريق بين صوت الرجل وصوت المرأة

إن التفريق بين صوت الرجل وصوت المرأة يعتبر خطوة هامة في تحقيق الشخصية وقد تم التأمين على ذلك بقياس الترددات في العناصر الأربعة المركبة للصوت فهي بالنسبة للرجل العادي كما يلي:

العنصر الأول:     10-900 هرتز

العنصر الثاني:     500-2500 هرتز

العنصر الثالث:     1200-3500 هرتز

العنصر الرابع: 2500-4500 هرتز

ومن ناحية أخرى أثبت العالم (ج.م.فانت) أن متوسط الترددات عند الرجل تعادل (125) هرتز . أما عند المرأة فإن تردد العناصر المركبة أكثر من الرجل بمقدار (20%).

من الممكن تماماً التعرف على شخص من خلال تحليل الصوت والكلام شريطة:

• توفر أصوات واضحة مع النماذج من الأصوات والكلام.

• في عملية الفحص المقارن يجب الأخذ بعين الاعتبار كلاً من الخصائص المتنوعة في الصوت والنطق وتلك الخصائص الأكثر أهمية والتي هي ثابتة نسبياً.

•    استخدام التحليل والتوليف.

•    فحص كل عنصر مميز يجري استخدامه في عملية التعرف مقارنة بالعناصر الأخرى.

لذا أعطى استخدام الكمبيوتر في تحليل الأصوات ومقارنتها دفعة قوية للأصوات في مجال تحقيق الشخصية والتحقيق الجنائي. لقد أصبح الآن من الممكن وبفضل استخدام برامج خاصة لمقارنة الأصوات والتعرف على أصحابها. واتضح أن هنالك عدداً وافراً من المميزات الفردية والخصائص العامة والشخصية الثابتة تفوق أحياناً المميزات والخصائص التي تتوفر في بصمات الأصابع ، ومن هذه الخصائص الرسم الذي تخطه العناصر المركبة وتحولاتها ، ترددات العناصر المركبة ، مدة الأحرف الساكنة ، المسافات بين العناصر المركبة على سلم الترددات ، التردد الأساسي ، ديناميكية الصوت وغيرها ، كما تجري الدراسات الجادة والمثمرة للاستفادة من جميع الأصوات أياً كان مصدرها خاصة أصوات الأشياء والأصوات الميكانيكية. ومع تطور وسائل النقل وانتشارها أصبحت الأصوات تلعب دوراً في الجريمة ، ولهذا يرى الباحثون أنه من الضروري التعرف على أصوات السيارات والتي تكون لها مميزات خاصة وفقاً للموديل وقوة الماكينة والحمولة والحالة العامة وعمر السيارة. وقد حققت الدراسات التي أجرتها الشرطة اليابانية (معهد العلوم والتقنية الشرطية) بالتعاون مع معهد الأبحاث السايبرانية لشركة توشيبا نجاحاً في هذا الجانب وتشمل هذه المساعي:

(1)    التفريق بين الأصوات الآدمية.

(2)    التفريق بين الأصوات الآدمية والحيوانية.

(3)    التعرف على صوت كل حيوان.

(4)    التعرف على أصوات الآليات وتحديد حالتها العامة من خلال الصوت.

(5)    تسجيل أصوات المتفجرات وإعداد أرشيف لها.

(6)    الاستفادة من الشهود(السماع) وذلك بإيجاد برامج متطورة لعملية الاستعراف.

(7)    استعمال الأصوات لتأمين الأبواب والخزائن الشخصية.

ورغم تفاؤلنا بنتائج الأبحاث الجارية لتطوير ودعم الاستفادة من الأصوات في التعرف والتحقيقات الجنائية إلا أن التطور التقني وتطور علوم صناعة الأصوات تشكل خطراً على الجهد المبذول للاستفادة من الأصوات في تحقيق الشخصية ، إذ أنه أصبح من الممكن فنياً تغيير الأصوات وتحسينها والتأثير على المميزات الخاصة لاستغلالها كما حدث في تقنية التزييف العميق DeepFake التي تزيف الحقائق عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي ثم يتم استخدامها في محاكاة أو تزييف الأصوات أو التلاعب البصري عبر أساليب المحاذاة والتدريب والدمج بغرض القرصنة أو الاحتيال أو انتحال أصوات الشخصيات المعروفة لغايات أخرى .

ومثال على ذلك وبحسب موقع ويكيبيديا: أنه في عام 2017  نشر فيديو للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وهو يتكلم بصوتٍ عالٍ حول هذه التقنية محاولاً شرح مخاطرها وهو ما لم يفعلهُ الرئيس الأمريكي أصلاً بل إن البرنامج قام بجمع عددٍ من فيديوهات الرئيس ثم حاول استخراج الكلمات التي يحتاجها – والتي نُطقت في سياق مختلف – من أجل استعمالها في الفيديو الوهميّ.

القيمة القانونية لبينة الأصوات

تعتبر بينة الأصوات الآدمية بينة مقبولة ودليلاً قوياً لإثبات الجنس ، العمر ، كما أنها تثبت إثباتاً قاطعاً بأن الصوت والكلام معاً لشخص ما متى توفرت الخصائص والمميزات الثابتة في الأصل والعينة ومتى تم التحليل الصوتي بالوسائل العلمية.

وختاماً ..

نذكر بقول الله تعالى:

رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) {آل عمران}

رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) {البقرة}

الكاتب والباحث الإماراتي

عضو اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات

عادل عبدالله حميد

التعليقات