حوكمة البيانات الكبيرة

حوكمة البيانات الكبيرة

الباحث - عادل عبدالله حميد

نبعت فكرة  بحث البيانات الكبيرة وحوكمتها من قرائتنا كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي بمناسبة اليوم الوطني الـ43 لدولة الإمارات العربية المتحدة وهو ينبهنا إلى الثورة الرقمية التي أضحت محور كافة الاتجاهات العالمية، وتعززت تلك اللفتة ونحن نقرأ رؤية قائد التغيير في وزارة الداخلية الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة والذي أكد في كلمته أمام مؤتمر القمة الحكومية لعام 2015 بإيجاز لمفهوم البيانات الكبيرة big data، وأهميتها كمدخل للخدمات الحكومية الالكترونية والانتقال إلى الخدمات الذكية.

جاء هذا البحث موضحاً مفهوم البيانات الكبيرة وتقنياتها واتجاهاتها المستقبلية ، وسبل الاستفادة منها في صناعة القرار بمشروع عملى للبيانات الكبيرة، كأول مبادرة عربية من نوعها في هذا المجال يمكن أن تسهم بها وزارة الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة في سوق المعرفة والمنتجات الذكية المؤثرة على المستوى الوطني والإقليمي، ويركز البحث إلى ضرورة الجهد العلمي والإبداع والابتكار في هذا المجال وصولاً إلى القيادة والريادة في عالم المعلومات والبيانات الكبيرة، في عصرنا هذا الذي يُعرف بعصر المعلومات، بما يمكننا من تملك القوة الناعمة بتملك المعلومات.

يتكون هذا البحث من تمهيد يتضمن موضوعه، أهميته، تساؤلاته، أهدافه، منهجيته وعرض للدراسات السابقة بالإضافة إلى فصلين:

الفصل الأول: يتناول مفهوم البيانات الكبيرةBigData، أنواعها ، مصادرها ، منابر إطلاقها ، أهميتها ،اساليب معالجتها ، وآليات الإستثمار فيها.

الفصل الثاني: يناقش التعامل مع البيانات الكبيرة وتحدياتها لمؤسسات القطاع العام والخاص والمؤسسة الشرطية والأمنية على وجه الخصوص, وذلك من حيث حجمها وتنوعها وصعوبة التنقيب فيها وتقنيات التعامل مع خصائصها، سلط البحث الإستخدامات الأمنية للبيانات الكبيرة  بإعتبار الأجهزة الأمنية هي المستفيدة من كافة البيانات المتوفرة في الدولة.

عرف البحث مفهوم البيانات الكبيرة بأنها مجموعة من حزم البيانات الضخمة المعقدة ، المهيكلة منها وشبه المهيكلة وغير المهيكلة التي يصعب التعامل معها بواسطة نظم إدارة قواعد البيانات التقليدية من حيث التخزين والتنقيب.

وكشفت الدراسة فيما تقدم أرقاماً تعكس حجم البيانات الكبيرة التي يطلقها البشر وعدد الأشخاص والمنابر والمنصات التي تطلق البيانات يومياً وبأحجام تتضاعف حتى بلغت أكثر من (40,000) زيتابايت من البيانات الجاهزة للتحليل واستخلاص المعلومات.

وأكد البحث أن ثورة البيانات الكبيرة نقلت في السلوك ودفع لفرص الأعمال ودعم حقيقي لصناعة القرار مع الإشارة إلى عدم كفاءة التقنيات التقليدية على مواكبة التعامل بالبيانات الكبيرة، وقدر البحث فوائد  البيانات الكبيرة ومنها:

•        إمكانية تحليل (350) مليار متر من القراءات وصولاً لتوقعات استهلاك الطاقة

•        القدرة على تحليل تفاصيل سجلات (500) مليون مكالمة يومية للتنبؤ باتجاهات المتعاملين

•        التدقيق على (5) ملايين معاملة تجارية يومياً لكشف عمليات الاحتيال المحتملة

•        مراقبة البث المباشر لمائة كاميرة مراقبة لتحديد النقاط التي تجذب الاهتمام.

•        تحويل آثار الجريمة الواقعية والافتراضية إلى البيانات التي تنتج أدلة جنائية واكتشاف الجناة.

•        تحويل البيانات إلى معلومات للتنبؤ بالمخاطر الأمنية والاختناقات المرورية وأسباب السلامة العامة.

•        التدقيق على ملفات (6) مليون شخص في الثانية لضبط مجرم مطلوب.

بلور البحث مشروعاً مقترحاً للبيانات الكبيرة تتعهد به وزارة الداخلية يصلح للإستثمار  والشراكة الإقليمية وإمكانية تحويل المشروع إلى مردود نقدي Monetization opportunities  

أوصى البحث بالآتي:

-        نشر ثقافة البيانات الكبيرة والتعريف بأهميتها

-        الإطلاع على تجارب البيانات الكبيرة ودروسها والتعرف على تقنياتها بالتواصل مع  المنظمات الرائدة في هذا المجال.

-        إصدار تشريعات تعرف وتنظم البيانات الكبيرة  وطرق حوكمتها وإعتمادها إساساً للتخطبط الإستراتيجي  واتخاذ القرارات.

-        الإستفادة من البيانات الكبيرة في فهم المتعاملين واتجاهاتهم السلوكية والنفسية.

-        التعمق في فهم البيانات الكبيرة على الأسس التي تقوم عليها الخدمات الذكية.

-        الشروع في دراسة مشروع الإمارات للبيانات الكبيرة كمشروع رائد والعمل على تسويقها إقليمياً.

إن الثورة الرقمية هي المحور الذي تتحرك حوله كافة الاتجاهات العالمية الصاعدة، فقد أولينا اهتماماً استثنائياً، فالارتباط والتداخل بين الأعمال والإنتاج والخدمات والبرمجيات والاختراعات والاتصالات بات حقيقة كبرى في حياتنا. وهذه الحقيقة تكبر أكثر كل يوم وتزداد تأثيراً في كافة المجالات والاتجاهات بفعل تضاعف حجم المعلومات المتاحة للبشر مرات عدة وبسرعات قياسية وتنوع وسائل النفاذ إلى هذه المعلومات وسهولة استخدامها.

اليوم يوجد أكثر من عشر مليارات (شيء) متصل بالإنترنت من المجسمات البسيطة إلى المصانع الضخمة، ومن المركبات الفضائية إلى الغواصات في جوف المحيطات، وينفذ إلى الانترنت ثلاثة مليارات شخص من بينهم مليار شخص يتصلون بها بواسطة هاتفهم النقال، وفي عالمنا العربي يستخدم الانترنت (135) مليون شخص ويستخدم الإعلام الاجتماعي (95) مليون شخص يمثل الشباب أكثر من ثلثيهم، وينمو هذه الاستخدام بأعلى من المتوسط العالمي، بل هو الأعلى في العالم".

وتعززت تلك اللفته ونحن نقرأ رؤية قائد التغيير في وزارة الداخلية سيدي الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية والذي أكد في كلمته أمام مؤتمر القمة الحكومية لعام 2015 بإيجاز شديد مفهوم البيانات الكبيرة big data ، وذلك في سياق حديثه عن الخدمات الحكومية الالكترونية والانتقال إلى الخدمات الذكية. وتبع إشارة سيدي الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان انعقاد المؤتمر الأول لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للبيانات الكبيرة خلال الفترة من 8-15 مارس 2015 التي ألقت قليلاً من الضوء على مفهوم وأهمية البيانات الكبيرة.

 ومع ذلك ظل مفهوم البيانات الكبيرة وأبعادها الإستراتيجية والأمنية غامضاً لدى الكثيرين.

ويأتي هذا البحث العلمي الشامل موضحاً مفهوم البيانات الكبيرة وخلفيتها التاريخية وتقنياتها واتجاهاتها المستقبلية، وسبل الاستفادة منها في صناعة القرار، كأول دراسة عربية من نوعها في هذا المجال المعلوماتي الهام.

ولاشك أن البحث بنتائجه وتوصياته يعد من الابتكارات الرائدة التي تسهم بها الشرطة في دولة الإمارات العربية المتحدة في سوق المعرفة والمنتجات الذكية التي يقودها سيدي الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية على المستوى الوطني والإقليمي. كما يعد هذا البحث فاتحة لمزيد من الجهد العلمي والإبداع والابتكار في هذا المجال وصولاً إلى القيادة والريادة في عالم المعلومات والبيانات الكبيرة، تحقيقاً لمقولة ( من يملك المعلومات يملك القوة) في عصرنا هذا الذي يُعرف بعصر المعلومات.

موضوع البحث

يعيش إنسان اليوم في عالم تحيط به بحور من البيانات و المعلومات غير محدودة الحجم أو الشكل أو النوع , فيما أصبح يعرف بالبيانات الكبيرة (بيغ داتا). بدأت تلك البيانات  تفيض ببطء, إلا أنها أصبحت خلال العقد المنصرم تتكاثر و تتضخم و تتعقد بشكل لم يكن في الحساب ، بفضل التطور السريع في تقنيات المعلومات والاتصالات وعولمة الأعمال وشؤون الأمن والسلم.

تشهد البيئة الكونية لتقنيات المعلومات و الاتصالات ملايين "الذيتا بايتات" من المعلومات و البيانات تتدفق عبر أجهزة الحسابات الآلية ووسائط تقنيات الاتصالات الذكية, إذ تقدر البيانات المتدفقة عبر تلك الوسائط حول العالم ب"(300) إكسابايتات" أي "(300) مليون قيقا بايتات" من البيانات المخزنة و التي تتضاعف بمقدار 28% سنويا, علاوة على البيانات المرسلة عبر الشبكات الدولية و التي تقدر ب "(1.9) زيتابايت" كل عام.

تقول مجلة هارفارد للأعمال بأن ما يطلق في اليوم الواحد من بيانات تقدر ب(2.5) أكسابايت ( 2.5 مليون ) قيقابايت. وفي نفس اليوم يتعامل المشتركون في الفيس بوك مع واحد بليون قطعة من المحتويات ، ويُطلق المشاركون في تويتر (200) مليون تغريدة ، ويتواصل اكثر من مليون شخص عبر الإنترنت وتسجل أسواق المال أكثر من مليون عملية مؤدين بذلك الى صناعة كم هائل من البيانات في اوعية تقنية المعلومات والاتصالات توصف بالبيانات الكبيرة . وتشكل هذه الحقيقة تحدياً للأعمال وقياداتها في تسخير معطيات تلك البيانات الكبيرة في تطوير الاسواق وتعزيز التنافسية.

في عام 2015  وبتكليف من " هيولت باكارد " تم إجراء مسوح ميدانية وسط القيادات التنفيذية للأعمال وتقنية المعلومات وخلصت تلك الدراسة المسحية الى نتائج تقول:

•        34%   من قادة الأعمال لم يستخدموا ما لديهم من بيانات.

•        35%   يعتقدون أنهم غير فعالين في تقييم ما لديهم من بيانات.

•        50%   لا يملكون إستراتيجية فعالة للبيانات.

•        98%   لا يحددون المعلومات المناسبة في الوقت المناسب.

لقد أصبح الإنسان غارقا في هذه البيانات الكبيرة و لاهثا خلف معطياتها لإنجاز أعماله و تحقيق غاياته المختلفة في عالم التنافسية المفتوحة , ابتداءً من إدارة أسباب الحياة الاجتماعية و الاقتصادية , تطوير العلوم و التقنيات , حفظ السجلات الإلكترونية لكافة المعاملات و الأنشطة اليومية و انتهاءً بالتواصل الاجتماعي اليومي  الأمر الذي أنتج أضعافا مضاعفة من البيانات التي أصبحت تغرق الإنسان و تتحكم في أنشطته و قراراته وسياساته ، مما يجعل جمع البيانات وتخزينها وتحليلها وحسن استخدامها يشكل تحدياً لتقنيات المعلومات والاتصالات والأعمال بسبب قصور في النظم التقليدية لإدارة البيانات والمعلومات . و مع ذلك , يزداد الإنسان أكثر قناعة بأهمية البيانات الكبيرة و يسعى بكل جد إلى الاستفادة منها و التحكم عليها بترجمة تلك البيانات إلى معلومات تخدم احتياجاته الخاصة.  يسلط هذا البحث الضوء على البيانات وجذورها التاريخية اولاً و من ثم يتناول البيانات الكبيرة  وتقنيات التحكم عليها و تحليلها و آليات استخدامها موضحاً الفرق بين البيانات الكبيرة (بيغ داتا) و تخزين البيانات ( داتا وارهاوسنغ) .

تعتبر المعلومات في هذا العصر  من أغلى السلع وأكثرها أهمية  ، حتى أصبح يقال أن من يملك المعلومة يملك القوة .البيانات الكبيرة بحر, بل محيط من المعلومات والحقائق و الأدلة  و البراهين تتحرك وسط أمواج هائجة يصعب عبورها دون تملك الحلول المتطورة و الأنظمة غير التقليدية للتحكم على شكل البيانات الكبيرة و معالجتها. تتنافس اليوم كبرى الشركات العالمية والأنظمة الأمنية حول صناعة البيانات الكبيرة وإنتاج المعلومات والاستثمار فيها ، إلا أن هنالك مشكلات تقف أمام المهتمين بالمعلومات. تتمثل في مشكلات التعامل مع البيانات الكبيرة من حيث تحديدها ، تقدير حجمها ، التحكم في سرعة تدفقها ، ومدى الحاجة إليها في كل جهة من الجهات المستفيدة منها. كما يختلف المهتمون بالبيانات الكبيرة حول نوع التقنيات المناسبة لمعالجة البيانات الكبيرة ، أي هل هنالك حاجة لتقنيات جديدة للتعامل مع البيانات الكبيرة أم يمكن معالجتها بالتقنيات التقليدية . العالم العربي لا يولي الاهتمام العلمي بالبيانات بصفة  ، وما زال بعيداً عن البيانات الكبيرة تعتبر المعلومات في هذا العصر  من أغلى السلع وأكثرها أهمية  ، حتى أصبح يقال أن من يملك المعلومة يملك القوة .البيانات الكبيرة بحر, بل محيط من المعلومات والحقائق و الأدلة  و البراهين تتحرك وسط أمواج هائجة يصعب عبورها دون تملك الحلول المتطورة و الأنظمة غير التقليدية للتحكم على شكل البيانات الكبيرة و معالجتها. تتنافس اليوم كبرى الشركات العالمية والأنظمة الأمنية حول صناعة البيانات الكبيرة وإنتاج المعلومات والاستثمار فيها ، إلا أن هنالك مشكلات تقف أمام المهتمين بالمعلومات. تتمثل في مشكلات التعامل مع البيانات الكبيرة من حيث تحديدها ، تقدير حجمها ، التحكم في سرعة تدفقها ، ومدى الحاجة إليها في كل جهة من الجهات المستفيدة منها. كما يختلف المهتمون بالبيانات الكبيرة حول نوع التقنيات المناسبة لمعالجة البيانات الكبيرة ، أي هل هنالك حاجة لتقنيات جديدة للتعامل مع البيانات الكبيرة أم يمكن معالجتها بالتقنيات التقليدية . العالم العربي لا يولي الاهتمام العلمي بالبيانات بصفة  ، وما زال بعيداً عن البيانات الكبيرة ، الأمر الذي يقتضي تمكين المعنيين بالمعلومات من التعرف على البيانات الكبيرة بمشكلاتها وأهميتها. كل ذلك مدعاة لتساؤلات عديدة تطرح في هذا البحث ومن اهم تلك التساؤلات ما يلي :

•        ما مفهوم البيانات الكبيرة

•        ما هي انواع البيانات الكبيرة وما هي مصادرها ومنابر اطلاقها

•        ماذا تعني البيانات الكبيرة لأمن المجتمعات و الدول و السلم العالمي و رفاهية الإنسان

•        كيف يتم جمع وتحليل وتخزين البيانات الكبيرة والاستثمار فيها

•        ما هي التحديات الأمنية في بيئة البيانات الكبيرة

 يتناول هذا البحث البيانات الكبيرة بالإجابة على هذه التساؤلات , بتعريف مفهوم البيانات الكبيرة و تحديد مبادئها و فهم أهميتها و بيان طرق الاستفادة منها في حياتنا العامة والخاصة. كما يسعى إلى التعريف بتقنيات البيانات الكبيرة ، ونظم معالجتها والسيطرة على معطياتها ونهج الاستثمار في مخرجاتها . يسعى هذا البحث إلى الإجابة تلك التساؤلات التي نعترف بصعوبتها ، والتي تحتاج إلى دراسات عميقة وعاجلة ، تساعدنا على اللحاق بالدول المتقدمة في هذا المجال.

تنبع أهمية هذا البحث من أهمية البيانات المحوسبة والتي تشكل اليوم العمود الفقرى لإستراتيجيات حكومة دولة الإمارات العربية المتعلقة بالحكومة الإلكترونية والخدمات الحكومية  الذكية التي وضعت الدولة في مرتبة متقدمة بين دول العالم. تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة في الانتقال إلى نظم الحكومة الإلكترونية و الاتصالات الذكية كإستراتيجية وطنية تعهدت بها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة و مؤسسات القطاع الخاص و نجح المجتمع الإماراتي بكافة مكوناته في التعامل و الانسجام و مواكبة هذه النقلة الالكترونية والرقمية.  في هذا السياق يشير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى  أن "الثورة الرقمية " هي المحور الذي تتحرك حوله كافة الاتجاهات العالمية الصاعدة ، لتضاعف حجم المعلومات المتاحة للبشر مرات عدة وبسرعات قياسية وتنوع وسائل النفاذ إلى هذه المعلومات وسهولة استخدامها . ويؤيد تلك النظرة  الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة ، في كلمته أمام مؤتمر القمة الحكومية الثالث عام 2015 ، وهو يشير صراحة إلى البيانات الكبيرة وأهميتها للانتقال الى الخدمات الحكومية الذكية التي نادت بها القيادة الرشيدة للدولة . كل ذلك تعبير عن أهمية موضوع هذا البحث ومدى إسهامه في تحقيق رؤية الدولة وتطلعات قيادتها الملهمة.

 يعتبر هذا البحث محاولة لتعزيز ثقافة  المعلومات في سياق البيانات الكبيرة لدى العامة  ولدى المحترفين في إدارة البيانات والمعلومات الشرطية والأمنية بصفة خاصة , و تذكيرهم بالقيم الاستخباراتية الكامنة في البيانات الكبيرة. وعليه يتجه هذا البحث تحديداً إلى تحقيق الأهداف التالية:

•        تعريف البيانات الكبيرة واتجاهاتها

•        توضيح أهمية البيانات الكبيرة

•        تحديد أنواع البيانات ، المهيكلة منها وغير المهيكلة

•        التعريف  بمصادر بالبيانات الكبيرة ومنابر اطلاقها

•        التعريف بتقنيات معالجة البيانات الكبيرة والتعامل معها وحوكمتها

•        بلورة مقترح مشروع الإمارات للبيانات الكبيرة على المستوى المحلي والإقليمي .

يعتبر باب معرفة تقنيات المعلومات و الاتصالات من أكثر أبواب المعرفة التي تطلق مصطلحات جديدة و معقدة و غريبة على عامة الناس. و قد باتت مصطلحات تقنية المعلومات و مختصراتها الكثيرة على ألسن عامة الناس كمسميات مفهومة , دون الخوض في المضامين العلمية و الفنية لتلك المصطلحات. إلا أن الدراسة و البحث العلمي الرامي إلى تعزيز التطبيقات على الواقع العملي يقتضى فهماً موحداً و منظماً لبعض المصطلحات. و لعل من الضروري في هذا البحث أن نمهد للقارئ العادي بتعريفات إجرائية لبعض المصطلحات المتوقع تكرارها في هذا العمل و هي:

•        البيانات (داتا) : هي حقائق , أرقام , أحرف , رموز أو صور جمعت كمرجع أو للتحليل

Data: Facts, figures, charters or symbols collected for reference or analysis

•        المعلومات : هي بيانات تم تحليلها و ترجمتها بالقدر الذي يعطي البيانات معاني تفيد المستعمل

Information: Data has been processed and interpreted so that it has meaning for the user

•        المعرفة : جمع من المعلومات و العلوم و الخبرات و التبصر الذي يفيد الفرد أو المنظمة في الأداء

Knowledge: Is a combination of information, experience and insight that may benefit the individual or the organization

•        ميتاداتا: يقصد بها البيانات الوصفية, اي البيانات التي تصف البيانات الأساسية,  مصدرها و اهدافها او حجمها

Metadata: is the data providing information about one or more aspects of the data, such as means of creation, purpose, time and volume of the data

•        البيانات الكبيرة : هي مجموعة من حزم البيانات الضخمة المتنوعة المتكاثرة بدرجات مختلفة يصعب التعامل معها بواسطة نظم إدارة قواعد البيانات و البرامج التقليدية أو التقنيات و الحلول التجارية المتوفرة.

Big data: data available in varying degrees of complexity, generated at different velocities and varying degrees of ambiguity that cannot be processed using traditional technologies, processing methods, algorithm or any commercial of the shelf solutions.

 ما هي البيانات الكبيرة: 

عبارة البيانات الكبيرة مصطلح حديث فرض نفسه اليوم بقوة في عالم المعلوماتية، و يقصد به مجموعة من حزم البيانات الضخمة ، المعقدة ، المتنوعة المتكاثرة و عالية القيمة، التي يصعب التعامل معها و حسن استثمارها بواسطة نظم إدارة قواعد البيانات التقليدية من حيث التخزين ، البحث، التمثيل و التحليل. وتختلف البيانات الكبيرة من مؤسسة إلى أخرى نظراً لاختلاف البيانات التي تحظى باهتمام كل منها و قدرة كل منها على التعامل و التحكم و الحيازة. إلا أننا عندما نتناول البيانات الكبيرة فإننا ننظر إلى بيانات متعددة الأنواع و المصادر بحجم يصل إلى المئات من التيرابايت أو البيتابايت  أو الإكسابايت .

تم تعريف البيانات الكبيرة من قبل الخبراء بأنها مصطلح لوصف البيانات المهيكلة، شبه المهيكلة أو غير المهيكلة المتضخمة الصالحة للتنقيب فيها وصولا للمعلومات.

أهمية البيانات الكبيرة:

يتساءل البعض، لماذا علينا تخزين كل هذا الكم الهائل من البيانات التي تكلفنا الكثير من الوقت والجهد و المال؟ لماذا لا تكون الاستفادة من المعلومات فورية وفي الحال و كفى؟ للإجابة على هذا السؤال نشير إلى الآتي:

أولا: إننا نعيش في زمان من يملك المعلومة فيه هو من يملك القوة. فالبيانات ليست وجبة نتناولها عند الضرورة و نلجأ اليها و نبحث عنها في أوقات الوجبات الأخرى ، بل هي ثروة ثمينة تتكاثر بالإستثمار و تتضاعف قيمتها بقدر حجمها و سرعتها و تنوعها و حسن  قراءتها وادارتها.

ثانيا: البيانات الكبيرة والمعلومات الناتجة عن معالجتها لا تفيد متخذ القرار ولا تعزز الأعمال في الحال فحسب، بل هي مستودع علوم و معارف تلجأ إليها المنظمات و الشركات و الأفراد بصفة مستدامة للاسترشاد بها و القياس عليها و قراءتها و مراجعتها لموكبة المتغيرات العالمية المتسارعة.

ثالثا: يقال أن التاريخ يعيد نفسه أحيانا و هنالك شواهد عن حوادث تاريخية تتكرر بعد عقود من الزمان في نفس المكان او في أماكن أخرى بنفس العوامل و الأسباب، لذا تكون للمعلومات الضخمة المخزنة قيمتها في التعامل مع مستجدات كتراكمات علمية و خبرات إنسانية.

رابعا: القيمة الحقيقية المضافة التي تعززها البيانات الكبيرة هي نتاج لهذا الحجم الكبير و هذا التنوع الذي تتميز به البيانات الكبيرة. فكلما تضاعفت البيانات و تعددت المصادر و تنوعت المعطيات و تسارع تدفقها كانت القيم المضافة أكثر كفاءة و أكبر تأثيرا على إدارة صناعة القرارات.

خامسا: نلاحظ أن الشركات الكبرى مثل جوجل و فيسبوك و تويتر و غيرها لا تضيع أية فرصة تتاح لها لحفظ جميع بيانات المستخدمين و أية تدوين أو دخول أو إطلاع بما في ذلك كافة تحريك الفارة و الوقوف المفاجئ على الإعلانات و الاطلاع على عناوين لم يكن يقصد البحث عنها. كل ذلك ترصدها الشركات الكبرى عن كل مستخدم أيا كان، معتبرة المحفوظات ثروة ثمينة تسترشد بها في التطوير المستدام لخدماتها.

سادسا: تأكد على الصعيد التجاري أن البيانات الكبيرة تشكل استخبارات للأعمال التي تساعد على اتخاذ القرارات بشكل آلي في ضوء البيانات السابقة و مقاربات معطياتها، لأنها Business intelligence

3.1 أنواع البيانات الكبيرة و منابرها إطلاقها:

رغم ضخامة حجم البيانات الكبيرة و التجدد المستدام لمنابر إطلاقها و قنوات تدفقها ، إلا أننا نحاول هنا تصنيف أ هم المنابر و المنصات التي تطلقها.

تصنف البيانات الكبيرة بصفة عامة الى خمسة أنواع و هي:

:

1-      الشبكات و الإعلام الاجتماعي وتشمل  الشبكات ووسائط التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الإعلام الاجتماعي مثل الفيسبوك، تويتر، ولنكدلن وغيرها Web and social media.

2-      بيانات من ماكينة أو حاسوب إلى حاسوب ويقصد بها التقنيات السلكية او اللاسلكية التي تسمح بالاتصال مع الأجهزة الأخرى Machine to machine(M2M).

3-      بيانات المعاملات الكبيرة (Big transaction data) والإجراءات و المطالبات الخاصة بالرعاية الصحية الاتصالات الهاتفية بيانات الفواتير المسجلة و المتوفرة في شكل شبه مهيكل أو بشكل غير مهيكل.

4-      البيانات البيومتركية (Biometrics)و يقصد بالبيانات البيومتركية وسائل التحقق الآلي من الأشخاص من خلال خصائصهم السلوكية و الفيزيولوجية مثل بصمات الأصابع، بصمات العين، بصمات الأذن ، الوجه ، الصوت و البصمة الوراثية.

5-      البيانات التي يطلقها البشر (Human- generated data) وتوصف البيانات التي يطلقا البشر يوميا بأنها الأكثر حجما و تنوعا و سرعة و تشمل التسجيلات الصوتية ،رسائل البريد الالكتروني، سجلات الرعاية الصحية، المسوح الميدانية، الوثائق الورقية المأرشفة إلكترونيا و غيرها.

تطلق أنواع البيانات الكبيرة آنفة الذكر من منابر و منصات معروفة تسمى البايعون، لها العديد من الوسائل والأدوات التي تقدم مكونات البيانات الكبيرة بدرجة عالية من الهندسة والجودة . (Vendors).

يقسم البايعون إلى أربعة فئات وهي: (1) البايعون للبيانات الضخمة Mega Vendors ، (2) قادة الفئات (Category Leaders)  ، (3) بايعون السحابة Cloud Vendors ،  (4) بايعون بيانات المصادر المفتوحة( )

شكل رقم(1) يوضح

خصائص البيانات الكبيرة:

هنالك سؤالان كبيران يشغلان بال المهتمين السؤالان هما :لماذا الاهتمام بالبيانات الكبيرة ؟ و لماذا يأتي هذا الاهتمام الآن ؟

و للإجابة على هذين السؤالين يقول خبراء البيانات الكبيرة ؛ إن الزيادة المضطرة لحجم البيانات التي بدأت تتميز اليوم بالتكاثر المستمر بشكل يفوق كثيرا ما كان عليه الحال من قبل عقد من الزمان، و ذلك بتدفقها عبر العديد من الأجهزة و المصادر و الوسائط المستحدثة و المنتشرة على نطاق واسع ، وهي فوق ذلك كله غير منظمة أو مهيكلة مثل التغريدات المطلقة على تويتر ، الفيسبوك ، مدخلات الواتساب ، الصحف الالكترونية ، الإعلانات التجارية وغيرها من البيانات التي يصعب تحليلها و التحكم عليها أو الاستفادة منها بأدوات إدارة قواعد البيانات التقليدية ، اما لماذا يأتي هذا الاهتمام الآن فإن ذلك عائد إلى عاملين رئيسيين هما اولاً : توفر البنيات التحتية مصحوبة بالأطر و البرامج القابلة للتطوير و البرامج الأخرى المؤهلة لتحليل و تنقيب البيانات ، وثانياً:         البيانات كانت موجودة في الأصل قبل أن توصف بأنها كبيرة. وكانت البيانات تستخدم منذ القدم بأدوات ظلت تطور عبر مراحل معروفة ، و عليه فإن وصفها والتعامل معها بحجمها الكبير ما هي إلا حقيقة ماثلة أمامنا، وأن الاستفادة منها ممكنة وعائداتها عظيمة في تعزيز الأعمال وجودة الحياة .

وتعزيزاً لما سبق دعنا نأخذ دليلاً قريباً منا يكشف لنا قيمة البيانات الكبيرة وتوفرها بين أيدينا، ألا وهو ما جاء في كلمة صاحب السمو محمد بن راشد آل مكتوم بمناسبة اليوم الوطني الـ43 لدولة الإمارات العربية المتحدة( ) والتي سبق أن أشرنا لها.

3.1 أنواع البيانات الكبيرة ومنابر إطلاقها

بعد أن أصبحت البيانات الكبيرة ضرورة حتمية ، رغم تعقيداتها و صعوبات التعامل معها فكيف لنا العمل بها؟ هل تشكل التعقيدات و الصعوبات عيبا يجعلنا نصرف النظر عن  البيانات الكبيرة؟ للإجابة على هذه التساؤلات نقول إن انفجار البيانات هو في حد ذاته نتيجة إبداع الإنسان الذي حول أعمالنا إلى مسارات جديدة. لقد افرز الإبداع ثلاثة اتجاهات لعالم البيانات خلال السنوات القليلة الماضية و هي:

تحويل نموذج الأعمال: (Business Model transformation) إذا تم تحويل النموذج الأساس للأعمال الذي كان قائما إلى نموذج العولمة و التواصل ، القائم على خدمة المتعاملين، توصف بنماذج: أعمال إلى أعمال ، أعمال الى أعمال إلى متعاملين ، اعمال إلى متعاملين إلى متعاملين (B2B), (B2B2C), (B2C2C)

العولمة    Globalization التي أحدثت تغييرا جذريا للتجارة العالمية و ذلك بنقل الأعمال من التركيز على الصناعات إلى التركيز على خدمة المتعاملين ، فالعولمة بذلك فتحت بابا واسعا لحركة البيانات و تدفقها عبر مختلف وسائط الاتصال و التواصل.

شخصنة الخدمات    Personalization of servicesكمعيار لقياس نجاح الأعمال و تحديد مدى نضج تحولها بدرجة شخصنة خدماتها و مدى كفاية القيم التي مسكتها قناعات المتعاملين بمختلف ثقافاتهم و طبقاتهم المختلفة.

المصادر الجديدة للبيانات  New Sources of Data

تقنيات المعلومات والاتصالات المتطورة وانتشارها الواسع وفرت بيانات ضخمة ومتنوعة وسريعة تحيط بنا وبأعمالنا من كل جانب ، الأمر الذي أثرى استخبارات الأعمال بمدخلات قيمة و متواصلة .

 التوصيات:

•        نشر ثقافة البيانات الكبيرة والتعريف بأهميتها .

•        الإطلاع على تجارب البيانات الكبيرة ودروسها والتعرف على تقنياتها بالتواصل مع  المنظمات الرائدة في هذا المجال .

•        إصدار تشريعات تعرف وتنظم البيانات الكبيرة  وطرق حوكمتها وإعتمادها إساساً للتخطيط الإستراتيجي واتخاذ القرارات .

•        الشروع في دراسة مشروع الإمارات للبيانات الكبيرة كمشروع رائد والعمل على تسويقها إقليمياً .

•        التعمق في فهم البيانات الكبيرة على الأسس التي تقوم عليها الخدمات الذكية .

•        الإستفادة من البيانات الكبيرة في فهم المتعاملين واتجاهاتهم السلوكية والنفسية .

الباحث الإمارتي

عضو إتحاد كتاب وأدباء الإمارات

عادل عبدالله حميد

التعليقات