اليمين المتطرف و”الإسلاموفوبيا”

مع زخم التغيرات في أوروبا والعالم أصبحت الحكومات الجديدة التي تتشكل ونتائج الانتخابات تصب في مصلحة جماعات اليمين المتطرف. وبات مصطلح “اليمين المتطرف” بمثابة أحد الأيدولوجيات المألوفة، التي تنتشر بسرعة كبيرة في أروقة السياسية الدولية سواء داخل الدول أو في النزعة العنصرية التي تجابه الفكر المخالف والإسلام على وجه الخصوص. فاليمين المتطرف مصطلح سياسي يطلق على الأحزاب السياسية، التي لا يمكن اعتبارها من ضمن جماعات اليمين السياسية التقليدية، التي تدعو إلى حماية التقاليد والأعراف داخل المجتمع. ويكمن الاختلاف الوحيد بين جماعات اليمين التقليدية أو المعتدلة وبين المتطرفة أن الأخيرة تدعو إلى التدخل القسري واستخدام العنف واستعمال السلاح لفرض التقاليد والقيم، ولذلك عادة ما ترفض تلك التيارات هذا النعت لأنها تزعم أنها تمثل الاتجاه العام وتنقل صوت الأغلبية. ففي ظل إدارة جديدة للولايات المتحدة تحسب على اليمين المتطرف بسبب توجهات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، نجد أن أوروبا على موعد مع تحولات سياسية تعصف بها باتجاه تيارات اليمين المتطرف، بالتزامن مع تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا”. فقوى اليمين المتطرف نجحت في تعزيز شعبيتها بالاستحقاقات الانتخابية في عدد من الدول الأوروبية مثل السويد وبريطانيا وفرنسا والنمسا وهولندا وسويسرا، فيما أصبح حزب يميني شريكا في الائتلاف الحاكم بالدنمارك. وبالنظر إلى أسباب تنامي ظاهرة صعود اليمين المتطرف، نجد أن قضية المهاجرين واللاجئين الذين يتدفقون إلى أوروبا سواء بشكل شرعي أو غير شرعي تمثل واحدة من أقوى الأسباب التي ساهمت في النزعة العنصرية. وهناك أيضا سبب يعزز من ارتفاع أسهم قوى اليمين المتطرف في أوروبا وهو عدم قدرة الأحزاب والتيارات السياسية التقليدية على تقديم الحلول أو البدائل الناجحة لتلك الإشكاليات، ما ساعد القوى المتطرفة على سحب البساط من تحت أقدام هذه التيارات، لاسيما ذات التوجه “اليساري” و”الاشتراكي” وأحزاب “يمين الوسط”. وبسبب عدم الرضا عن سياسات هذه الأحزاب التقليدية، بادر الناخبون الأوروبيون بانتهاج “التصويت العقابي” لصالح اليمين المتطرف نتيجة لعدم الرضا عن سياسات اليمين واليسار، ورفض الناخبين لبرامجهم أكثر من كونه قناعة ببرامج أقصى اليمين. واستغلت قوى اليمين المتطرفة هذه الحالة بتبني خطاب يربط المشكلات الاقتصادية والمالية وحتى الأخلاقية التي ظهرت في أوروبا منذ عام 2008 بالنواحي الأمنية والهجرة وتدفق اللاجئين والتهديدات الإرهابية، والترويج أن لديها الحلول لمعالجة هذه الأزمات المركبة. وظهر ذلك أيضا على المستوى الشعبي بعد أن شكل متطرفون في فنلندا جماعة يطلق عليها “جنود أودين” يجوبون الشوارع بحجة حماية المواطنين الفنلنديين من خطر المهاجرين وما أسموهم “الغزاة المسلمين”. كما شهدت ألمانيا تكوين مجموعة مشابهة تعرف إعلاميا بمجموعة “فرايتال”، وهي تدعي أن “الدولة عاجزة عن حمايتنا وأن مشكلة اللاجئين يجب أن نتولاها بأنفسنا”. لذا من المتوقع أن يكون أول المتضررين من تنامي ظاهرة اليمين المتطرف في أوروبا، هم العرب والمسلمون الذين سيضطرون لمواجهة متاعب جديدة وعديدة، كما أن مثل هذه الإجراءات تنذر بتوترات داخلية في أوروبا مستقبلا، نتيجة الخطاب العدائي والعنصري تجاه الأجانب والمسلمين، وهو ما يهدد أمن واستقرار الدول الأوروبية بشكل عام. ويشكل تنامي ظاهرة اليمين المتطرف أيضا خطراً على مشروع أوروبا الموحدة، الذي تسعى القارة إلى تحقيقه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أن الخروج البريطاني وشبح الخروج الإيطالي لا يزال يمثل النار تحت الهشيم.

 د. عبدالرحمن الشميري      

رئيس تحرير جريدة الوطن الإماراتية

التعليقات