جلد الذات

أطلق الفنان العبقري محمود حميدة جملة بليغة في فيلمه ملك وكتابة وهي (هو أنا مكنتش شايف ولا  أنا كنت خايف أشوف) والتي كانت سبباً في تخلصه من شرنقته ومحاولاته الهروب من أوجاعه إلى شخص يواجهها ويبدأ حياته بأفضل ما يكون.

فمن منا لا يحتاج إلى تلك الصحوة في حياته؟! فعلى مدار السنوات الخمس الفارقة في عمر مصر كم تابوهاً حطمنا؟! وكم رمزاً سقط؟! وكم مقدساً صار بشراً بيننا يخطئ ويصيب؟! ومن منا مازال يتخوف تلك العبارة ولا يواجه بها نفسه؟!

كم نحتاج إلى هذه العبارة لنوقظ أناساً من سباتهم الأفلاطوني؟! وكم نحتاج إليها مع بداية عام جديد نحاول أن نخطو فيه بخطوات هادئة وسط عالم يتسم بالجنون، حتى نضع كل شخص في محله الصحيح، فنخطئ حينما نسجن تلك العبارة في نماذج ضيقة، في الوقت الذي تنطبق فيه تلك الكلمات علينا في محل عملنا وفي إعلامنا الذي أجده المقر الرئيس لتلك العبارة ومعناها، حيث يغض النظر، على هواه، عن أمور معينة، ويفتح عينيه على وسعهما في أمور أخرى، فنجده فجأة يتحدث عن التعليم، وكيف ضرب هذا المدرس طفلاً من دون ذنب؟! وكيف تطاول طفل آخر على معلمته وأهانها؟!

وينفض المولد على لا شيء سوى أموال إعلانات ونسب مشاهدة عالية فقط لا غير، فهل إعلامنا (مكنش شايف ولا مش عايز يشوف) أساس المشكلة وجذورها حتى يضع يده على المرض ويجد العلاج بسهولة؟!

هل ما زال ساستنا لا يدركون حجم مشاكل مجتمعاتهم أم أنهم لا يجدون مربط الفرس لذا تجدنا نتيه وسط مشاكل تفصيلية لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تؤخرنا شهوراً وأحياناً أعواماً؟! ألم يدرك الساسة حتى الآن عاقبة تلك العبارة إذا هم تغاضوا عن مشاكل مجتمعاتهم واعتبروا أنفسهم (مش شايفين أو خايفين يشوفوا)؟! فلنتعظ ممن خاف أن يرى ولنجد في نهايتهم عبرة وعظة.

وإذا كان إعلامنا الهمام لم يدرك حتى الآن عاقبة انفصاله عن مجتمعاته وبحثه وراء الشهرة اللحظية على حساب القيم والمبادئ الإعلامية فستكون كارثة إذا استمرينا في وضع رأسنا في الرمال كالنعام، ورغم أننا دخلنا عاماً جديداً إلا أننا نجد بعض القنوات والبرامج تفتخر بما حققوه من أعمال في عام مضى، فأدعوهم إلى أن يقفوا بين يدي مجتمعاتهم ليحاسبوهم على ما قدموه من شعوذة ودجل وتخلف وشهوة وإثارة، لم نحصد منها سوى اللغط على فيسوك ولم يدخل لجيب هذا المجتمع معلومة مفيدة (بجنية).

 ماذا قدمتم لنا يا إعلامينا في قضايانا الملحة كترشيد الاستهلاك مثلاً لمواجهة واقع مادي للأسعار لن يتغير؟! بل ماذا قدمتم لنا لإصلاح منظومة التعليم؟! بل لماذا لم تطلقوا مبادرة (ثورة التعليم) والتي يطالب بها المجتمع ويتحدث عنها ليل نهار؟! أين أنتم من مشاكل المرأة؟! ألم تكتفوا بالمناظرات التي جعلتم فيها النساء والرجال كقضيبين متنافرين؟! أين أنتم من هذا وغيره الكثير والكثير؟! ألم تكسبوا الملايين في خمس سنوات هلك فيها المجتمع من تغيير الوجوه حوله والاضطرابات التي خسفت بالبعض بالأرض وأغلقت منازل وشركات من قطاع السياحة على سبيل المثال؟! لم تقدموا له أي مساعدة ليقف على قدميه، لم تقدموا لنا عفواً سوى الراقصات الوافدات علينا وكـأننا لسنا وطناً به ثلاثة أرباع الآثار القديمة في العالم بل كبارية كبير؟!!

أتعجب منك يا إعلامنا وبما نملكه من رموز إعلامية كنا نظنها تملك الخبرة التي تمكنها من مساعدة هذا المجتمع على عبور السنوات العجاف بأقل الخسائر وعلى الأقل بتقديم المعلومة لهم عن سنواتهم الحالية والمقبلة ليتهأوا لما هم فيه الآن! ولكنكم لم تقدموا لنا سوى مواضيع تقذف بالملايين في جيوبكم وجيوبنا خاوية على عروشها!

أؤمن بجلد الذات قبل أن يجلدنا الآخرون، وأن ننزف الدم السام ومعنا الترياق بدلاً من أن ينشر غيرنا غسيلنا، كما يقولون، فلعل البقية الباقية من إعلاميينا المحترمين يحتشدون ليكونوا كتفاً واحداً ضد إعلام الشعوذة والشهرة والإشاعات، ولنبدأ بالدعوة لإعلام لا يجامل الأنظمة السياسية ولا يهادن الفاسدين ولا يصاحب رجال الأعمال رغبة في البزنس، فالشعب لن يغفر لكم، فالمجتمع المصري كالجمل يتحمل فوق طاقته ولكنه لا ينسي.

نجوان ضبيع 

(كاتبة مصرية)

التعليقات