تجديد الخطاب الدينى بين الواقع والمأمول

تجديد الخطاب الدينى بين الواقع والمأمول

د. محمد يونس

يظل تجديد الخطاب الدينى مطلبا مستمرا وضرورة حياتية لتلبية حاجة مجتمعاتنا ليس فقط فى ظل التطورات المتلاحقة بمختلف شئون الحياة، وإنما أيضا لأن هذا المطلب ينبع أصلا من طبيعة الإسلام الذى ينطوى على دعوة مستمرة إلى التجديد، أصبحت أكثر إلحاحا اليوم بخاصة فى منطقتنا التى تشهد تطورات معقدة وتعج بتيارات دينية مختلفة.

ولكن تكتنف الدعوة إلى تجديد الخطاب عدة إشكاليات، بعضها يتعلق بمفهوم التجديد، وبعضها الآخر يرتبط بالموقف منه، فضلا عن غياب الاتفاق على منهج التجديد وأولوياته، الأمر الذى يحتاج إلى مناقشة مستفيضة وموسعة. وعلى الرغم من أن هذه القضية سبق طرحها مرات عديدة، من جانب المفكرين وعلماء الدين، إلا إنها قد اتخذت منعطفا مهما أخيرا وتحديدا منذ تولى د.أسامة الأزهرى وزارة الأوقاف حيث أكد مرارا أن تجديد الخطاب الدينى يتصدر اهتمامات الوزارة، ود. الأزهرى عالم متمكن يحسن الربط الصحيح بين الدين والحياة، والدين والعلم، ولكن عملية تجديد الخطاب الدينى تستغرق وقتا وتتشابك مع مجالات عديدة، ومع ذلك نلحظ أنه قد بدأت خطوات فى تحقيق هذا الهدف، الأمر الذى يغرينى بطرح رؤى فى هذا المجال بخاصة وأننى قد أنجزت دراسات حول الخطاب الدينى بعضها فاز بجوائز دولية وبعضها الآخر صدر فى كتب مطبوعة. فضلا عن أن هذه القضية بطبيعتها تتطلب تضافر جهود متعددة ومتنوعة فلا يمكن أن تضطلع بها جهة واحدة ولا فرد بعينه وإنما هى ثمرة عمل جماعى، بل إنها أصلا ترتبط بتجديد الأمة، أى تجديد البناء والدماء والمؤسسات والأطروحات.

إن التناول العلمى لقضية تجديد الخطاب الإسلامى تتطلب أن نضع فى اعتبارنا ثلاث نقاط، الأولى تتعلق بمفهوم التجديد، والثانية تستعرض ملامح الخطاب الإسلامى السائد حاليا من منظور نقدى، والأخيرة تطرح رؤية للتجديد تستجيب لتحديات الواقع وتستلهم آفاق المستقبل، فالأمة العربية والإسلامية اليوم بحاجة إلى خطاب دينى بنائى، يدفع إلى إدراك سُنن وقوانين التغيير الحضارى بما يعيد للمسلم فاعليته فى حركة المجتمع، بحيث يستجيب هذا الخطاب لتطلعات الشعوب العربية والإسلامية فى الحرية والنهضة والتقدم والمشاركة فى إنتاج الحضارة. ولا ينفصل عن معطيات العصر وأدواته.

وتكتنف عملية التجديد إشكالات، بعضها يتعلق بالإطار، والمنطلقات، وبعضها الآخر يتصل بالمصطلح، فمن حيث الإطار نرصد على الساحة اليوم أكثر من مدخل للتجديد، الأول متأثر بالنظريات الغربية التى تتعامل مع النص من منطلق تاريخى تتساوى أمامه نصوص الوحى مع النصوص البشرية، وبالتأكيد لا يمكن تجديد الخطاب الدينى من خارج الرؤية الدينية نفسها. والثانى تجسده بعض التيارات الإسلامية الخائفة التى ترفض فكرة تجديد الخطاب من أساسها، وترى أنها مؤامرة لتحريف الدين والقضاء على الإسلام.

والثالث: يرى أن تجديد الخطاب الدينى إنما يكون فى اجتهادات وأفهام رجال العلم والفِقْه والفكر، لنصوص القرآن والسنَّة، وهذا هو التجديد الذى يقبله العقل الإسلامى الوسطى. وفيما يتعلق بمفهوم التجديد، نلاحظ تباينا فى الآراء وتداخلا فى المفاهيم المتعلقة به وهنا ينبغى التمييز بين ثلاثة مصطلحات ترتبط بهذه القضية، هى: النص والفكر والخطاب، فالنص الدينى (القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية) ثابت وخارج مجال التجديد. ومن ثم فإن التجديد ينصب على الفكر والخطاب. الفكر الإسلامى يتعلق باجتهادات علماء المسلمين فى فهم نصوص الدين وتنزيلها على الواقع ويتمظهر هذا الفكر فى الكتب والندوات والأبحاث العلمية لعلماء الدين والمفكرين الإسلاميين، أما الخطاب الإسلامى فيتعلق بآليات نقل الفكر الإسلامى ومعالجته لغويا ودعويا وإعلاميا لكى يلائم الوسائل والتقنيات المستخدمة لتوصيله إلى الجماهير، سواء كانت هذه الوسائل مباشرة مثل خطبة الجمعة والدروس الدينية أو غير مباشرة مثل الصحف والإذاعة وقنوات التليفزيون والمواقع والتطبيقات الإلكترونية . فالخطاب الإسلامى هو الوجه الإعلامى للفكر الإسلامى أو التناول الاتصالى لهذا الفكر، ومن ثم فإن تجديد الخطاب الدينى ينبغى أن يسبقه غالبا تجديد الفكر وإن كانت هناك قضايا قد يكتفى فيها بتجديد الخطاب (الآليات) مثل فكرة عودة الكتاتيب، فإن هناك قضايا أخرى تحتاج إلى تجديد الفكر بجانب تجديد الخطاب مثل خطبة الجمعة والعديد من القضايا الأخرى .

التعليقات