كنت هناك

فى مثل هذه الأيام من العام الماضى كنت هناك فى الأماكن المقدسة لتأدية شعائر فريضة الحج، تلك الشعيرة الأعظم فى الإسلام، والتى تجتمع فيها شعائر الإسلام من صلاة، وتلبية ودعاء، وصدقات، ومناسك حج، وإنفاق فى سبيل الله، وإيثار، وغيرها من الفضائل الإسلامية العظيمة.

كانت أول زيارة لى للمشاعر المقدسة عام 2011، وقتها ذهبت إلى هناك بغرض تأدية الفريضة المقدسة، وفى عقلى الباطن «أن مرة واحدة تكفي»، ولم أكن أصدق ما يقوله البعض عن «الهاتف الداخلي» المتكرر والمتلهف إلى تكرار الزيارة فى العمرة أو الحج.

فى الحج تشعر بأنك فى يوم الحشر، وتشعر بتفاهة الدنيا وزوالها، وفى عرفات تقف ملفوفا بقطعتين من القماش فى زى أقرب ما يكون إلى «الكفن»، حيث يشترط البساطة وعدم التكلف والمساواة، بين بنى البشر جميعا من الحاضرين لا فرق بين ملك أو رئيس أو غفير، فالكل سواسية أمام الله سبحانه وتعالي، ولا فرق بين هذا أو ذاك إلا بالتقوي.

فى الحج «أنت ونيتك»، فإن كنت ذاهبا إلى الله ورسوله فلك ذلك، وإن كنت ذاهبا بغرض الوجاهة الاجتماعية أو غسل السمعة، فلك ذلك أيضا، ومن هنا تكون النية المخلصة هى الأساس فى تلك الفريضة العظيمة مثلها فى ذلك مثل كل القيم الدينية العظيمة الأخرى.

الحج هو أضخم مؤتمر سنوى عرفته البشرية فى تاريخها القديم والحديث على السواء، حيث يجتمع الملايين من كل فج عميق، ومن كل الجنسيات، ومن كل القارات، ويتحدثون بكل اللغات، ومع ذلك تراهم جميعا مثل «ملائكة الجنة».

الكل يتبارى لخدمة الآخر، ومساعدته قدر استطاعته، والكل يترفع عن الغرائز الدنيوية عن طيب خاطر وإيمان عميق، والكل ينفق بقدر استطاعته، وكل حاج يشعر بالرضا لمجرد إسعاد الآخرين.

على الجانب الآخر تبذل حكومة المملكة العربية السعودية جهودا خارقة للتيسير على حجاج بيت الله الحرام فى مكة والمدينة، ومني، وعرفات، والمزدلفة، وغيرها من الأماكن التى يجتمع فيها حجاج بيت الله الحرام، مما يسهم فى تيسير أداء المناسك، وتذليل الكثير من العقبات، وتوفير الرعاية الصحية، لكل هذه الأعداد الضخمة فى موسم الحج.

الحج شعيرة عظيمة ترتقى بالحاج روحيا، وإنسانيا، وتسهم فى تهذيب سلوكياته، وتزيد قدرته على قبول الآخر والاندماج معه، والإحساس بالمساواة والعدالة، بين جموع الحاضرين بلا استثناء.

المهم أن تتحول سلوكيات الحج إلى سلوكيات حياتية يومية فى التحمل والإصرار والرضا والترفع.

نقلا عن جريدة الأهرام

التعليقات