جهود الوصول إلى طاقة صديقة للبيئة بتكلفة ميسورة

جهود الوصول إلى طاقة صديقة للبيئة بتكلفة ميسورة

د. أحمد شاهين

مما لا شك فيه أن تغير المناخ وحماية البيئة يشكلان أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي، فقد أثرت المشكلات البيئية الراهنة على النمو الاقتصادي والصحة والرفاهية والأمن للبلدان حول العالم، لذا تضاعف الدول جهودها لتعزيز الوصول إلي طاقة صديقة للبيئة بتكلفة ميسورة عبر وضع وتنفيذ البرامج والسياسات والاستراتيجيات البيئية، لاسيما في ظل تواتر الآثار السلبية على النظام البيئي لكوكب الأرض، وهي معضلة متصاعدة المخاطر؛ حيث أن ارتفاع حرارة الأرض، وفقدان التنوع البيولوجي، وتآكل الغابات، والتصحر، وتزايد العواصف الرملية والترابية، وارتفاع معدلات التلوث تهدد السلم والأمن الدوليين خاصة في ظل ما ينتج عنها من صراعات على الموارد الطبيعية التي في طريقها نحو النضوب كالموارد المائية والأراضي القابلة للاستزراع وبالتالي نقص المنتجات الزراعية وآثارها السلبية على كفاية إنتاج الغذاء، الأمر الذي يزيد من حدة التوترات الاجتماعية والاقتصادية، وما يرتبط بتلك القضايا من نزوح جماعي للسكان في كثير من دول عالمنا المعاصر؛ مما يساهم في تقويض قدرة الدول على تلبية احتياجات مواطنيها وتزويدهم بالمتطلبات الأساسية مثل الغذاء والمياه والطاقة وغيرها ، وهو ما يؤدي بدوره إلى هشاشة الدول وتصاعد الصراعات الداخلية التي قد تمتد إلى التسبب في انهيارها ، ويتسبب أيضا في تراجع خطط العمل المشتركة التنفيذية الموجهة لإنجاز أهداف التنمية المستدامة والحفاظ على بيئة متوازنة.

واستنادا إلى ما سبق، فإن التغير المناخي وضرورة إيجاد مصادر جديدة للطاقة من أجل الحد من الاحترار العالمي يمثل تحديا خطيرا لاستقرار الدول وشرعية الحكومات؛ الأمر الذي يدعو الي ضرورة تعزيز الشراكات الدولية للقيام بدور محوري في التصدي لتلك القضية. إن السبيل الأساسي لذلك يبرز من خلال تعزيز الطاقة الصديقة للبيئة بتكلفة ميسورة وضمان الاستحداث والابتكار في مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة المائية والكهرومائية والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية وطاقة الرياح وغيرها، والتي تتمتع بخصائص مهمة تميزها عن مصادر الطاقة التقليدية كونها طاقة صديقة للبيئة لا ينتج عنها الغازات المضرة التي تزيد الاحترار العالمي، وهي طاقة نظيفة لا تنفذ، ومتاحه ويسهل تصنيع أدوات استخراجها في الدول النامية، غير أن تكلفة انتاجها منخفضة، وتساعد على خلق فرص عمل جديدة. وهو ما يدعو إلى ضرورة تعزيز العمل المشترك وتوزيع المنافع والأعباء والمسؤولية المرتبطة بتغير المناخ بشكل عادل ومنصف، فليس عدلاً أن تتحمل الدول جميعها الأعباء وبالحدة نفسها، كون الدول الصناعية الكبرى صاحبة السبق التاريخي في التصنيع، وبالتالي الإضرار بالغلاف الجوي وتتحمل معظم المسؤولية عن توليد الانبعاثات، في حين تعتبر الدول النامية الأكثر عرضة لتبعات ارتفاع درجة حرارة الأرض، والأقل قدرة على الوصول إلى الموارد والتكنولوجيا للتكيف مع عواقب التغيرات المناخية، ومن ثم ينبغي أن تتحمل الدول المتقدمة عبئا أكبر من تلك النامية أو الأقل نموا، بعدما أصبح جليا محورية دورها في هذه التغيرات المناخية وما لها من آثار واسعة النطاق علي النظام البيئي لكوكب الأرض.

أولاً الجهود الدولية للعمل المناخي وتعزيز الوصول إلي طاقة صديقة للبيئة بتكلفة ميسورة، وضمان الابتكار والمسؤولية، والإنصاف

لقد أدرك المجتمع الدولي عظم التحدي، فانطلقت الجهود متضافرة متكاتفة للحد والتقليل من هذه الآثار التي ستطول في المقام الأول سكان الكوكب الأكثر حرمانا وفقرا، والأقل استعدادا لمواجهة آثاره المدمرة. وبطبيعة الحال لم تقف الدول والمنظمات الدولية مكتوفة الأيدي أمام هذا التحدي الكبير وما ينطوي عليه من أخطار داهمة بعيدة المدى يشمل نطاقها العالم أجمع، لذلك تم إطلاق العديد من المبادرات، وعقد الكثير من المؤتمرات المتعلقة بتغير المناخ العالمي، وفيما يلي استعراض لأبرز هذه المؤتمرات والاتفاقيات الدولي.

-    تحويل عالمنا خطة التنمية المستدامة لعام ۲۰۳۰

تمثل هذه الخطة برنامج عمل لتحقيق حياة أفضل لكل البشر في بقاع الأرض كافة، وتشمل ۱۷ هدفا و ١٦٩ غاية، وهي أهداف وغايات متكاملة غير قابلة للتجزئة وتعمل على تحقيق التوازن بين الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبعد البيئي وقد أفردت الخطة هدفاً مستقلاً بشأن الطاقة الصديقة للبيئة، وهو الهدف الذي أشار إلى ضرورة توفير خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة بتكلفة ميسورة وتوسيع إمكانية الحصول عليها وتحسين كفاءتها وزيادة حصة الطاقة المتجددة، والتأكيد على الحاجة إلى زيادة التمويل وتبني تكنولوجيات جديدة. فضلا عن إفراد الهدف ۱۳ لتناول قضية تغير المناخ والاحترار العالمي وضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الأخطار المرتبطة بالمناخ والكوارث الطبيعية في جميع البلدان وعلى التكيف معها ، وإدماج التدابير المتعلقة بتغير المناخ في السياسات والاستراتيجيات والتخطيط على الصعيد الوطني، فضلاً عن تنفيذ ما تعهدت به الأطراف من البلدان المتقدمة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من التزام بهدف التعبئة المالية المشتركة لتلبية احتياجات البلدان النامية، في سياق إجراءات التخفيف المجدية وشفافية التنفيذ.

وعلاوة على ذلك نجد أن العديد من أهداف الخطة تؤثر على تغير المناخ وتتأثر به، فعلى سبيل المثال لن نحقق تقدما كبيرا في العمل المناخي دون الإسراع بتحقيق الهدف ١٢ بشأن إيجاد أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة؛ والهدف ١٤ الرامي لحفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام ؛ وكذا الهدف ۱۵ المعني بحماية النظم الإيكولوجية البرّية وترميمها وتعزيز استخدامها وإدارة الغابات على نحو مستدام، ومكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي وعكس مساره ، ووقف فقدان التنوع البيولوجي.

اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)

تم إعلانها عام ۱۹۹۲ في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، ودخلت حيز التنفيذ عام ١٩٩٤. وقد وقعت عليها ۱۹۷ دولة منها مصر، وهي الدول التي يشار إليها بأطراف الاتفاقية، وتهدف إلى تثبيت تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون إلحاق ضرر بالنظام المناخي، ودفع الجهود للحد من زيادة درجة الحرارة إلى ١،٥ درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي. وتعقد في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ مؤتمرات سنوية، وهي بمثابة الاجتماع الرسمي للأطراف المشاركة ويُطلق عليها ( مؤتمر الأطراف (COP لتقييم التقدم المحرز في التعامل مع القضية، ووضع التزامات ملزمة قانونا على الدول المتقدمة للحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري. وكان من أبرز هذه المؤتمرات COP21 الذي تم خلاله التصديق على اتفاقية باريس.

- اتفاقية باريس للمناخ

حددت الاتفاقية خطوات جادة لمواجهة قضية تغير المناخ. وتجدر الإشارة إلى أن تقارير المساهمات المحددة وطنياً يُظهر أننا لم نقترب من هدف الاتفاقية البالغ ١،٥ درجة بحلول نهاية القرن، حيث تشير البيانات إلى أنه لا تزال التخفيضات المجمعة للانبعاثات المخطط لها أقل بكثير من المستوى المطلوب.

هذا وقد وكان آخر هذه المؤتمرات COP27 في شرم الشيخ في مصر ۲۰۲۲، وانتهى إلى الموافقة على إنشاء صندوق تاريخي للخسائر والأضرار كجزء من خطة شرم الشيخ للتنفيذ بشأن تغير المناخ والتي توضح أن التحول العالمي نحو اقتصاد منخفض الكربون يستلزم استثمارات بما لا يقل عن ٤ 6 تريليونات دولار سنويا، لاسيما بعد الخسائر والأضرار المدرجة في جدول الأعمال، ولأول مرة سيشهد الصندوق الجديد مساهمة الجهات المانحة في صندوق عالمي لإنقاذ الأرواح وسبل العيش من الكوارث المرتبطة بتغير المناخ، كما شهد الاتفاق تجديد التزام الأطراف بالحفاظ على هدف 1،5 درجة مئوية لا رتفاع درجة الحرارة العالمية كما هو، وتحقيق تقدم كبير في جميع المجالات بشأن قضايا المناخ.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لازال الطريق طويلا أمام بناء أسس لشراكات قوية في مجال تعزيز الوصول إلى طاقة صديقة للبيئة بتكلفة ميسورة، وهو ما أكد عليه التقرير السنوي الثاني الصادر عن وكالة الطاقة الدولية بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا) لعام ۲۰۲۳؛ والذي أوضح أن الإجراءات التي تتخذها الحكومات والشركات بشكل فردي ضرورية، ولكنها ليست كافية. وركز التقرير على أهمية دعم تعاون دولي أقوى لتحقيق تخفيضات أسرع في الاحتباس الحراري العالمي والانبعاثات الغازية. ويُظهر تقرير هذا العام أن الجهود الحالية بشأن الطاقة النظيفة والحلول المستدامة، رغم تحسنها، لم تحقق بعد مستويات الاستثمار والانتشار المطلوبة، ودعا التقرير الحكومات إلى تعزيز التعاون فى المجالات الرئيسية؛ مثل المعايير والتنظيم،والمساعدات المالية والفنية وإنشاء الأسواق لتعزيز عملية التحول. كما يقيم التقرير السنوي الثاني التقدم المحرز منذ عام ۲۰۲۲ في المجالات ذات الأولوية للتعاون الدولي، ويضع سلسلة من التوصيات للدول للعمل معا في كل قطاع للمساعدة في تقليل الانبعاثات على مدى العقد المقبل ودرء أسوأ آثار تغير المناخ ويوضح التقرير كيف يتسارع التحول إلى الطاقة النظيفة والحلول المستدامة عبر العديد من القطاعات، مع توسع غير مسبوق في تقنيات مثل السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية الكهروضوئية. وفي حين أن الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة يفوق بشكل كبير الإنفاق على الوقود الأحفوري، لكن القطاعات الأخرى ذات الانبعاثات العالية والتي يصعب تخفيفها، مثل الصلب والهيدروجين والزراعة، لا تتحول بسرعة كافية على الرغم من التقدم المشجع في بعض المجالات.

وخلص التقرير إلى أنه في العام الماضي، لم يتم إحراز سوى تقدم متواضع في تعزيز التعاون الدولي في المجالات التي تشتد الحاجة إليها، وعلى الرغم من التقدم في توسيع نطاق المساعدات المالية المقدمة إلى البلدان النامية في بعض القطاعات، وفي مبادرات البحث والتطوير المشتركة، تظل هناك حاجة إلى مواءمة السياسات لخلق الطلب على التكنولوجيات النظيفة، وإقامة حوار حول التجارة في القطاعات التي من المرجح أن يكون لها أهمية بالغة في عملية التحول. وفي معظم القطاعات، لا تزال المشاركة في المبادرات الرائدة للتعاون العملي أقل من غالبية السوق العالمية، وأن هناك حاجة إلى قدر أكبر من الالتزام السياسي للتقدم من أشكال التعاون الأكثر ليونة، مثل تبادل أفضل الممارسات، إلى أشكال أكثر صعوبة مثل مواءمة المعايير والسياسات. وجدير بالذكر أن هذا التقرير يعد جزءا من دعم وكالة الطاقة الدولية للتقييم العالمي الأول لاتفاق باريس؛ والذي من المقرر الانتهاء منه في الفترة التي تسبق انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين لتغير المناخ COP28 في نهاية عام ،۲۰۲۳ ، وقد جاء نتاجا لطلب قادة العالم في مؤتمر المناخ COP26 لإبلاغ صانعي السياسات وقادة الأعمال والمنظمات المعنية بالطرق الأكثر فعالية لتعزيز التعاون في وعبر القطاعات الرئيسية المسببة للانبعاثات.

الحلقة القادمة: الجهود المصرية لتعزيز الوصول إلى طاقة صديقة للبيئة

التعليقات