الدور الإماراتي في التنسيق والتضامن العربي

الدور الإماراتي في التنسيق والتضامن العربي

د. صلاح الغول

تركزت أطروحة مقال الأسبوع الماضي على أنّ المتغيرات الدولية والإقليمية الجديدة التي يشهدها العالم العربي تستلزم تطوير رؤية عربية مشتركة للتعامل معها، وتتطلب بلورة تصور عربي مشترك تجاه الدول الإقليمية والكبرى.

وإذا جاز لي استعارة مصطلح "البلدوزر الإماراتي"، الذّي صكّه د. عبدالخالق عبدالله، أرى أنّ هذا البلدوزر مؤهل لقطر عملية التضامن والتنسيق العربي. وربما يتذكر القارئ الكريم أني أشرت من قبل إلى أنّ البعد القومي في السياسة العربية لدولة الإمارات هو بعد مهمل من جانب المراقبين. فدولة الإمارات تحرص على التشاور وتنسيق المواقف بين الدول العربية في القضايا العربية في ظل تنامي التحديات التي تواجهها جميعاً، وتجعل من تحقيق التضامن العربي وتعزيز العمل المشترك أولوية قومية معيارية في سياستها الخارجية. وهذا البعد القومي أرساه القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله، وسار على دربه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة حفظه الله، ويستند، ضمن عوامل أخرى، إلى رصيدٍ هائل من القوة الناعمة جعلت الإمارات البلد المفَّضل للشباب العربي للانتقال إليه والعمل والعيش فيه.

وتتمثل أولويات السياسة العربية لدولة الإمارات في دعم تسوية القضية الفلسطينية على أساس مبدأ الدولتين ودعم الفلسطينين سياسياً وإنسانياً واقتصادياً، والحفاظ على سيادة العراق وتكامله الإقليمي واستقراره السياسي وإعادة دمجه في النظام العربي، وعودة سوريا إلى الحاضنة العربية، ودعم استقرار السودان وتنميته والتسوية السياسية للصراع الأهلي الذي تفجر بآخرة هناك.

والشاهد على ذلك هو الدور الإماراتي في الأزمات والصراعات العربية، ولاسيما منذ 2011. بادئ ذي بدأ، فقد أعادت الإمارات هيكلة علاقاتها مع العراق بعد عام 2003 على أساس المصالح المتبادلة، وعلى أساس قومي يتلخص في أولوية الوقوف بجانب العراق في محنته. وفي هذا الخصوص، عملت الدولة على إسقاط جميع الديون المترتبة على العراق، والمشاركة في إعادة إعماره، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية معه، وبذلت مساعيها لرفع العقوبات الدولية عن العراق، وإعادة دمجه في الإطار العربي من خلال مشاركتها في قمة العلمين بمصر، في أغسطس 2022، وقمتي بغداد الأولى والثانية للتعاون والشراكة.

وخلال المحنة المصرية (2011-2013)، اتخذت الإمارات موقفاً حازماً في دعمها لـ"ثورة يونيو" 2013 وما تلاها من إجراءات سياسية، ووظفت قدراتها الاقتصادية والسياسية لتأمين تأييد دولي لها، وقدمت، ولاتزال، لمصر دعماً سياسياً هائلاً ومعونات اقتصاديةً سخيةً.

كما تُعد الإمارات أكثر الدول العربية دعماً لحل المسألة السورية واستئناف دمشق عضويتها “المُعلقة” في الجامعة العربية منذ 2018 غداة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.  

خلال السنوات العجاف التي اختبرها السودان منذ أواخر 2019، كان موقف دولة الإمارات ثابتاً: دعم استقرار السودان وتنميته، والتسوية السياسية للأزمة، ومساندة التوافق بين المكونين المدني والعسكري. وتبذل مساعيها حاليا سواء في الإطار العربي ولاسيما مع مصر أو الثنائي أو الرباعية الدولية، للوساطة لإنهاء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ولعل أحدث تجليات الدور الإماراتي هو وساطتها في تأمين وصول الجنود المصريين المحتجزين لدى قوات الدعم السريع للقاهرة.

والحقيقة أن المحور الإماراتي-المصري-السعودي من أهم أشكال العمل الجماعي الذي ترتاده الإمارات لمواجهة عوامل عدم الاستقرار في المنطقة، ولاسيما انعدام الاستقرار الاقتصادي، وتعزيز الروابط والتنمية الاقتصادية الإقليمية على نطاق أوسع، وإحياء النظام العربي.

ثم جاء انعقاد القمة العربية المصغرة في أبوظبي، في 24 يناير المنصرم، التي جمعت قادة الإمارات ومصر وقطر والبحرين وعمان، لإعطاء دفعة للعمل العربي المشترك، واستكمال أو استئناف جهود المصالحة القطرية-البحرينية التي بدأت في قمة العُلا (يناير 2021). وقد استدعى الجدل عن المحاور أو التجمعات العربية بمناسبة التئام هذه القمة، تدخلاً حاسماً من جانب معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، الذّي أكد أن ما يحدث في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من تجاذب حول محاور وتغيرات في السياسة العربية وضع غير صحي، ويفتح الباب للانقسام والفرقة، في الوقت الذي تحتاج فيه منطقتنا التكاتف والتضامن. وشدد المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة على أن توجه الإمارات أساسه وحدة الكلمة والصف.

والخلاصة، ان دولة الإمارات، برصيدها من القوة الناعمة لدى الشعوب والحكومات العربية، مؤهلة للقيام بدور قاطرة التضامن العربي؛ بما يسهم في تكوين رؤية عربية مشتركة للمتغيرات والتحديات والتهديدات على المستويين الإقليمي والدولي لتعظيم المكاسب وتقليل الخسائر العربية الجمعية.

التعليقات