أثبتت الأيام القليلة الماضية أن كورونا ليس مجرد فيروس اجتاح العالم، وحصد مئات الآلاف من الإصابات، وعشرات الآلاف من الأرواح، بل هو أيضاً فيروس إعادة موازين القوى في العالم، فقد نجح كورونا خلال أيام قليلة في أن يكشف للعالم ما كنا نعيش فيه من أوهام تحت مظلة القوى العظمى، فالدول العظمى في زمن كورونا ليست بجيشها الجرار، وعتادها العسكري، وهيمنتها على اقتصاد العالم، وغزوها واستعمارها لدول سالمة آمنة، بل هي تلك الدول التي تملك إنسانية حقيقية، وليست إنسانية تفرضها عليها السياسة والدبلوماسية،
وهنا لن أتحدث عن دول بعينها، أو شخصيات بعينها، ولكن سوف أتحدث عن دولة أعيش فيها هي دولة الإمارات العربية المتحدة، وما سوف أكتبه لن تقرأه في عناوين الصحف، أو في الأخبار المتداولة، لأنه الواقع الذي نعيشه هنا، الواقع الإنساني، الذي يلمسه من يعيش هنا فقط، لإنها دولة أفعال لا أقوال، يفعلون أكثر مما يتحدثون، ففي الوقت الذي يواجه فيه الوافدون أو الزائرون في كل دول العالم، مشكلات تتعلق باستمرار إقامتهم من منظور أنهم أصبحوا يشكلون عبئاً بشكل أو بآخر على تلك الدول،
يخرج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولي عهد أبوظبي عبر فيديو متداول في وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث فيه عن سعادته وتأثره بالمقيمين وهم يرددون النشيد الوطني لدولة الإمارات، ويقول"إذا كانت الأمم تتفاخر بأهلها وسكانها.. فنحن في الإمارات نفخر بمواطنينا والمقيمين على أرضنا ونتشرف بخدمتهم..ونحن محظوظون بوجودهم بيننا ومشاركتهم هويتنا".
وأكد بالغ سعادته وتأثره وهو يستمع إلى أهله من المقيمين وهم يرددون النشيد الوطني لدولة الإمارات ــ في وسائل التواصل الاجتماعي ــ خلال تنفيذ "برنامج التعقيم الوطني في مختلف مناطق الدولة".
ويقول في ختام كلمته "الله يحفظكم ويحفظ هذا البلد الذي تعيشون فيه وتخلصون له مثل أهله..وإن شاء الله نتجاوز هذه المرحلة بكم سالمين غانمين وموفقين".
وقال في فيديو آخر: "إن أهلنا من المواطنين والمقيمين أمانة في رقابنا"، وأنهى الفيديو بكلمة باللهجة المحلية تبعث الطمأنينة في روح كل من يعيش على أرض دولة الإمارات: "لا تشلون هم".
وليس هذا فقط بل هناك مبادرات فردية من مواطنين إماراتيين لمساعدة العمالة اليومية ممن تأثرت أعمالهم بفيروس كورونا، ومبادرات أخرى لإعفاء هؤلاء العمال من الإيجارات الشهرية، ومبادرات لحمايتهم من أصحاب العمل الذين يستغلون الأزمة ويقطعون الرواتب كاملة.
بل وأعلنت وزارتا الموارد البشرية والتوطين والصحة ووقاية المجتمع والهيئة الاتحادية للهوية والجنسية عن إعفاء العمالة المنتهية تصاريح عملهم من الفحص الطبي الخاص بهم مع إصدار وتجديد تصاريح العمل والإقامات تلقائياً.
وهناك مبادرات من رجال أعمال لا تُعد ولا تُحصى لمساندة الدولة في تلك الأزمة، حيث قرر رجال الأعمال تحويل الفنادق التي يمتلكونها إلى مستشفيات، وتحملوا أيضاً تغطية تكاليف تجهيزها بالمعدات والأجهزة اللازمة مع تسليمها للدولة لاستخدامها كحجر صحي للقادمين من الخارج.
في حين قرر أصحاب مراكز تسوق إعفاء مستأجري المحلات التجارية من الإيجار لمدة 3 أشهر.
وفي الوقت الذي تُشير فيه بعض الدول بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أن كبار السن لن يكونوا ضمن أولوياتهم، وأن الرعاية الصحية سيتم توفيرها للأطفال والشباب من الرجال والنساء، أصدرت وزارة تنمية المجتمع الإماراتية دليل الشباب للاعتناء بكبار السن أثناء انتشار الأوبئة، تصدره كلمة للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، قال فيها "هم كبار في الخبرة، وكبار في الخدمة لهذا الوطن، وكبار في النفوس، وكبار في العيون والقلوب"، ولم يترك الدليل كبيرة أو صغيرة تتعلق بكبار السن ورعايتهم إلا وتحدث عنها، حتى طرق إسعاد كبار السن لم يغفلها، واختتم الدليل بكلمة الشيخ محمد بن زايد "أوصيكم على أهلكم، أوصيكم على أهلكم، أوصيكم على أهلكم".
وفي مراكز التسوق التجارية ستجد في المداخل الرئيسة عشرات من الشباب المتطوعين في الهلال الأحمر الإماراتي، يوزعون كمامات واقية وقفازات، ويقيسون درجة الحرارة لكل زائر، وينظمون المسافة الآمنة بين المتسوقين.
وستشاهد الشيخ محمد بن زايد يفتتح بنفسه مراكز فحص كورونا من السيارة، والتي تضم حتى الآن أكثر من 13 مركزاً.
وستجد جهود الحكومة الإماراتية في كل مكان في الدولة، في الشوارع وداخل البنايات السكنية، وفي مراكز التسوق، وفي كل ما تقع عليه عينك ستجد كمامات واقية ومناديل معقمة وقفازات طبية وبخاخات مُعقمة.
قد يتصل بك أحد مراكز الفحص لإبلاغك أنك أحد المشتبه بهم بإصابتهم بكورونا، ويطلبون منك أن تذهب للفحص فوراً، ويبقى السؤال كيف يتم ذلك؟ والإجابة، أنهم يجرون عملية تتبع للحالات المصابة بالفعل، لمعرفة أماكن تحركهم فقد يكون شخصاً لا تعرفه، والتقيته في أحد مراكز التسوق، وتحدثت معه من خلال سؤال عابر، أو ربما يكون عامل أمن أو نظافة، أو بائع في أحد المحلات التجارية، وبمراجعة الكاميرات استطاعوا الوصول إليك من خلال بصمة الوجه، للتأكد من أن هذا الشخص لم ينقل لك العدوى.
ولن أتحدث عن تلك المبادرات الإنسانية التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة، لمد يد العون لدول من دون النظر إلى جنس أو دين أو لون، أو حتى توافق أو خلافات، ومساعدتها بالمواد الطبية ومواد الإغاثة والضروريات، ومنها ما نقلته طائرة تابعة للقوات الجوية الإماراتية من الإمدادات والمساعدات الإنسانية لإيران رغم ما يعلمه الجميع عن القضايا العالقة بين البلدين، وقبلها بأيام أجرى الشيخ محمد بن زايد اتصالاً هاتفياً بالرئيس السوري بشار الأسد وأكد أن سوريا لن تكون وحدها في هذه الظروف الحرجة، وأننا يجب أن نسمو بأنفسنا فوق القضايا الخلافية في هذة الظروف التي يمر بها العالم، إضافة إلى المساعدات الإنسانية الأخرى للصين، أفغانستان، باكستان، الصومال، كولومبيا، سيشل، إيطاليا وكازاخستان، وغيرها.
ومع بداية أزمة كورونا، شُيدت مدينة الإمارات الإنسانية لاستضافة رعايا أي دولة على مستوى العالم في حاجة إلى مساعدة أو مد يد العون، وأُرسلت طائرات مجهزة لإجلاء رعايا دول عربية، ونقلهم جميعاً إلى مدينة الإمارات الإنسانية في أبوظبي للتأكد من سلامتهم ووضعهم تحت الحجر الصحي 14 يوماً، بالإضافة إلى التعاون المشترك بين الإمارات ومنظمة الصحة العالمية لمواجهة فيروس كرونا على مستوى العالم، وأخيراً وليس آخراً إطلاق أول وأكبر مختبر حديث بقدرات معالجة فائقة لإجراء عشرات الآلاف من الفحوصات يومياً ليس في الإمارات فقط ولكن في العالم، وذلك لتلبية احتياجات فحص وتشخيص الإصابة بفيروس كورونا.
كلمة أخيرة:
خلال الفترة منذ عام 1968 حتى عام 1972 كانت الخطة الخمسية الأولى للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "رحمه الله"، وكانت أبوظبي في تلك الفترة تفتقد البنية التحتية والموانئ والجسور والمطارات والكهرباء، ومعظم أساسيات الحياة، ورغم ذلك قرر وقتها تخصيص ١٠٪ من ميزانية الخطة لمساعدة الدول النامية.
هذا هو المفهوم الأخلاقي والإنساني للعمل الخيري، والأسس الراسخة للأعمال التطوعية الذي أرساه الشيخ زايد "رحمه الله".
محمد منير
Chairman@mebusiness.ae
التعليقات