تجربة الإمارات والتصدي للفساد

تجربة الإمارات والتصدي للفساد

الباحث - عادل عبدالله حميد

تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة ونجاحها في الوقاية من ظاهرة الفساد والقضاء على جذوره بسياسات هادئة وبرامج نابعة من الموروث الثقافي والقيم والتقاليد العربية وقيم الدين الحنيف. 

اولاً : من حيث نشأة دولة الإمارات العربية المتحدة وتأسيس منظومتها السياسية 

على عكس معظم دول المنطقة التي تأسست فيها النظم السياسية بالقوة العسكرية، تأسست دولة الإمارات العربية المتحدة على أساس مدني ، بعيداً عن القوة العسكرية التي لم تكن لها وجود وقتذاك. 

وكان تأسيس الدولة وإجراء الترتيبات السياسية بالشورى والتراضي وقناعات مجتمعة وقيادية أرسى قواعدها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان " طيب الله ثراه " وإخوانه حكام الإمارات، بحكمة ورؤية ثاقبة للمستقبل، وجاء دستور دولة الإمارات العربية المتحدة واستقرت أحكامه لأكثر من أربعة عقود موثقاً نظام الحكم وتوزيع السلطات والثروات ومرسخا ً أسباب الأمن والاستقرار المستدام والعدالة والمساواة .

واصبح الاستقرار السياسي مدخلا نموذجياً للتنمية والبناء وتحقيق تطلعات المواطنين، بل واستباق رغباتهم وتمنياتهم المستقبلية . وبذلك انتفت أهم أسباب الفساد ألا وهو الفساد السياسي والانحرافات الشخصية والتنافس البغيض على السلطة وإساءة استغلالها بواسطة من يتولون زمامها .

ثانياً : من حيث الموروث الثقافي للمجتمع الإماراتي  

المجتمع الإماراتي مجتمع عربي إسلامي تشبع بالعادات والتقاليد العربية الحميدة النابعة من حياة البادية ومعاناة الصحراء.

تمسك المجتمع الإماراتي بروح الدين الحنيف ونشأ على القيم الأخلاقية الفاضلة النابعة من الأسرة والقبيلة حيث يحترم الصغير الكبير ويرحم الكبير الصغير ويفتخر كل فرد بوطنه وقبيلته وأسرته ويحرص على سمعتها. 

" الأبوية" في المجتمع الإماراتي حاجز ومانع للانحرافف. الحفاظ على سمعة الأسرة والقبيلة شأن يقدره الفرد في المجتمع الإماراتي. وقد حرصت الدولة منذ تأسيسها على تعزيز وترقية مثل هذه المقومات الحميدة وتعزيزها بالتركيز على القيم الأخلاقية، حتى أصبح تعلم الأخلاق والتدريب عليه من المساقات المدرجة في مناهج التعليم والتدريب. والمجتمع الإماراتي في مجمله يتسم بالتواضع والاحترام المتبادل بين جميع قطاعاته. 

أبواب كبار المسؤولين في القطاعين العام والخاص مفتوحة لعامة الناس، حكام الإمارات والوزراء كبار القادة يسيرون في الأسواق دون حراسات مدججة بالسلاح، التواصل بين أفراد المجتمع والقيادات العليا لدولة الإمارات العربية المتحدة وشيوخها الكرام لا حاجز يحجبه، المجالس المفتوحة مكان للشورى وتلقى الشكاوى والاستجابة الفورية للاحتياجات، الأمر الذي جعل المجتمع الإماراتي منظومة متجانسة ولا شك أن مجتمعاً هذا شأنه لا مجال فيه للانحراف ولا يتوفر فيه سبب للفساد .

ثالثاً : الأسباب الاقتصادية الدافعة للفساد 

الأسباب الاقتصادية للفساد في كثير من دول العالم كالفقر والعوز لدى بعض الفئات والطمع والجشع والسطو على المال بواسطة فئات أخرى ، تمت معالجتها في دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل ما أنعم عليها الله من خيرات وبفضل ما وهبها الله من قيادة راشدة سخرت تلك الخيرات والمكاسب الاقتصادية المتنوعة لخدمة المواطن والمقيم وكل من وطأت أقدامه أرض دولة الإمارات العربية المتحدة. القيادة السياسية الراشدة منذ تأسيس الدولة وضعت العدل والمساواة وخدمة المجتمع والنهضة الشاملة في المقدمة .

وفرت الدولة فرص العمل والحياة الكريمة والتعليم والصحة والمسكن وكافة أسباب الرفاهية، الأمر الذي جعل احتياجات المواطن المالية مستجابة. لا تنتظر الدولة سعي المواطنين وطلباتهم للحصول على مساكن أو أراضي سكنية أو معونات مالية طارئة بالطرق المنحرفة، بل تتقدم الدولة بخططها المدروسة لتمليك المواطنين كافة احتياجاتهم الحياتية دون وسيط أو عميل يكون طرفاً. في جميع الأوقات والظروف تقدم طلبات المواطنين واحتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية مباشرة إلى رئاسة الدولة والتي تجيب مباشرة بالتنسيق مع المواطن والجهات المعنية.

إن التوزيع العادل للثروة وحسن تدبيرها واستثمارها بواسطة الدولة لصالح المجتمع وحسن إدارة الموارد الطبيعية والاراضي والعقارات قفل الطريق أمام المضاربة والسمسرة في المكونات الرئيسية للاقتصاد الإماراتي مما جعل محاولات الانحراف المالي والفساد عيباً يتفاداه كل فرد في المجتمع الإماراتي .

رابعاً : دور البشر في الفساد 

الإنسان الذي يُعد مسؤولا عن ظاهرة الفساد في معظم دول العالم ، أخذت دولة الإمارات العربية المتحدة بيده بعيداً عن بيئة الفساد والانحراف . وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة الإنسان هدفاً وغاية واعتبرته الثروة الحقيقية .

سخرت الدولة منذ تأسيسها بناء الإنسان في المقدمة ، حيث يقول مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان " طيب الله ثراه " : " الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس المال والنفط ، ولا فائدة في المال إذا لم يسخر لخدمة الشعب ".

" عملية بناء الإنسان تعني في المحصلة النهائية بناء الوطن وغرس أعظم شراعه على شاطئ الحياة الحرة الرغد الآمنة المستقرة " 

وقد حملت الحكومات المتعاقبة مسؤولية تحقيق أقوال مؤسس الدولة على الواقع العملي . فجاءت الخطط الاستراتيجية والبرامج التطويرية تتبنى الاستثمار في الموارد البشرية هدفاّ من الأهداف المستدامة ، فتوفرت فرص التعليم المجاني داخل الدولة وخارجها كما توفرت فرص التدريب وبناء القدرات بمعدلات فاقت معدلات أكثر دول العالم تقدماً.

شمل الاستثمار في الموارد البشرية البناء السليم للأسر والعناية بالصحة وحقوق الطفل والتعليم النظامي والتربية وغرس القيم الأخلاقية والتحصين بتعاليم الدين الحنيف من خلال تعزيز مكانة دور العبادة وتحفيظ القرآن الكريم والتوجيه والإرشاد الديني ، كل ذلك كان مدعاة لبناء إنسان إماراتي مؤتمن على مصالح الوطن وعامر بالولاء واثق من نفسه ويقدم الخدمة بالرضا والتجرد وهو مؤهل لها ، وخاصة وقد توفرت له فرص الحياة الكريمة والتطوير الذاتي والتقدم المستدام نحو مستقبل أفضل . ولا شك أن بيئة الوظيفة العامة وحسن إدارة الاستثمار في الموارد البشرية قاد الموظف العام الإماراتي بعيداً عن دروب الانحراف الوظيفي والفساد .

خامساً : القوانين ونظم الإدارة 

للقوانين ونظم إدارة الدولة وخدماتها دور هام في الوقاية من الفساد . بادرت دولة الإمارات العربية المتحدة بسن تشريعات عقابية رادعة تحسباً لما قد يأتي به ضعاف النفوس من اعتداء على المال العام او إساءة استغلال السلطة الوظيفية الممنوحة لهم . كما بادرت الدولة بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية والاقليمية الرامية إلى مكافحة الفساد، وفرت الدولة وحدات إدارية وأمنية للمتابعة والتفتيش والرقابة والتدقيق السنوي على الأموال العامة كما سنت تشريعات خاصة تنظم شروط وواجبات وأخلاقيات المهن للموظفين العموميين مع وضع تدابير المحاسبة والمساءلة . وفوق ذلك كله حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة على تأمين استقلال القضاء بالقدر الذي كفل العدل والمساواة أمام القانون. 

استحدثت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة تنظيماً متطوراً للعمليات الإدارية والمالية وتقديم الخدمات وألزمت المصالح والوحدات الحكومية على تطبيق معايير الجودة العالمية والحصول على شهادات الايزو في مختلف تخصصاتها كما شجعت الحكومة التميز في الأداء على مستوى الوحدات والقطاعات الحكومية وعلى مستوى الأفراد بإطلاق جوائز متنوعة تتنافس عليها الوزارات والوحدات الحكومية والموظفين العموميين سنوياً تحت رعاية صاحب السمو رئيس الدولة الذي يمنح الفائزين الأوسمة والميداليات والحوافز المادية . وأضافت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة في عملياتها الإدارية والمالية التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات وحوسبة معظم الإجراءات الخدمية وفق برامج وأدوات ووسائط ذكية لا تسمح بالتلاعب أو تجاوز الإجراءات والضوابط والشروط المقررة لكل خدمة ذكية تقدم للمتعاملين مما انعكس إيجاباً على النزاهة والشفافية وحقق القضاء التام على فرص المحاباة او التمييز بين المتعاملين .

سادساً : ترسيخ أسباب السعادة 

العمل على إسعاد الناس وترسيخ أسبابه من المبادئ الأصيلة في سياسات الدولة منذ نشأتها الأولى ، إذ يقول مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "رحمه الله وأسكنه فسيح جناته " 

"إن التعاون بين البشر على الرغم من اختلاف الأديان والعقائد هو أساس السعادة والتعاون يجمع بين القريب والبعيد "

 تبنت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة سياسات واضحة ومعلنة لإسعاد الناس وفتحت مراكز متخصصة للسعادة كما ابتكرت لأول مرة في العالم وزارة للسعادة غايتها خدمة الإنسان وبنائه على أسس الاحترام وكفالة الحقوق وتعزيز القيم الأخلاقية الفاضلة وخلاصة القول إن الاستقرار السياسي والقيادة الرشيدة والحكومة النظيفة التي تسخر نفسها لخدمة الوطن والمواطن والعدالة والمساواة والبناء المعافى للإنسان والولاء الخالص والرضا والقناعة المجتمعية العامة هي المقومات والركائز التي حققت بها دولة الإمارات العربية المتحدة هذه المكانة العالمية المتقدمة في النزاهة والشفافية .

الكاتب والباحث الإماراتي 

عضو إتحاد كتاب وأدباء الإمارات 

عادل عبدالله حميد

التعليقات