الجرائم السايبرانية 

الجرائم السايبرانية 

الباحث - عادل عبدالله حميد

تتجه المجتمعات المعاصرة نحو مرحلة جديدة من مراحل نموها الاجتماعي والاقتصادي، مصحوبة بأنماط سلوكية مستحدثة تسندها المعلومات والبيانات السايبرانية المنقولة عبر الفضاء، ومن المؤكد أن العالم مقبلٌ على أكثر وأخطر مما نشهده اليوم بفضل تطور البيئة العالمية للتقنية العالية للمعلومات Global High Technology Environment التي يعيش فيها الإنسان المعاصر.

فالحاسب الآلي كمحور لهذه البيئة لم يعد استخدامه قاصرًا على الميادين العلمية والحسابية البحتة، بل أصبح الحاسب الآلي وتقنياته الحديثة عنصرًا أساسًا في كافة المعاملات والأنشطة التي يقوم بها الإنسان.

تعريف: الجرائم السايبرانية

«هي الأفعال المرتكبة بسوء النية لتسبيب كسب غير مشروع أو ضرر مادي ، معنوي او أدبي لأي شخص بإستخدام تقنيات الحاسب الالي وشبكات الإتصالات الأرضية أو الفضائية أو وسائط أي منها، بما في ذلك الدخول غير المصرح به على شبكات من الحاسب الآلي أو أجهزة أومعدات تعمل بتقنيات الحاسب الآلي وتقنيات الإتصالات  الإلكترونية المملوكة للغير».

وتتعدد أنماط الجرائم السايبرانية بتعدد مجالات استخدام الحاسب الآلي وتقنية المعلومات والاتصالات، وهي مجالات يصعب حصرها الآن، ناهيك عن المستقبل القريب الذي من المؤكد أن تكون فيه تقنية المعلومات والاتصالات السايبرانية هي الحاكمة لكافة المعاملات والأنشطة اليومية.

ومن المتوقع أن تتطور تقنيات المعلومات والاتصالات وأجهزة الحاسب الآلي بسرعة لا يمكن قياسها. 

ولا غرابة أن تنتشر وتتعدد أنماط الجرائم السايبرانية المصاحبة لهذه الثورة التكنولوجية بذات السرعة وفي مختلف الاتجاهات.

الأمر الذي يقتضي التعرف على أنماط تلك الجرائم والوقوف على أبعادها واتجاهاتها، ولاشك أن الاتفاق على مفاهيم الجريمة السايبرانية وتطوير القوانين الموضوعية والشكلية المتصلة بها، وتعزيز قدرات الاكتشاف والتحقيق وتطوير سياسات معالجة المذنبين فيها هو المدخل العلمي لمواجهة هذه الظواهر المستحدثة ومواكبة متغيراتها.

هنالك صعوبات عديدة ومتجددة تواجه القائمين على مكافحة الجرائم السايبرانية من حيث اكتشافها والتحقيق وجمع الاستدلالات اللازمة لإثباتها وكيفية مباشرة إجراءات الدعوى الجنائية فيها أمام المحاكم، ومعاملة المدنبين فيها لأسباب عدة أهمها: 

1.    جهل ضحايا الجرائم السايبرانية من المؤسسات والهيئات والأفراد بطبيعة الجريمة التي ارتكبت في حقهم، وعدم قدرتهم على اكتشاف التضرر وحجمه في الوقت المناسب، ويعزي ذلك للعمليات الفنية والتقنية التي تنفذ بها الجريمة. 

2.     الذكاء والقدرات العلمية التي يتميز بها مرتكبو الجرائم السايبرانية.

3.     عدم توفر  مختبرات الأدلة الجنائية الرقمية وبرامج الأدلة الاصطناعية Artificial evidence وخبراء الفحص الشرعي للحاسب الآلي Computer forensic experts  .

4.    تخلف أجهزة التحقيق الجنائي في مجال علوم الحاسب الآلي والتقنيات العالية.

5.    وقوع الجريمة السايبرانية بجهد أقل بالقدر الذي يقلل من فرص الاكتشاف رغم أنها تسبب خسائر كبيرة     

6.    امتداد الجريمة على نطاق واسع ومجالات غير محددة جغرافياً أو سياسياً cyber crime is borderless  

7.    ضعف الشراكة الدولية والإقليمية في التعامل مع الجرائم السايبرانية.

8.    انتقال آليات الجرائم السايبرانية إلى مجال الجرائم التقليدية. 

            9.    تنوع أنماط الجرائم السايبرانية بالقدر الذي يجعل النصوص القانونية تقف عاجزة عن مواكبتها.

فإذا أخذنا على سبيل المثال ما يُعرف الآن بالإرهاب السايبراني، نلاحظ العديد من أنماط الجرائم الناجمة عن استغلال الجريمة المنظمة  للتقنيات السايبرانية وشبكات الإنترنت ومنها: 

1     اختراق نظم الاتصال لأبراج المراقبة الجوية واعطاء أوامر من شأنها تسبب كوارث جوية.

2     استخدام بطاقات ائتمان مزورة لتمويل العمليات الإرهابية.

3     اختراق النظم المصرفية وتحويل الأموال.

4     تزييف العملات.

5     استخدام الهاتف النقال للإنترنت بأسماء مشفرة.

6     إرسال فيروسات تعطل نظم المعلومات الحكومية.

7     الدخول على أنظمة المستشفيات.

8     اختراق أنظمة الدولة واعطاء أوامر بإصدار شيكات أو تمويل أموال للأفراد مما يضر الاقتصاد القومي.

9     إتلاف نظم الضرائب الحكومية.

10     الاستيلاء على نظم الاتصالات أو تعطيلها.

11 الاستيلاء على الاتصالات الفضائية ونشر بيانات مضللة.

12  الاعتداءات السياسية السايبرانية     Political cyber attacks 

الأدلة الرقمية والجرائم السايبرانية:

إن الشرطة والقضاء في حاجة متواصلة إلى معرفة اللغة الجديدة للتمييز بين الأدوار المختلفة التي يمكن أن يلعبها الحاسب الآلي في مجال جرائم المعلوماتية، إذ أن معرفة اللغة الدقيقة ضرورية لتطوير فهم أعمق عن الكيفية التي يسهم بها الحاسب الآلي في الجريمة.

ومع الانتشار السريع لجرائم الحاسب الآلي تتزايد حاجة رجال الشرطة والقضاء إلى فهم كيفية التمييز بين أنواع جرائم العصبيات التي بدأت تتشعب وتتعقد كل يوم.

فاللغة الدقيقة وحدها هي التي تساعد رجال القانون على التعمق في استراتيجيات التحقيق وجمع الأدلة الجنائية الرقمية.

على سبيل المثال – أسلوب التحقيق في جريمة الدخول غير المشروع على الحاسب الآلي يختلف كثيرًا عن أسلوب التحقيق في جريمة قتل توجد لها أدلة رقمية مخزنة في الحاسب الآلي أو منقولة عبر شبكة المعلوماتية.

إن الدور الذي يلعبه الحاسب الآلي في الجريمة هو الذي يحدد الكيفية التي يستخدم بها الحاسب الآلي في الإثبات.

ضحايا الجرائم السايبرانية

  ضحايا الجرائم السايبرانية قطاع واسع من المجتمعات الحضرية بأطفالها، نسائها، مؤسساتها الاجتماعية والاقتصادية، بنياتها التحتية وقيمها وتقاليدها.

ضحايا الجرائم السايبرانية قطاع بلا حدود شخصية أو اقليمية، قد لا يكون الضحايا على علم بما أصابهم من ضرر مادي أو معنوي . 

وقد لا يدرك الضحايا طبيعية النشاط الاجرامي السايبراني في الغالب، بحكم التعقيدات الفنية أو جهل الضحية بالعلوم الحديثة وتقانة المعلومات.

سحب درهم واحد أو فلس من حساب الضحية شهرياً، قد لا يعني شيئاً بالنسبة للفرد، بينما تكرار السحب من عملاء أي بنك ولمدة أعوام يُعد ضرراً اقتصادياً كبيراً .

بهذه الخصائص يشكل ضحايا الجرائم السايبرانية عبئاً على نظام العدالة الجنائية وتدابير الوقاية منها.

الضحايا هنا لا يسهمون في اكتشاف الجرائم أو التحقيق فيها وقد لا يصلحون للمثول أمام المحاكم لتقديم أدلة تساعد على تحقيق العدالة الجنائية، وهم فوق ذلك قد يسهمون عن جهل في مساعدة مرتكبي الجرائم واخفاء آثار الجريمة وتخريب الأدلة الرقمية .

(1) هنالك قناعة عامة بوجود مخاطر أمنية متزايدة للجرائم السايبرانية Cybercrime، فهي ليست قاصرة على جرائم الحاسب الآلي والإنترنت، بل تمتد لتصبح عنصرًا أو أداة في مختلف أنماط الجرائم التقليدية والمستحدثة. فالجرائم السايبرانية – بالإضافة إلى الخسائر المالية الكبيرة التي تسببه لمؤسسات القطاع العام والخاص – أصبحت تلحق أضرارًا بالغة بالمجتمعات المحافظة.

ولعل من مقتضيات مواجهة هذه الظاهرة الإعداد العلمي لأجهزة العدالة الجنائية وتزويدها بالمعرفة الفنية والقانونية ذات العلاقة بهذا النوع من الجرائم.

(2) مع تزايد أنماط الجرائم السايبرانية تتضاعف حالات لجوء المحققين ورجال الشرطة والقضاء إلى خبراء الحاسب الآلي والإنترنت للاستعانة بهم في كشف غموض المعلومات والأدلة الجنائية الرقمية الآخذة في الانتشار.

ولكن مع مرور الزمن سوف تصبح الأدلة الجنائية الرقمية جزءًا أو عنصرًا من عناصر الجريمة بمختلف أنواعها، عندئذٍ لن يتمكن خبراء الحاسب الآلي والإنترنت من تقديم العون لأجهزة العدالة الجنائية، الشيء الذي يقتضي الشروع في إعداد رجال الشرطة والنيابة العامة والقضاء بالكيفية التي تمكنهم من التعامل مع الأدلة الجنائية الرقمية، والتي لا غنى عنها.

وذلك بتطوير أسس وقواعد ومهارات التحقيقات الرقمية.

(3) تعتبر الأدلة الجنائية الرقمية الناتجة عن التحقيقات الرقمية من أكثر أنواع الأدلة المادية وفرة وثباتـًا.

وهي مخزنة في الأجهزة الرقمية المختلفة أو منقولة عبر شبكات الاتصال وتشكل ثروة للعدالة الجنائية متى أحسن استغلالها.

(4) للأدلة الجنائية الرقمية حجية في الإثبات أمام المحاكم المدنية والشرعية، لما لها من أسس علمية مؤهلة نالت بها الثقة والمصداقية.

فالنظرية الرقمية مصدرها علم تقنية المعلومات الذي فرض نفسه على الإنسان بإنجازاته الملموسة، شريطة أن تستوفي المعايير الدولية المنظمة لها.

(5) يتطلب التعامل مع الأدلة الجنائية الرقمية معرفة تامة بأصولها ونظرياتها وتقنية المعلومات.

كما يتطلب مبادئ جديدة للبينة وتشريعات تنظم إجراءات جمع وتأمين هذا النوع من الأدلة ، بالقدر الذي لا يتعارض مع الحقوق الدستورية وسرية المعاملات الفردية.

(6) تتجه المختبرات الجنائية الحديثة نحو استخدام التقنية الرقمية في التعامل مع الأدلة المادية المعروفة كالبصمات ، الآثار البيولوجية وغيرها، عليه من باب أولى الاتجاه نحو تطوير استخدامات الأدلة الجنائية الرقمية باعتبارها أداة المستقبل لتحليل الأدلة المادية و كشف الجرائم السايبرانية.

ثانيا: التوصيات 

• إنشاء مختبرات الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence Laboratory وتعميم الاستفادة منها للتعامل مع الأدلة الرقمية.

     • جعل ثقافة الأدلة الرقمية جزءًا من تدريب وتكوين رجال تنفيذ القوانين وخاصة الشرطة والقضاء.

• تعزيز التشريعات المنظمة للتعامل مع الأدلة الجنائية الرقمية.

• تحقيق التعاون والتنسيق بين أجهزة العدالة الجنائية وشركات تقنية المعلومات والاتصالات.      • توعية الجمهور بدور التحقيقات الرقمية والأدلة الجنائية الرقمية في تحقيق العدالة الجنائية.

     • تأهيل وكلاء النيابة في مجال الأدلة الرقمية.

• تأهيل القضاة لفهم كافة المسائل المتعلقة بالأدلة الرقمية وكيفية التعامل معها داخل قاعات المحكمة.

• تمكين أعضاء الشرطة إكتساب المعارف المتصلة بالأدلة الرقمية.

• تأهيل أعضاء الدوريات والتحريات على التعامل مع الادلة الرقمية في مسرح الجريمة.

• إعطاء الأولوية لبناء قدرات محللي الأدلة الرقمية وخبراء الفحص الشرعي للحاسب الآلي وملحقاته.

• تطوير وتصميم برامج نموذجية لتدريب وبناء قدرات المحللين للادلة الرقمية.

• الإهتمام بتوفير أجهزة التدريب وتقنيات الفحص الشرعي للحاسب الآلي ومتابعة مستجداتها .

• متابعة تطوير قانون الامارات العربي الاسترشادي المعتمد من قبل جامعة الدول العربية .

التعليقات