يمكننا أن نطلق عليه لقب الموسوعة المتحركة، فهو يحمل أعلى الشهادات الجامعية من أكبر الجامعات ولكنه لم يعمل بها .. هذا هو حال المواطن الإماراتي، عثمان الفلاحي، في حياته، فهو يحمل درجة عليا في التسويق، لكنه تخصص في الزراعة في الحياة العملية، يعمل في بلدية أبوظبي، ويهوى صناعة اليخوت والقوارب السريعة.. استطاع عبر ثماني سنوات أن يكمل ما انتهى إليه الفراعنة في مجال الزراعة، بل إنه قدم للعالم أحدث نظام زراعي صديق للبيئة، يستطيع من خلاله أن يصل لحالة الاكتفاء الذاتي لجميع المنتجات الزراعية.. التقيناه في مقر هوايته بمارينا البطين بأبوظبي، وكان لنا معه هذا الحوار:
في البداية حدثنا عن نفسك؟
اسمي، عثمان صالح زايد الفلاحي، موظف حكومي منذ عام 1989 ببلدية أبوظبي، وسافرت لأمريكا لتكملة الدراسات العليا في التسويق، وتخرجت عام 2000، ومن ثم عدت مرة أخرى للعمل بقسم الرخص التجارية بالبلدية، ومن ثم انتقلت إلى مصنع أبوظبي للسماد وعملت فيه لمدة ثلاث سنوات، ومنه جاءتني فكرة مشروع الزراعة على ممرات المياه الاصطناعية، حيث كان المصنع يستقبل المخلفات الزراعية الفائضة بالإمارة، وخطرت علينا فكرة إعادة تدويرها إلى أسمدة، فكان دخل المصنع يصل إلى 90 مليون درهم، الأمر الذي جعل المصنع عبئاً على الدولة لأنه لا يدخل مدخلاً يغطي التكلفة، وقتها قمنا بشراء معامل وأدوات لإعادة التدوير من أمريكا، ومن ثم نشأت لديَّ فكرة تطوير المزارع، فكانت المشكلة الأساسية هي المياه، ومن ثم توصلنا إلى مشروعات عديدة.
متى بدأت تطبيق هذا المشروع؟
بدأنا العمل في النظام الزراعي المائي منذ ثماني سنوات تقريباً، وقمنا بالاستعانة بشركة أسترالية لاستحداث وتطوير المزارع القائمة، وبدأنا بمشروع GRS System ، وكان عبارة عن مصنع مختص بالزراعة.
لماذا تطلق على مشروعك كلمة (مصنع) رغم أنه يختص بالجانب الزراعي؟
الجميع يناقشني في هذه النقطة، ويتساءل البعض لماذا تصر على إطلاق كلمة مصنع؟ وعن طريق شرح مراحل هذا المشروع، من خلال طريقة صنع الهيكل الذي تتم عليه عملية الزراعة، أو ما نطلق عليه الماكينة والتي تحمل قرابة الـ 18 ألف شتلة، يمكننا أن نقول أننا في مصنع، وفي حالة الرغبة في زراعة الكمية السابقة سنحتاج إلى أكثر من عشرين مزرعة لزراعة الكمية نفسها، فالمشروع يوفر المساحة الزراعية.
- هل تعني أن الفائدة من هذا المشروع تتمثل في توفير المساحات الزراعية؟
ليس هذا فقط، فقد أثبت النظام الزراعي المبتكر أنه يوفر المياه المهدرة بنسبة تتراوح من 60 إلى 80%، أي أنه يوفر مبالغ طائلة على الدولة، كما أستطيع من خلال هذا المشروع توفير الطاقة الكهربائية، والتي نستخدمها في الإضاءة وأجهزة التبريد، وكذلك التحكم في عملية الإنتاج، كما أن هذا المشروع صديق للبيئة، فهو يمنع حدوث تسربات كيميائية للتربة والمياه الجوفية، وبالتالي يتخلص من أمراض التربة، والتي تصل نسبتها إلى 80%، كما يعد الإنتاج الصادر من هذا المشروع أفضل من منتجات الأورجانيك، فالشتلة لا تلامس التربة؛ ولذلك لا تتعرض لأية أمراض أو أتربة، وبذلك نكون قد تخلصنا من متاعب المبيدات الحشرية، وكذلك أثبتت تجاربنا بأن الزراعة في النظام المبتكر أكثر من الناحية الإنتاجية، مقارنة بالطرق التقليدية، والتي تستهلك 60 ألف جالون من المياه، مقارنة بالنظام الحديث، وهذه الكمية تسمح لي بزراعة مليوني شتلة في الموسم الواحد، ومن ثم نبيع الشتلة الواحدة بمبلغ يتراوح ما بين 3 دراهم و6 دراهم، أي أن الواحدة تكلف 7% من قيمة الإنتاج.
- ما السلبيات التي تشوب هذا المشروع؟
المشروع ناجح بنسبة كبيرة، لكن له سلبية واحدة، تتمثل في ارتفاع تكلفة إنشائه، وهو الأمر الذي يحد من انتشاره بالإمارات، حيث تصل تكلفة الماكينة الواحدة إلى أكثر من 12 مليون درهم، وتقبع على مساحة 10 آلاف متر مربع.
- هل فكرة المشروع إماراتية؟
الفكرة أسترالية، لكننا قمنا بتطويرها وإضافة تعديلات كثيرة عليها، وكانت المكائن صغيرة جداً، وتستخدم على نطاق ضيق عندهم، وفي الحقيقة الفكرة فرعونية المنشأ، ومن ثم أخذها اليهود، ثم قام الأستراليون واليابانيون بتطويرها.
- هل يغطي حجم إنتاج المشروع التكلفة؟
نعم؛ يغطي الإنتاج التكلفة، وقد كان هذا غير متوقع في البداية، وبلغة الأرقام يمكن للمزرعة الواحدة أن تضيف تقريباً من 396 ألف درهم إلى 888 ألف درهم، ولكننا نهدف إلى زيادة رقعة المشروع ليغطي جميع أنحاء الدولة، وقد استهدفنا تغطية قرابة 50 ألف مزرعة بالدولة، وهذا يعني أننا نحتاج إلى ميزانية كبيرة لتغطية هذه المزارع، ناهيك عن أن90% من المزارعين سيرفضون الفكرة، إلا في وجود دعم الجهات الحكومية.
- هل يعني ذلك فشل مشروع GRS System؟
أستطيع القول إنه لم ينجح بنسبة كبيرة، وذلك بسبب دراسة الجدوى التي قدمها لنا الأستراليون، والتي لم تكن على قدر كبير من الصحة والجدية، وهي أن الفدان ينتج من سبعة إلى تسعة أطنان أسبوعياً، وفي الحقيقة لم نصل حتى لنصف الرقم، كما وعدونا بأنواع لمحاصيل معينة مثل الخس الأوروبي بأنواعه، ولكن لضعف الإنارة وأشعة الشمس لم يكن المنتج بالمستوى المطلوب، الأمر الذي أجبرنا على التفكير في تعويض الخسائر، وقمنا باختراع نظام جديد مبتكر اسمه النظام الهرمي، وهو مشروع لا يحتاج إلى مكائن أو صيانة ولا يزيد من أعباء التكلفة المادية.
- نريد أن نتعرف أكثر إلى مشروع النظام الهرمي؟
هو عبارة عن ممرات مائية "أنابيب" من نوعية معينة، يتم فيها زراعة الشتلات ونطلق عليها A Frame، وتبلغ تكلفتها مليون درهم فقط، ويتميز هذا المشروع بأن حجم الإنتاج يزيد بالمقارنة مع مشروعgrs system؛ لأن المتر المربع يحمل أكثر من عشرين شتلة، أي أن الفدان الواحد ينتج عشرين ضعف العادي، ومن المعروف أن المتر المربع في الأراضي العادية يحمل شتلة واحدة فقط، وهنا لا نحتاج إلى إجراء عمليات تعقيم للأرض عقب حصاد الشتلات، ويمكنني استغلال الفترة الزمنية التي تعقب الحصاد في زراعة شتلات أخرى.
- ما هي طريقة الري المستخدمة في هذا المشروع؟
نقوم بتمرير المياه في نظام الممرات المصنوعة من مادة الـ PVC، من خلال دفع 24 ألف لتر من المياه يومياً بهذه الممرات، ويضاف إليها العناصر المذابة على حسب حاجة المنتج الزراعي أو على حسب الحاجة والاستهلاك، وهذه العناصر تشمل نترات الكالسيوم، نترات البوتاسيوم، فوسفات البوتاسيوم وكبريتات المغنسيوم.
- ما حجم المزارع التي تستخدمها للمشروع؟
المزرعة تتكون من ثلاث صالات، في كل صالة ثلاثة أقواس، ويبلغ مساحة القوس الواحد 308 أمتار مربعة، نزرع 3000 شتلة من محصول الخيار في الصالة الأولى، وتنتج من أربعة إلى ثمانية كيلوجرامات في الشتلة الواحدة، أما الصالة الثانية فنستطيع زراعة 3000 شتلة من محصول الطماطم، تنتج من 12 كيلوجراماً حتى 24 كيلوجراماً للشتلة الواحدة في السنة، وأخيراً الصالة الثالثة فنزرع فيها 30 ألف شتلة من محصول "الخس"، وتنتج ما يقارب من ست إلى ثماني حبات في الشتلة الواحدة بالسنة.
- كم يبلغ تكلفة هذه المزارع؟
المزرعة الواحدة تكلف 663 ألف درهم، وتحتوي على ثلاث صالات، مكونة من تسعة أقواس، ومجهزة بجميع الأنظمة الزراعية وبضمان لمدة ثلاث سنوات، أما الممرات فلها ضمان لمدة عام واحد فقط.
- بدأت هذا المشروع منذ ثماني سنوات.. هل أضفت خلال هذه الفترة تعديلات عليه؟
خلال السنوات الثماني كنا نهدف إلى النهوض بهذه الفكرة وتطبيقها، والحمد لله أن التطوير تمثل لنا في نجاح المشروع وزيادة كمية الإنتاج، وحصلنا على جائزة أفضل نظام زراعي من المنطقة الغربية.
هل مازال الفريق الأسترالي يتحكم في عملية الزراعة؟
عقب استقرار المشروع بالإمارات، قمنا بتوطين العمالة لدينا، حتى بلغت نسبة التوطين100%.
لماذا لم يتم تعميم المشروع في الدولة؟
هذا السؤال أسأله للجميع!! المشروع يحتاج إلى إعلان أو جانب تسويقي جيد، والإعلان قد يزيد من كمية الطلب، وهو أمر لا أستطيع أن أتحمله بمفردي، أو بمعنى آخر لن أستطيع أن أجاري حجم الطلب الذي سيأتي عقب الإعلان عن المنتجات.
ولماذا لا تزيد مساحة مشروعك الزراعية؟
هناك الكثير من المعوقات التي ستقف أمامي، فمن البداية لم أكن أخطط لبيع الخضار، وإنما لإنشاء هذه الفكرة، ومن ثم إنشاء جمعية خاصة للمزارعين، إضافة إلى التكلفة المادية، وأعكف حالياً على إعداد دراسة شاملة لهذا المشروع لأقدمها إلى الجهات المختصة، ومنذ فترة قريبة لجأت لصندوق خليفة، وقد مدني ببعض الأفكار الخاصة بالمشروع.
- هل استفدت من مجال دراساتك العليا في هذا المشروع؟
استفدت قليلاً في التسويق وتقديم الدراسات الخاصة بتطوير المشروع، لكن خبرتي في الزراعة هي التي قدمت لي الفائدة في تطوير المشروع.
- كم يبلغ حجم العمالة في المشروع؟
هناك أكثر من 36 عاملاً في المزرعة الواحدة، ومن الممكن تقليص العدد، ولكن نحتاجهم في مجالين، الأول مجال تركيب المعدات والثاني هو مجال الزراعة، وهناك عائق يواجهنا في هذا المجال، وهو قلة خبرة العمالة الموجودة أو المستقدمة من الخارج، وفي بعض الأحيان يأتي إلينا العامل من دولته على أساس أنه مزارع، ولكن أكتشف أنه لا يملك أدنى خبرة في هذا المجال، ومن ثم يكلفني قرابة العامين كتدريب، وعقب ذلك ينتقل للعمل في مجال آخر.
- ما الهوايات الأخرى التي تمارسها بجانب عملك؟
سابقاً، كنت رياضياً نشيطاً أشترك بسباقات الدراجات المائية .. وأعشق هواية صنع القوارب، وأصنع القوارب السريعة والبيوت العائمة، وقمت بتصنيع أكبر المنازل العائمة في الشرق الأوسط، والمصممة للإبحار في المياه الضحلة أو القنوات المائية العميقة، ويأخذ صنع البيت الواحد من ثمانية أشهر وحتى سنة ونصف، وقد تصل التكلفة إلى 6 ملايين درهم، وتعتمد قيمة التكلفة على التأثيث والديكور والمحركات.
وأعد دراسة لإنشاء مطعم عائم على شكل صدفة أو محارة، وهناك فكرة لمستشفى عائم، وهي فكرة نابعة من المشاكل التي تواجهنا في البحر، ويمكنه الإبحار في المياه الضحلة وهو صديق للبيئة، فالفكرة تعتمد على تكرير المياه، كما أنها تحمي مياه البحر من المخلفات البشرية من خلال معالجتها، ولا تحتوي على بنية تحتية، وتبلغ سرعة المستشفى العائم 25 عقدة أي 55 كيلومتراً، أي يمكنه الوصول لمدينة المرفأ في 6 ساعات.
التعليقات