بالتزامن مع تأجج الجدل في الشارع التركي حول مشروع قناة إسطنبول، أصدرت حكومة حزب العدالة والتنمية، قرارًا بحظر الاستعلام عن البيانات الخاصة بالسجل العقاري، وذلك بعد أن انتشرت ادعاءات حول شراء الشيخة موزة؛ والدة أمير قطر تميم بن حمد آل ثان، أراضيَ شاسعة بلغت مساحتها 44 دونمًا، تطلّ على المسار الذي ستمر منه القناة الجديدة.
الشيخة موزة التي بدأت في جمع وشراء الأراضي بعد شهرٍ ونصفٍ فقط من تأسيس شركةٍ برأسمال يبلغ 100 ألف ليرة تركية، في بلدة "باشاك شهير" الواقعة في الشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول، لها شريكتان هما: منيرة ابنة ناصر المسند، زوجة وزير الداخلية القطري السابق عبد الله بن حمد العطية، وشنا ابنة ناصر المسند.
الشرارة الأولى لتلك الأنباء، جاءت على صفحات صحيفة "سوزجو" التركية المعارضة للحكومة، في خبرها المنشور بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم؛ حيث كشفت أن العائلة الحاكمة في قطر اشترت أراضي مطلة على المسار المقرر لمرور قناة إسطنبول.
لم يمر الكثير، وإذا بحكومة حزب العدالة والتنمية تصدر قرارًا بعد يومين فقط من نشر الخبر بحجب خدمة الاستعلام العقاري الخاصة برئاسة إدارة السجل العقاري التابعة لوزارة البيئة والتخطيط العمراني، اعتبارًا من 31 يناير/ كانون الثاني.
أما عن سعر المتر المربع للأراضي في تلك المنطقة، فقد كان في حدود 300 ليرة تركية بالنسبة للأراضي المباعة بتاريخ 27 ديسمبر/ كانون الأول 2018، في قرية "باقلالي" التابعة لبلدة "أرناؤوط كوي"، ولكن يقال إن السعر ارتفع للضعف تقريبًا في هذه الأيام.
ويتحدث الخبراء والمتخصصون عن أن الأسعار ستتضاعف بشكل أكبر مع الإعلان عن مخططات الإعمار الجديدة التي ستتم عقب دخول مشروع قناة إسطنبول حيز التنفيذ.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعرب عن استغرابه وعدم فهمه لردود الفعل المنتقدة والغاضبة من شراء الشيخة موزة للأراضي في تركيا، وقال: "هل هناك أي تشريع أو قانون يمنع شراء والدة أمير قطر عقارات في بلدنا؟ أي أنه لن يصدر أحد صوتًا إذ جاء جورج وهانس أو غيرهم من أي مكان للشراء. والواقع أن أمير قطر نفسه له ممتلكات لدينا أيضًا".
ومع أن أردوغان يصف مشروع قناة إسطنبول بأنه أكبر مشروع عملاق سيكون مكسبًا كبيرًا لإسطنبول، إلا أن المعارضة وكذلك منظمات المجتمع المدني وقطاع كبير من الشعب تعترض عليه انطلاقًا من أنه مشروع يهدف إلى تحقيق الريع فقط مخلفًا ورائه كوارث بيئية.
تدمير البيئة ليس أمرًا جديدًا على أردوغان، إذ تسببت مشروعات عملاقة أعلن عنها سابقًا في تخريب مخيف للغابات والطبيعة، مثل مطار إسطنبول الجديد، وجسر إسطنبول الثالث. أما مشروع نفق "أوراسيا" الرابط بين شطري مدينة إسطنبول في أوروبا وآسيا فيستخدمه الأغنياء فقط، بسبب الرسوم الباهظة للمرور منه.
اللافت في كل ذلك، أن جميع تلك المشروعات العملاقة التي تصل تكلفتها إلى مليارات الدولارات، وتنفذ بأسلوب التشييد والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T)، يحصل عليها رجال الأعمال المقربون من أردوغان.
عضو مجلس بلدية إسطنبول الكبرى، التابع لحزب الشعب الجمهوري المعارض، نادر أتامان، أوضح أن مشروع قناة إسطنبول، ما هو إلا مشروع لجني الأموال، وقال: "على من يدافعون عن قناة إسطنبول، وقالوا لرئيس بلدية إسطنبول الكبرى: ’هذا لا يعنيك، اهتم أنت بعملك!‘ أن يوضحوا الوعود التي قدموها لقادة وعائلات أي بلد بالتحديد، وبشكل خاص قطر".
نائب الحزب نفسه في البرلمان عن مدينة إسطنبول، جورسال تكين، زعم أيضًا أن حكومة أردوغان قدمت الأراضي للقطريين بامتيازات خاصة.
وقال: "من الناحية القانونية، فإن بيع العقارات وغير المنقولات إلى الأجانب أمر طبيعي. الإنجليز والألمان والإيرانيون والفرنسيون يشترون عقارات في تركيا، إلا أن القطريين لهم إجراءات استثنائية وامتيازات خاصة؛ إذ يمكنهم تغيير مخطط الإعمار الخاص بالعقارات والأراضي التي اشتروها فيما بعد، وبهذا يحققون ربحًا بشكل غير قانوني".
أما العلاقة غير الاعتيادية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثان، فتنعكس على العلاقات التجارية. فالقطريون يمتلكون مئات الآلاف من الدونمات في العديد من المدن التركية؛ من المناطق المطلة على البحر الأسود إلى مدينة يالوفا، ومن مدينة إسطنبول إلى مدينة بورصا، فضلًا عن امتلاكهم عددًا كبيرًا من الشركات في تركيا.
أما رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، التابع لحزب الشعب الجمهوري المعارض، أكرم إمام أوغلو، فأبدى مؤخرًا رد فعل قويًّا تجاه المشروع، وقرر سحب البلدية من تنفيذ مشروع القناة.
تسبب تصرف أكرم إمام أوغلو في غضب أردوغان، ودفعه للقول بأنه لن يستطيع أحد منع تنفيذ المشروع، وشدد على أنه قد ينفذ المشروع من موازنة الدولة إذا لزم الأمر.
إمام إملم أوغلو علق مرة أخرى وقال: "لا يمكن في أي مكان في العالم أن يتم تنفيذ مشروع دون رغبة أهالي المدينة التي سينفذ فيها، وإلا فإن هذا سيكون له اسم آخر. تركيا لا ولن تقبل مثل ذلك الأمر".
في السياق ذاته، تشهد جميع مدن تركيا، وعلى رأسها إسطنبول، تنظيم حملات للتوقيع، من أجل عدم تنفيذ المشروع، بالإضافة إلى تقديم مذكرات اعتراض إلى الجهات الرسمية.
التعليقات