في جينات الجسد.. المصرى! 1

في جينات الجسد.. المصرى! 1

عادل أديب

"في يقيني أن السينما المصرية لم تنل حتى الآن ماتستحقه من دراسات متعمقة، باعتبارها فنا أو باعتبارها عنصرا ثقافيا فاعلا ومتفاعلا في المجتمع.

ومن ثم فأن دراستها لا تقتصر على مجال الدراسات الفنية فقط، وأنما تمتد لتشمل

مجالات علوم الاجتماع والنفس والسياسة والتاريخ والاقتصاد والانثروبولوجيا وغيرها من الدراسات الإنسانية".                          

المخرج الباحث والرائد الأستاذ / هاشم النحاس

"اغمض عيناك لثوان معدودة..

تخيل معي.. أنك موجودا في تلك اللحظات التاريخية القادمة" 

التاريخ: 5 وفمبر عام 1896.. 

البلد: الإسكندرية...

المكان: "كافيه زواني"..  

بورصة طوسون بشارع فؤاد ( مركز الإسكندرية للإبداع حاليا)..

زحام يعمه التوتر والترقب..

تخيل أنك الآن..

اجتمعت أنت و بعض جموع الشعب المصري - السكندري والجاليات الأجنبية 

(جريج وطليان وأرمن ويهود وفرنسيين وإنجليز)- في لهفة وحذر 

لمشاهدة أعجوبة الزمان!

ويطلب منك أحد المسئولين وكل من في المكان.. بصوت حاد وعالي النظر

إلى شاشة بيضاء تتوسط  آخر المكان والتي وجهت لها كل الكراسي بنفس ترتيب المسارح المعتاد..

ولكن هذه المرة بدون مسرح !

وكعادة المصريين بحسهم الفكاهي.. بدأت تسمع من البعض وأنت جالس بينهم.. 

نبرات واضحة للتلاميذ الساخر والضاحك..

"كيف يطلب مننا النظر إلى قطعة من القماش البيضاء؟!"

"هل يتم عقابنا بالنظر إلى الحائط مثل الأطفال.."

وفجأه تم إطفاء كل الأنوار! ليعم الظلام المكان

فظن البعض أنه انقطاع للكهرباء! 

فأخذ البعض بطلب إشعال الشموع أو لمبات الجاز!

واستكمل البعض سخريته بضحكات مكتومة "شكلهم ح يحضروا عفاريت"

"قوم بينا شكلهم ح يناموا"

وفجأة

اخترق شعاع نور المكان من بين ظهر الجالسين من صندوق خشبي صغير..

مصطحب بصوت متواتر منتظم ورتيب.. أحل محله صمتا متوترا في المكان!

وقد رمى ضوءه على الشاشة البيضاء.. في امتزاج لا مثيل له

ليأمر الضوء تلك الشاشة البيضاء أن تبدأ تفعيل أقوى تعويذات السحر على وجه الأرض!

ولأول مرة في التاريخ.. أمام اعين المصريين.. أمام أعين.. حورس!

يدخل جينات الشعب المصري.. 

فيروس الجين السينمائي – الفتاك - بكل حب وعشق.. وجنون!

دون أدنى مقاومة أو حتى اعتراض!

خرجت أنت مع جموع الشعب في حالة من الذهول بعدها.. ووقد عم الجميع حالة من الاندهاش..

وتساءلت كما تساءل البعض بل وحوقلتم بـ "لاحول ولا قوة الا بالله"!

كيف لشاشة مسطحة.. يلقى عليها ضوء.. من صندوق صغير مصنوع من الخشب

يخرج منها قطارا؟! وإناس يتحركون؟!

أهم جن أم عفاريت؟!

أيكون هذا سحر ؟!

وربما

وربما بعد ثوان معدودة من بداية العرض هرع بعض  الجالسين جوارك بعيدا عن هذا القطار الآتي في مواجهتم من تلك الشاشه البيضاء! 

مما أصابك بعدم القدرة – كغيرك- بالشلل وعدم الحركة.. وظلت عيناك مثبتتان على تلك هذا الضوء الساحر وكأنك منوم تنويما مغناطيسيا..

وتسائل وتندر الجميع 

"كيف سنشرح لاصدقائنا وأقاربنا مارأيناه؟.."

"لن يصدقنا أحد بل ربما ستظن أهالينا باننا تعاطينا خمرا أو مخدر ما!"

هذا الإحساس بالخوف.. انقباض التنفس.. دقات القلب المسموعة في الأذن.. هذا الإحساس بالنشوة والذي تحول إلى متعة ذات لذة خاصة فيما بعد كلما تم إطفاء أنوار القاعة..  

انتظارا لما سينتج عن هذا الضوء من سحر جديد!

هذا الإحساس الذي تحول إلى إدمان لا علاج منه!

تخيل لو كنت أنت موجودا في تلك اللحظه بعينها؟

وأنت لم ترى أبدا صورا متحركة!

لم تر.. السينما من قبل!!

كيف كانت خبرة عقلك وتجارب فكرك وثقافتك.. بل وإدراكك بالعالم من حولك قبلها..

وكيف تطورت خبرات عقلك ومشاعرك وإلى أي مدى.. تغيرت بعدها؟

بل والسؤال الأهم

كيف  ستصبح حياتنا الآن.. لو هي.. بدونها؟!

تخيل للحظة كل تلك الأمور..

الحياة.. 

بدون صورا متحركة!!

بدون صورا متحركة تسجيلية.. إخبارية.. أو روائية 

سنيمائية أو تليفزيونية!

بدون كل الاخترعات التي كانت هي سببا رئيسيا فيها

بدء من التليفزيون ووصولا إلى الأقمار الصناعية

وكل وسائل التواصل الاجتماعي المرئية من يوتيوب!

بدون وفيديو كول الهواتف المحمولة!

وأتساءل كيف كان لنا أن نعرف قصص كفاح الآخرين أو حتى قصص الأشرار منهم؟

كيف كان لنا أن نعرف ماذا حدث لحظة انهيار العراق وإعدام صدام حسين..

تفتت الاتحاد السوفيتي.. تفجير برجى التجارة العالمي..؟

كيف لنا أن نتابع نجاحات "مو صلاح" أو لحظة هزيمة "محمد علي كلاي" الأسطورة في الرابعة فجرا على شاشات التليفزيون المصري من خلال الأقمار الصناعية؟

اغتيال "كنيدي والسادات" واتفاقية كامب ديفيد؟

روائع "شكسبير".. باب الحديد.. ذهب مع الريح.. تايتانك  ورجل المطر؟

ليالي الحلمية.. ومحمود المصري؟

الحرب العالمية الأولى والثانية.. فيتنام؟

الهنود الحمر وأول هبوط على سطح القمر؟

مايكل جاكسون والفيس بريسلي.. أم كلثوم وعمرو دياب؟

طه حسين ومحمد حسنين هيكل

ليلى رستم.. وجدي الحكيم.. محمد متولي الشعراوي..عماد الدين أديب.. عمرو أديب.. 

لميس الحديدي.. إسعاد يونس.. أسامه كمال؟

البريكسيت.. ترامب.. الإخوان .. 

ميدان التحرير؟

القائمة لا تنتهي

وكل هذا بسبب صندوق خشبى صغير.. استطاع أن يجعل

من الصوره الثابتة

صورا متحركة!

هكذا تخيلت تلك اللحظة الفاصلة في حياتنا.. اللحظة التي لم يدرك لحظتها أي من الحاضرين بل وحتى الآن.. 

أنها ستغير من حياة الإنسانية الكثير.. والكثير

وبعد لحظات أدرك جموع الحاضرين أن ما شاهدوه هو مجرد مجموعة من الصور المتحركة

لوصول قطار على أحد محطات باريس! 

وخروج عمال مصنع لوميير من باب المصنع في ليون!

كان ذلك العرض

هو العرض  الأول في مصر.. والعالم العربي.. والثاني بعد أيام قليلة من أول عرض تجارى في العالم في "الجراند كافيه" بباريس للأخوة "لوميير" 

لاختراعهم الذي غير العالم..

"الفوتوغراف المتحرك"!

أو مانطلق عليه الآن

السينما.

كل مافات لم يعني أن تلك كانت هي فقط البدايات

ولكن

قبل ذلك كانت هناك العديد من محاولات..

ولكن كان لاكنشاف "أديسون" الطاقة الكهربية عظيم الأثر في الميلاد الحقيقي لمكن التصوير السينمائي..

مما كان له الفضل الكبير لما

نحن فيها الآن.. 

وسريعا نشرح بعض من تلك المحاولات التي سبقت أديسون ولوميير..

بدأت التجارب على ثلاثة فنون مختلفة، العرض الثابت، تحليل الحركة برسوم متتابعة، ثم التصوير.

استمرت الأبحاث سنوات طويلة في كل فرع من هذا الفروع دون إدراك الآخر بأنه متمم للجزء الآخر!

تمييز العرب والعثمانيين في خلق فنون متعة المشاهدة في العالم مثل "القرا قوز"، قبل ولادة السينما بقرون عديدة، وصندوق الدنيا..

وهو ما يعادل بعد ذلك الفانوس السحري الذي يمكن من خلاله عرض الصور..

في عام 1842 اخترع العالم البلجيكي "بلاتو" آلة سماها "فيناكيستيسكوب" وكانت السبب في فقدانه بصره!

وقد استمرت التجارب  وتوالت سريعا..

مع علماء آخرين ومحاولات تطوير ما اخترعه "بلاتوه" إلى أن وصل عام 1870

العالم الأميركي "هايل" إلى عرض صور فوتوغرافية متحركة نسبياً على شاشة صغيرة!

اخترع العالم "ماريه" آلة فوتوغرافية تسمح بتحليل الحركة مع عدة صور متحركة  

عام  1882 سميت بالبندقية الفوتوغرافية وهي الأصل للكاميرا المعاصرة.

اخترع "أميل رينو" آلة لصنع الرسوم المتحركة في المسارح (المسرح الضوئي)

أما أديسون مخترع "الفوتوغراف" والكهرباء فقد توصل إلى صنع آلة لم تنجح لثقلها.

واخترع الشريط السينمائي بشكله المثقب على الطرفين وقد ساعدته مصانع "أيستمان كوداك" عام 1889 بناء على مواصفاته.

إلى أن الأخوان الفرنسيان "لويس واوجست لوميير" توصلا إلى جمع كل هذه الاختراعات والاجتهادات والنتائج في آلة واحدة وأطلقوا عليها «سينما غراف».

كانت هذه البداية.. ثم دخلت السينما في سباق مع الزمن لتطويرها من بدائية إلى "صامتة" ثم "ناطقة" ثم" بالألوان"، "فالسينما سكوب" 

والتطور ما زال قائماً حتى اليوم مع كل المخترعات التقنية الحديثة

ولكني هنا أزيد معلومة لم ينتبه إليها معظم من تحدث في تاريخ انشاء كاميرات السينما..

وأرجو التوقف هنا عند نظريات "ابن الهيثم" الجبارة في الضوء! 

وإعادة دراسة نظريته من منظور فيلم الصور الثابتة في الأساس..

والتي لولا نظرياته تلك ماكان التصوير الفوتغرافي من أساسه ( في رأي الخاص)..

وللحديث عن "ابن الهيثم" قد يتطلب منا كلاما قد يزيد عن طاقة كل مقالاتى أن أردتم!

ولكن ماذا عن إسهامات "ابن سينا"؟!!

بل وأجعلنى أعود أكثر من ذلك لأصدمك وأصدم العالم أيضا

وماذا عن إسهامات الفراعنة فى الفن السينمائي!!!

ولازال لحديثنا عن تاريخ السينما المصرية.. والكثير لنفخر به.  

التعليقات