زايد...حكيم العرب

زايد...حكيم العرب

محمد منير

قبل ما يقرب من ثماني سنوات على زيارتي الأولى لدولة الإمارات عام 2006، وتحديداً في شهر أكتوبر عام 1998، وكنت محرراً صحفياً بقسم التحقيقات بصحيفة الأهرام، كُلفت بإعداد موضوع صحفي عن حرب أكتوبر بمناسبة الذكرى الـ25 أو اليوبيل الفضي، وهنا اخترت أن أكتب عن الدور العربي، لكنني لم أهتم كثيراً بالمشاهدات المعروفة أو التي تكرر نشرها مراراً على مدى 25 سنة فائتة.

لكن جذب اهتمامي الدور الإماراتي الذي لا يعرفه الكثيرون، وتحديداً المواقف العروبية التي ساندت مصر خلال حرب أكتوبر، وكلمات حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان "رحمه الله" رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في ذلك الوقت، والذي يواكب اليوم الذكرى الثالثة عشرة لرحيله، وقد رسخت تلك المواقف شكل وطبيعة العلاقات الثنائية والتاريخية بين مصر والإمارات، وأذكر مدى تأثري بما قرأته لـ"حكيم العرب" عن مصر، والذي كنت أقرأه للمرة الأولى، وشعرت وتعلمت وقتها كيف للكلمات عندما تكون صادقة أن تمس القلب والروح.

هكذا كانت كلمات الشيخ زايد رحمه الله عن مصر، عندما قال "لكل شيء قلب..وقلب الأمة العربية هي مصر، وما تقوم به الإمارات نحو مصر هو نقطة ماء في بحر مما قامت به مصر نحو العرب".

ولم يكتف الشيخ زايد خلال حرب أكتوبر باستخدام ورقة قطع النفط عن الدول المؤيدة لـ"إسرائيل"، بل لم يتردد لحظة واحدة عندما عجزت ميزانية الدولة أن يقترض ملايين الجنيهات الإسترلينية بنخوة وشهامة الرجل العربي الأصيل صاحب المواقف، وقال وقتها كلمته الشهيرة "إن دولتنا جزء من الأمة العربية ويوجد بيننا الدين والتاريخ واللغة والآلام والآمال والمصير المشترك، فالبترول العربي ليس أغلى من الدم العربي".

وبعد الحرب لم تنقطع مساندتة لمصر، وكان دائماً جنباً إلى جنب في إعادة تعمير مدن القناة التي دُمرت خلال الحرب، وبعد قمة بغداد عندما أعلنت الدول العربية مقاطعة مصر بسبب اتفاقية كامب ديفيد، قال الشيخ زايد كلمتة الشهيرة: "لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود من دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأى حال أن تستغنى عن الأمة العربية»، ولم يقاطع مصر رغم مقاطعة بقية الدول.

نجح الشيخ زايد رحمة الله في ترسيخ حب مصر داخل كل إماراتي، وهو الحب نفسه الذي يكنه كل مصري للشعب الإماراتي، ومن يتابع المشروعات التنموية الإماراتية في مصر سيعرف حجم هذا الحُب، فهذه المشروعات سيستفيد منها نحو 10 ملايين مصري، وتوفر 600 ألف وظيفة، والمتمثلة في بناء 100 مدرسة في 18 محافظة، وبرنامج تدريبي وتشغيلي لأكثر من 100 ألف متدرب، إلى جانب بناء 78 عيادة في شتى المحافظات، وإنشاء 50 ألف وحدة سكنية، إضافة إلى مشروعات الصرف الصحي لـ51 قرية، وتوفير 600 حافلة للنقل العام، إضافة إلى مشروعات الطاقة ومئات المشروعات الأخرى في شتى محافظات مصر وتقدر كلفتها بأكثر من عشرة مليارات دولار في جميع القطاعات الحيوية، فما تقدمه الإمارات لمصر يفوق كلمات الشكر، وسيذكره التاريخ.

أذكر خلال مشاركتي في القمة العالمية للحكومات، في الجلسة الافتتاحية تحدث الفريق الشيخ سيف بن زايد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، عن مصر، وكيف كانت مصر بالنسبة للشيخ زايد (رحمه الله)، وقال إن الإمارات في حرب 73 شاركت الأخوان في مصر، والشعب المصري للوقوف أمام عدو واحد هو في ذلك الوقت إسرائيل، لأن عدو مصر هو عدو الإمارات، وعدو الشعب المصري هو عدو الإمارات.

وأضاف أن الشيخ زايد (رحمه الله)  خلال حرب أكتوبر 1973 أرسل ابنه البكر الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي كان في ذلك الوقت ولي عهده إلى جبهة الحرب، للوقوف على احتياجات الجبهة المصرية، وأضاف نصاً: أن هذا يعني أن مصر غالية على الشيخ زايد،  ومصر غالية على الشيخ خليفة بن زايد، ومصر غالية على سمو الشيخ محمد بن راشد، ومصر غالية على سمو الشيخ محمد بن زايد، ومصر غالية عندنا جميعاً.

هذا  هو الحب الذي رسخه الشيخ زايد رحمه الله في أبنائه، والذي يتلخص في كلمة الفريق أول الشيخ محمد بن زايد حين قال خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة "إن وقفة دولة الإمارات مع مصر وقفة أخ لأخيه، وهي نابعة من محبتنا لمصر، وليست كرهاً في أحد، مصر غالية علينا، مصر مهمة لنا جميعا وهي نقطة اتزان في العالم العربي".

كلمة أخيرة قالها الشيخ زايد بن سلطان رحمة الله:

"نهضة مصر هي نهضة كل العرب، وقد أوصيت أبنائي بأن يكونوا دائمًا إلى جانب مصر، وهذه هي وصيتي أكررها لهم أمامكم، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم".

 محمد منير 

رئيس التحرير

التعليقات