إنتخابات مبكرة في النمسا لإنهاء حالة الجمود السياسي

يتوجه الناخبون في النمسا بعد غد الأحد إلى مقار الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي دعا البرلمان إلى إجرائها بسبب الخلافات التي برزت داخل التحالف الحاكم - الاشتراكي والمحافظ  حول ملفات هامة أدت إلى زيادة التوتر وإثارة التجاذبات بين الأحزاب داخل أروقة البرلمان.

ودارت الخلافات حول قضايا مهمة تصدرتها مشكلة التعامل مع أزمة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين وملف الاندماج وتعديل سياسات سوق العمل وتحفيز الاقتصاد وتعديل النظام الضريبي لتخفيف العبء عن الطبقة المتوسطة.

وتسببت الخلافات والمشاكل المزمنة بين أكبر حزبين في النمسا في حدوث المزيد من التصعيد وفشل قيادات التحالف الاشتراكي المحافظ الحاكم في تقليص الهوة بين مواقفهما الأمر الذي أسفر عن توسيع حدة الانقسامات وإضفاء المزيد من الضبابية على المشهد السياسي بشكل عام وهي تطورات أثرت بالسلب على آداء الحكومة وعرقلت تمرير مشاريع قوانين هامة داخل البرلمان الذي عقد آخر جلساته أمس الخميس معلنا إنتهاء الدورة التشريعية بالتزامن مع استعداد النمساويين للإدلاء بأصواتهم بعد غد الأحد في انتخابات مبكرة يعول عليها المواطن النمساوي في إنهاء حالة الجمود السياسي التي تضرر منها خلال العامين الماضيين.

وفي الوقت الذي تحظى فيه الانتخابات البرلمانية باهتمام بالغ داخل النمسا تتطلع المفوضية الأوروبية إلى الانتخابات بعين القلق وتترقب ظهور النتائج بسبب التغيرات التي طرأت على موازين القوى السياسية للأحزاب والنتائج المترتبة على الإنتخابات المقبلة مقارنة بنظيراتها السابقة وذلك بعد نجاح التيار اليميني المتشدد وتيار يمين الوسط في زيادة حجم شعبيته وتعزيز موقعه على الخريطة السياسية الأمر الذي جعل الانتخابات البرلمانية المقبلة تعد بمثابة نقطة تحول ومفرق طرق يقود إلى تبني سياسات وتوجهات ذات صبغة يمينية متشددة تختلف عن سياسات الحكومات الاشتراكية السابقة.

ويرجع سبب التخوف إلى وجود مؤشرات قوية تتوقع اشتراك حزب "الحرية" الذي يمثل تيار أقصى اليمين في تشكيل الحكومة الإئتلافية الجديدة بعد مرور سنوات طويلة حرصت خلالها الحكومات الاشتراكية الإئتلافية السابقة على تبني سياسات تدعم الطبقة المتوسطة وتحقق التكافل الاجتماعي وتتعاطف مع ظروف اللاجئين. وإلى ذلك تظهر نتائج أحدث إستطلاعات رأي أجرتها مؤسسات ومعاهد متخصصة نجاح وزير الخارجية سباستيان كورتس مرشح حزب الشعب المحافظ في الحفاظ على تقدمه الواضح خلال مرحلة الدعاية الانتخابية مقارنة بأقوى منافسيه حيث تتوقع الدراسات فوز رئيس حزب الشعب المحافظ بالمركز الأول في الانتخابات وتتنبأ بحصول الوزير كورتس على نحو 33% من الأصوات الإنتخابية بناء على نتائج عينات الدراسات والبحوث متقدما على مرشح حزب الحرية اليميني هاينز شتراخا الذي نجح في توسيع شعبيته وتقدم إلى المركز الثاني برصيد 27% على حساب مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستشار كريستيان كيرن رئيس الوزراء الذي تراجع ترتيبه إلى المركز الثالث برصيد 23% بعد حدوث مشاكل كبيرة في إدارة حملته الانتخابية.

وفي تحرك لرئيس الجمهورية الكسندر فان ديربلن اعتبر مراقبون أنه يعكس القلق المتزايد من نمو شعبية التيار اليميني المتطرف في النمسا ألقى الرئيس كلمة استثنائية حاول فيها تنبيه النمساويين إلى أهمية المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة ودعاهم إلى استخدام حقهم الانتخابي والتفكير بعمق قبل التصويت مؤكدًا أن مصلحة النمسا هي أفضل اختيار كما طالب النمساويين بالتركيز على مستقبل النمسا ووضع مصلحة الوطن في المقام الأول ولفت كذلك إلى أهمية عدم التأثر بالشعارات الجذابة التي تستخدمها بعض الأحزاب والنظر بعمق وراء الشعارات في إشارة إلى شعارات الأحزاب اليمينية التي تعمد إلى استغلال ملفات حساسة في تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية باستقطاب أصوات الناخبين في إشارة إلى إستغلال مشكلة تدفق اللاجئين والمهاجرين وملف الأجانب. وأوضح الرئيس أن مشكلة الهجرة لن تحل خلال فترة تشريعية واحدة ولا بإجراءات إنفعالية قصيرة الأجل وتحتاج إلى تفكير بعيد المدى يتسم بالمسؤولية الجماعية. وبالنظر إلى مرحلة ما بعد ظهور النتيجة نجد أن انتخابات النمسا المبكرة تنطوي هذه المرة على صعوبات وتحديات من المتوقع أن تزيد من صعوبة مفاوضات تشكيل التحالف الحكومي الجديد والتعاطي مع نتيجة الإنتخابات التي قد تجبر الحزب الإشتراكي الحاكم على الانتقال إلى مقاعد المعارضة في حال تعرض الحزب لخسارة كبيرة تؤدي إلى تراجع ترتيبه للمركز الثالث كما صرح رئيس الحزب والوزراء كريستيان كيرن وهي خسارة من المتوقع أن تؤدي إلى نشوب خلافات داخل الحزب وتغيير قياداته أو تجبره على الدخول في مفاوضات مؤلمة مع حزب الحرية اليميني الذي يتهمه الاشتراكيون بالتطرف إذا ما نجح الحزب الاشتراكي في حجز المركز الثاني لصالحه وذلك لإقناع حزب الحرية اليميني بالتحالف معه عن طريق إغرائه بتولي حقائب وزارية هامة بدلا من حزب الشعب المحافظ الأقرب منطقيًا من التحالف مع حزب الحرية نظرًا لتشابه برامج الحزبين.

التعليقات