الانتقام والمؤامرة

الانتقام والمؤامرة

عبدالمحسن سلامة

لا أعتقد أن ضرب إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل محمد رضا زاهدي القيادي في الحرس الثوري الإيراني لم يكن مخططا له، ومدروسا، ومنسقا مع الإدارة الأمريكية.

المشكلة في حادث القنصلية ليس في مقتل القيادي البارز محمد رضا زاهدي، وإنما في ضرب مبني القنصلية، لأن مباني السفارات والقنصليات تخضع لسيادة الدول التي تتبعها هذه المباني، وتتمتع بالحصانة الدولية ولها أساليب دقيقة في التعامل وحسابات معقدة وشائكة.

إسرائيل تعلم كل ذلك وتفهمه، ومع ذلك نفذت ضربتها ضد القنصلية الإيرانية، فماذا تقصد من ذلك؟

هل هي مؤامرة إسرائيلية «لجر» قدم إيران إلي الحرب الدائرة الآن في غزة وسط حماية أمريكية شاملة؟!

مشكلة المؤامرة أننا لا نري إلا الجزء «الظاهر» منها، أما الجزء «الغاطس» فهو الأهم والأخطر، وربما تكون الضربة الإسرائيلية لمبني القنصلية في دمشق هو الجزء الظاهر من المؤامرة الإسرائيلية لإشعال المنطقة، وتحويلها إلي حرب إقليمية متعددة الأهداف منها ما يتعلق باستكمال مخطط إسرائيل العدواني في غزة وسط انشغال العالم بالحرب الجديدة بين اسرائيل وايران - لو اشتعلت -، والهدف الثاني هو تدمير قدرات إيران النووية والعسكرية واستغلال الانتقام الإيراني المتوقع في البدء في عملية عسكرية إسرائيلية - أمريكية شاملة لضرب الأهداف النووية والعسكرية الإيرانية خاصة مع تأكيد الإدارة الأمريكية علي لسان منسق السياسات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي جون كيري بالتزام الإدارة الأمريكية بأمن إسرائيل، وأن أمريكا ستفعل كل ما يلزم لضمان قدرة إسرائيل علي الدفاع عن نفسها، وحماية القوات الأمريكية في المنطقة، وهو ما أكده الرئيس الامريكى جو بايدن بنفسه حينما قال «نحن ملتزمون بالدفاع عن اسرائيل، وسوف ندعمها».

هناك جهود ماراثونية حثيثة لضبط النفس، أو الرد بما لا يؤدي إلي الخروج عن قواعد الاشتباك الحالية بين أجنحة إيران في المنطقة وإسرائيل.

لا أحد يدري علي وجه اليقين إلي أين ستتجه الأحداث خلال الأيام المقبلة أو حتي ربما في أثناء قراءة هذا المقال أو قبله، لأن كل السيناريوهات لاتزال مفتوحة.

كل المؤشرات تشير إلي أن عملية طوفان الأقصي كانت بداية لسيناريوهات لا تزال غامضة، ونهايات يصعب رصدها بدقة وسط اشتعال الأحداث والإصرار علي السير فيها دون أفق للحل.

المشكلة الأساسية تكمن في الإدارة الأمريكية وإفشالها لكل مخططات الحل السياسي في المنطقة، ورفضها منح الشعب الفلسطيني حقه المشروع في إقامة دولته طبقا لمقررات الشرعية الدولية علي حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتلك هي «أصل المشكلة» والباقي تفاصيل.

نقلا عن جريدة الأهرام

التعليقات