فجرت وفاة «فتاة الشروق» بعد أن قفزت من سيارة أجرة تابعة لإحدى شركات النقل الذكية، خوفا من محاولة السائق اختطافها، قضية فوضى عمل تلك السيارات والقلق المتزايد من استخدامها بخاصة من جانب الفتيات والسيدات. هذه القضية أصبحت تؤرق كل أسرة تخشى على بناتها من التعرض لمثل هذه المواقف، بعد تكرار الاتهامات بالتحرش ومحاولة الاختطاف من جانب السائق الشقى، تتطلب فتح ملف اشتراطات السلامة والأمان فى السيارات التى تعمل بتطبيقات النقل الذكى بمصر خاصة بعد تزايد عدد الشركات التى تعمل فى هذا المجال، وتستدعى مناقشة مختلف أبعاده التشريعية والأمنية والفنية، إلا أن القراءة المتأنية للحادث وما تلاه من تفاعلات وتداعيات تكشف لنا عن عدة ملاحظات:
أولا: باستثناء تحرك بعض أعضاء مجلس النواب، الذين تقدموا بطلبات إحاطة وبيانات عاجلة بشأن الواقعة، مطالبين بـإخضاع سائقى شركات النقل الذكى لاختبارات نفسية وصحية، فإن تفاعل الجهات المعنية لم يكن على مستوى تفاعل القيادة السياسية مع هذا الحدث، حيث اتصل الرئيس عبدالفتاح السيسى شخصيا ليطمئن على الفتاة الضحية (حبيبة الشماع) فور وقوع الحادث وأكد للأسرة استعداد الدولة لمساعدتها فى أى شيء، حتى إذا استدعى الأمر سفرها للعلاج بالخارج ،وفقا لما ذكرته والدتها، بينما لم نر رد فعل من الشركات العاملة فى هذا المجال أو الجهات المسئولة عنها يطمئن المواطنين على الإجراءات التى تحقق الأمان عند استعمال سيارات النقل الذكي.
ثانيا: إن غالبية سيارات النقل الذكى لا توجد بها أى علامات تشير إلى هويتها كما هو الحال فى التاكسى التى يشير شكلها الخارجى ولوحة أرقامها إلى أنها (أجرة)، الأمر الذى يحول دون تدخل أى أحد إذا لاحظ وجود مشكلة لراكب تلك السيارات، ظنا منه أنها (ملاكى).
ثالثا: إن بعض شركات النقل الذكى لا تلتزم بقرارات رئيس مجلس الوزراء الصادرة عام 2019 بشأن القواعد والإجراءات الآمنة لحماية الركاب، وذلك من خلال التحرى جنائيا عن السائقين وإجراء تحاليل المواد المخدرة كل ثلاثة أشهر، وسحب الرخصة فى حال عدم التزام الشركة.
رابعا: إن مقتضيات الأمن والسلامة تتطلب التعاون بين الجهات المعنية وبخاصة وزارتى الاتصالات والداخلية بشأن إخضاع السائقين بشركات النقل الذكى، لاختبارات نفسية، ومراجعة ملفاتهم الجنائية. والتزام تلك الشركات بتأمين قواعد البيانات بما يحافظ على سريتها وعدم استغلال بيانات المواطنين، ووضع برامج تشغيل سيارات النقل الذكى تحت إشراف أجهزة الأمن لمتابعة خطوط سيرها والتعامل مع أى طوارئ وتوفير كاميرات بالسيارات ووسائل إبلاغ متاحة للركاب عن أى خطر يتعرضون له خلال سير الرحلات.
خامسا: بعد مرور أكثر من أسبوعين على اجتماع لجنة الاتصالات بمجلس النواب، مع ممثلى بعض شركات النقل الذكى ومدير عام جهاز تنظيم النقل، بوزارة النقل، لم نسمع عن أى إجراءات أو تأكيدات لتنفيذ التوصيات الصادرة عن ذلك الاجتماع، وأبرزها: التزام الشركات بوضع زر الاستغاثة أو طلب المساعدة داخل الابلكيشن SOS وتفعيله على السيستم الخاص بمنظومة النقل الذكى، بما يضمن التدخل الفورى، والعمل على وجود مساحات آمنة بين السائق والركاب، كالحواجز الزجاجية، لضمان الأمان لكلا الطرفين، ووضع سيستم لمراقبة الرحلة خلال خط سيرها لتوفير الأمان لمستقلى النقل الذكي. وتوظيف الذكاء الاصطناعى فى التأمين، بتتبع المخاطر مسبقا قبل حدوثها، من خلال مراقبة سلوك السائق، وحالة السيارة.
سادسا: على شركات النقل الذكى توعية الجمهور عبر وسائل الإعلام بنصائح السلامة والأمان عند استخدام سيارتها مثل التحقق من رقم لوحة السيارة والشركة المُصنعة لها قبل بدء الرحلة.واستعمال خاصية (التتبع)، فى التطبيق الخاصة بتلك الشركات (رابط: شارك رحلتك (Share your Trip) الذى يتيح مشاركة اسم سائق السيارة وصورته ولوحة الترخيص والموقع مع صديق للراكب أو عدد من أفراد العائلة. حيث يتلقون رسالة أو إشعاراً يتتبع الرحلة، لتمكينهم من متابعة خط سيرها. كما يمكن التعرف على السائق واسمه وصورته المعروضة فى التطبيق قبل ركوب السيارة، ومعرفة تقييمه، من جانب الركاب السابقين.
إن الأمر يتطلب تواصل العمل مع مختلف الجهات المعنية للوصول إلى تشريعات وإجراءات عملية لضمان أمن وسلامة الركاب، قبل أن نستفيق على مأساة أخرى!
التعليقات